الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 - الكِفَايَةُ:
ويشترط في الإمام أو الخليفة أن يكون كُفْؤًا قادرًا على قيادة الناس وتوجيههم قادرًا على معاناة الإدارة والسياسة، فمن قام بالقسط فقد قام بما أمر به (1).
7 - السلامة:
ويشترط البعض في الإمام أو الخليفة سلامة الحواس والأعضاء من النقص والعطلة كالعمى والصمم والخرس وتجديع الأطراف، وحجتهم أن عدم السلامة على هذا الوجه يقلل من الكفاية في العمل أو من الإتيان به على وجه تام، ولكن البعض يرى أنه لا ضرر من أن يكون في خلق الإمام أو الخليفة عيب كما في الأعمى والأصم والأجذم والأحدب والذي لا يدان له ولا رجلان ومن بلغ الهرم ما دام يعقل، فكل هؤلاء إمامتهم جائزة إذا لم يمنع منها نص قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا نظر، ولا دخل لهذه العيوب في قيام الإمام أو الخليفة على أمر الله بالحق والعدل والله تعالى يقول {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135]، فمن لم يكن كُفْؤًا لوظيفة ليس له أن يتولاها.
8 - القرشية:
وهو شرط مختلف عليه، فالجمهور يشترط أن يكون
(1)" الملل والنحل ": جـ 4 ص 167، " مقدمة " ابن خلدون: ص 183، " المواقف ": ص 605، 606، " المسامرة ": جـ 2 ص 162 - 164، " الأحكام السلطانية " للماوردي، " الأحكام السلطانية " للفراء: ص 625.
الإمام أو الخليفة من قريش وحجتهم في ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاديث في هذا الشأن فروي عنه «الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» ، وروي «الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ مَا إِذَا حَكَمُوا عَدَلُوا» ، وروي «الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ، إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقًّا، وَلَهُمْ عَلَيْهِمْ مِثْلَ ذَلِكَ، مَا إِنْ اسْتُرْحِمُوا فَرَحِمُوا، وَإِنْ عَاهَدُوا وَفَوْا، وَإِنْ حَكَمُوا عَدَلُوا، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، وَالمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» ، وروي «إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ مَا أَطَاعُوا اللهَ وَاسْتَقَامُوا عَلَى أَمْرِهِ» ، وروي «إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ، إِلَاّ كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ، مَا أَقَامُوا الدِّينَ» وروي «إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ مَا إِذَا اسْتُرْحِمُوا رَحِمُوا وَإِذَا حَكَمُوا عَدَلُوا، وَإِذَا قَسَمُوا أَقْسَطُوا فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، وَالمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» ، وروي «" أَمَّا بَعْدُ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، فَإِنَّكُمْ أَهْلُ هَذَا الأَمْرِ، مَا لَمْ تَعْصُوا اللَّهَ، فَإِذَا عَصَيْتُمُوهُ بَعَثَ عَلَيْكُمْ مَنْ يَلْحَاكُمْ كَمَا يُلْحَى هَذَا القَضِيبُ " - لقضيب في يده - ثُمَّ لَحَا قَضِيبَهُ فَإِذَا هُوَ أَبْيَضُ يَصْلِدُ» ، وروي «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّكُمْ أَهْلُ هَذَا الأَمْرِ مَا لَمْ تُحْدِثُوا فَإِذَا غَيَّرْتُمْ بَعَثَ اللَّه عَلَيْكُمْ مَنْ يَلْحَاكُمْ كَمَا يُلْحَى القَضِيب» ، وروي «اِسْتَقِيمُوا لِقُرَيْشٍ مَا اِسْتَقَامُوا لَكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَقِيمُوا فَضَعُوا سُيُوفكُمْ عَلَى عَوَاتِقكُمْ فَأُبِيدُوا خَضْرَاءَهُمْ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَكُونُوا [زَرَّاعِينَ] أَشْقِيَاء» وروي «قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا» ، وروي «كَانَ هَذَا الأَمْر فِي حِمْيَر فَنَزَعَهُ اللَّه مِنْهُمْ وَصَيَّرَهُ فِي قُرَيْش وَسَيَعُودُ إِلَيْهِمْ» ، وروي «لَا يَزَال هَذَا الأَمْر فِي قُرَيْش
مَا بَقِيَ مِنْ النَّاس اِثْنَانِ»، وروي «مَا بَقِيَ مِنْهُمْ اِثْنَانِ، وَمَا بَقِيَ مِنْ النَّاس اِثْنَانِ» .
ويستند الجمهور أيضًا إلى إجماع الصحابة على أن تكون الإمامة في قريش، فقد احتج أبو بكر يوم السقيفة على الأنصار بأن «الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» فعدلوا عن المطالبة بالإمامة بعد أن كانوا يقولون منا أمير ومنكم أمير ورضوا بما قاله لهم:«نَحْنُ الأُمَرَاء وَأَنْتُمْ الوُزَرَاء» (1).
