الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملك الله لا يخرج هذا الذي سخر لهم وسلطوا عليه من سلطان الله، ولا يحد من هذا السلطان شيئًا، فالبشر مثلاً يحرثون، ويلقون فيها الحب ولكنهم يرجون الإنبات والإثمار من الرب، وما يحرثون ويلقون الحب إلا بما منحهم الله من حياة، وبما ركب فيهم من عقول، وبما علمهم من علم، فهم يستخدمون نعمة الله للانتفاع بنعمة الله، ومالهم في ذلك من سلطان إلا سلطانًا منحهم الله إياه.
واجبات المستخلفين في الأرض:
والبشر لم يستعمروا في الأرض ولم يستخلفوا عليها ليفعلوا ما يشاءون دون قيد ولا شرط، وليتركوا ما يشاءون دون حسيب ولا رقيب، إنما استعمرهم الله في الأرض واستخلفهم عليها ليعبدوه وحده لا شريك له، وليطيعوا أمره، وينتهوا بنهيه، فإذا كان استخلافهم في الأرض قد منحهم بعض الحقوق، فإنه قد حَمَّلَهُمْ كثيرًا من الواجبات.
ولقد أوجب الله على البشر عامة يوم أسكنهم الأرض أن يهتدوا بهديه، وأن يتبعوا أمره. {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38]. وعهد إليهم ألا يعبدوا الشيطان، وأن يعبدوا الله {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [يس: 60، 61]. وكل من هذين النصين أمر عام باتباع ما أنزل الله وتحريم ما عداه.
ووعد الله - جَلَّ شَأْنُهُ - المؤمنين به، المهتدين بهيده، أن يبدل خوفهم أمنًا، وضعفهم قوة، وأن يستخلفهم في الحكم كما استخلف الذين من قبلهم، وَأَنْ يُمَكِّنَ لَهُمْ ويجعل لهم دولة في الأرض وسلطانًا على الناس والدول، ما داموا قائمين بأمر الله، يعبدونه لا يشركون به شيئًا، ولا ينحرفون عن طاعته، قليلاً ولا كثيرًا {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55].
وبين الله لنا واجبات المستخلفين في الحكم في أخصر عبارة وأجمعها فقال: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج: 41]. فمن واجبات المستخلفين في الحكم دُوَلاً وَأَفْرَادًا أن يقيموا الصلاة، ولا يقيمها إلا مؤمن يعترف بأن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وهذا الاعتراف يقتضي واجبات لا حصر لها.
ومن واجبات المستخلفين في الحكم إيتاء الزكاة، ولا يؤتي الزكاة إلا مؤمن يسلم بما عليه من واجبات، ويعترف بما في ذمته للغير من حقوق.
ومن واجبات المستخلفين في الحكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من استقام