ويرى الخوارج وبعض المعتزلة أنه لا يشترط أن يكون الإمام قرشيًا، وإنما يستحق الإمامة من قام بالكتاب والسنة سواء كان عربيًا أو أعجميًا، ذلك لأنهم يردون حديث «الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» بحجة أنه من أحاديث الآحاد. وذهب ضرار بن عمر إلى تولية غير القرشي أولى، لأنه يكون أقل عشيرة فإذا عصى كان أمكن لخلعه (2).
ولما ضعف أمر قريش وتلاشت عصبيتهم بما نالهم من الترف والنعيم عجرزوا عن حمل الأمر، وتغلب عليهم الأعاجم وصار الحل والعقد لهم، فاشتبه ذلك على كثير من المحققين
(1)" الأحكام السلطانية " للماوردي: ص 5، " الأحكام السلطانية " للفراء الحنبلي: ص 4، " الخلافة ": ص 16، " مقدمة " ابن خلدون: ص 183، " المسامرة ": ص 164 جـ 2، " المواقف ": ص 606، " الملل والنحل ": جـ 4 ص 89، " المحلى ": جـ 9 ص 359، " أسنى المطالب ": جـ 4 ص 109.
(2)
" عون الباري " مع " نيل الأوطار ": جـ 8 ص 295.
حتى ذهبوا إلى نفي اشتراط القرشية، واستندوا في ذلك إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ» كما استندوا إلى قول عمر: «لَوْ كَانَ سَالِمٌ مَوْلَى حُذَيْفَةَ حَيًّا لَوَلَّيْتُهُ» ، وسالم ليس قرشيًا، وإلى ما روي عن عمر:«إِنْ أَدْرَكَنِي أَجَلِي وَأَبُو عُبَيْدَة حَيٌّ اِسْتَخْلَفْته، فَإِنْ أَدْرَكَنِي أَجَلِي وَقَدْ مَاتَ أَبُو عُبَيْدَة اِسْتَخْلَفْت مُعَاذ بْن جَبَلٍ» (*)، ومعاذ أنصاري لا نسب له في قريش. كذلك استدلوا بتأمير عبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة وأسامة بن زيد وغيرهم في الحروب، وممن أسقط شرط القرشية القاضي أبو بكر الباقلاني لما أردك ما عليه أمر قريش من التلاشي والاضمحلال واستبداد الأعاجم بالأمر (1).
والمتمسكون بشرط القرشية يردون على ذلك بأن الحديث ورد في الإمارات الصغرى لا في الإمامة العظمى، وأن ما روي عن عمر لعله اجتهاد منه تغير بعد ذلك، كما أن تأمير عبد الله بن رواحة وغيره ليس له دخل بالإمامة العظمى.
ويعلل ابن خلدون جعل الأمر في قريش بقوة عصبيتهم «لأن قريشًا كانوا عصبة مضر وأصلهم وأهل الغلب فيهم، وكان سائر العرب يعترف لهم بذلك، فلو جعل الأمراء من سواهم لتوقع افتراق الكلمة بمخالفتهم وعدم انقيادهم، ولا يقدر غيرهم من قبائل مضر أن يردهم عن الخلاف ولا يحملهم
(1)" عون الباري " مع " نيل الأوطار ": جـ 8 ص 496، " مقدمة " ابن خلدون: ص 183.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) انظر " فتح الباري بشرح صحيح البخاري " لابن حجر العسقلاني، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، 13/ 119،، طبعة سنة 1379 هـ، نشر دار المعرفة - بيروت.
على الكره، فتفترق الجماعة وتختلف الكلمة، والشارع محذر من ذلك حريص على اتفاقهم، بخلاف ما إذا كان الأمر في قريش لأنهم قادرون على سوق الناس بعصا الغلب إلى ما يراد منهم فلا يخشى من أحد خلاف عليهم ولا فرقة لأنهم كفيلون حينئذٍ بدفعها ومنع الناس منها، فاشترط نسبهم القرشي في هذا المنصب وهم أهل العصبية القوية ليكون أبلغ في انتظام الملة واتفاق الكلمة، وإذا انتظمت كلمتهم انتظمت بانتظامها كلمة مضر أجمع فأذعن لهم سائر العرب وانقادت الأمم سواهم إلى أحكام الملة، ووطئت جنودهم قاصية البلاد كما وقع في أيام الفتوحات واستمر بعدها في الدولتين الى أن اضمحل أمر الخلافة وتلاشت عصبية العرب، فإذا ثبت أن اشتراط القرشية إنما هو لدفع التنازع بما كان لهم من العصبية والغلب، وعلمنا أن الشارع لا يخص الأحكام بجيل ولا عصر ولا أمة، علمنا أن ذلك إنما هو من الكفاية فرددناه إليها وطلبنا العلة المشتملة على المقصود من القرشية، وهي وجود العصبية، فاشترطنا في القائم بأمور المسلمين أن يكون من قوم أولي عصبية غالبة على من معها لعصرها، وإذا نظرت سِرَّ اللهِ في الخلافة لم تعد هذا لأنه سبحانه إنما جعل الخليفة نائبًا عنه في القيام بأمور عباده ليحملهم على مصالحهم ويردهم عن مضارهم، وهو مخاطب بذلك ولا يخاطب بالأمر إلا من له قدرة عليه، ثم إن الوجود شاهد بذلك فإنه لا يقوم بأمر أمة أو جيل إلا من غلب
عليهم، وقل أن يكون الأمر الشرعي مخالفًا للأمر الوجودي» (1).
وظاهر مِمَّا سبق أن ابن خلدون يرى أن الإمامة جعلت في قريش لقوتها وغلبتها وأن حقها في الإمامة زال بزوال قوتها وغلبتها، ومعنى ذلك أن يفسر القرشية بالعصبية الغالبة.
ويرى الدكتور طة حسين أن أبا بكر حينما قال للأنصار: «الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» لم يفكر في إطلاق الإمامة لقريش كلها دون تحديد، وإنما كان يفكر هو وعمر وأبو عبيدة في المهاجرين الذين سبقوا إلى الإسلام فآمنوا به قبل أن يؤمن غيرهم، وآزروا النبي بأنفسهم وأموالهم على نشر دعوته في مكة أيام الجهد والشدة والضيق، فأبو بكر حينما قال للأنصار أن الأئمة من قريش كان يقصد إلى هذه الطبقة الممتازة من قريش طبقة الذين سبقوا إلى الإسلام وجاهدوا مع النبي في مكة والمدينة (2). ومعنى هذا الذي يقوله الدكتور طة حسين أن شرط القرشية لا محل له بعد انتهاء الطبقة الممتازة من قريش أولئك الذين سبقوا إلى الإسلام وجاهدوا مع النبي في مكة أثناء الفتنة وجاهدوا معه في المدينة أثناء القوة.
ويلاحظ أخيرًا أن الأحاديث التي سبق ذكرها معناها جميعًا واحد من حيث أنها جعلت الإمامة في قريش ولكن في بعضها زيادة مقبولة تقطع بأن الأمر لم يجعل في قريش مطلقًا من
(1)" مقدمة " ابن خلدون: ص 184، 185.
(2)
" الفتنة الكبرى ": جـ 1 ص 35، 36.
كل قيد، وإنما هو لقريش ما أطاعوا الله واستقاموا على أمره، فإذا عصو سقط حقهم في الإمامة (1) وحديث «لَا يَزَال [هَذَا] الأَمْر فِي قُرَيْش مَا بَقِيَ مِنْ النَّاس اِثْنَانِ» جاء مطلقًا كحديث «الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» إلا أن كليهما مقيد بما اشترط في الأحاديث الأخرى من طاعة الله والقيام على أمره، وسقوط حق قريش في الإمامة ليس معناه أن لا يكون إمام من قريش وإنما معناه أن لا تكون الإمامة محصورة في قريش فيجوز أن يكون الإمام قرشيًا أو غير قرشي.
ويبقى بعد ذلك أن يقال إن الأحاديث كلها وردت بصيغة الخبر عدا حديث «اِسْتَقِيمُوا لِقُرَيْشٍ مَا اِسْتَقَامُوا لَكُمْ» ، وحديث «قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا» فإنهما وَرَدَا بصيغة الأمر، والأحاديث الواردة بصيغة الخبر ليست أحكامًا، وإنما هي أخبار عن حال قريش وما يحدث لها، ومجموعها يفيد أن الإمامة ستكون فيهم ما أطاعوا الله ولو بقي من الناس اثنان، فإذا عصوا الله بعث عليهم من يقصيهم عنها، أما الحديثان الواردان بصيغة الأمر فقد جاءا ببيان ما يجب على الأمة من معاملة قريش ما دامت مستقيمة على أمر الله.
هذان رأيان يمكن أن يقالا في تفسير الأحاديث الواردة في إمامة قريش وقد بنيا على جمع الأحاديث واستخراج معناها جملة، ولعل هذا هو أصح طريق في تفسير هذه الأحاديث ما دامت هذه الأحاديث جميعًا في درجة واحدة تقريبًا وبعضها
(1) راجع " عون الباري ": جـ 8 ص 493، 494.
يقوي البعض الآخر وليس فيها ما ينسخ شيئًا منها.
ولا يفوتنا هنا أن ننبه إلى جمهور الأمة المتمسكين بشرط القرشية أجازوا خلافة المتغلب ولو لم يكن قرشيًا، وفي هذا ما يناقض التمسك بشرط القرشية، ولكنهم عللوا ذلك بالضرورة.
* * *
هذه هي الشروط التي يجب أن تتوفر في الإمام الأعظم أو الخليفة، وليس ثمة ما يمنع من اشتراط شروط أخرى إذا اقتضتها المصلحة العامة، فيجوز مثلاً أن يشترط في الإمام أن يكون قد بلغ سِنًّا معينة، ويجوز أن يشترط فيه الحصول على درجات علمية معينة، ويجوز أن يشترط فيه أي شرط آخر إذا دعت لذلك الشرط مصلحة الجماعة أو اقتضته ظروف الحياة التي تتغير بمرور الأيام.