الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للهِ الحُكْمُ وَالأَمْرُ:
لِمَنْ الحُكْمُ
؟:
هذا سؤال لا تصعب الإجابة عليه بعد أن علمنا أن الله هو خالق الكون ومالكه، وأنه استعمر البشر واستخلفهم في الأرض، وأمرهم أن يتبعوا هداه، وأن لا يستجيبوا لغيره، فكل ذي منطق سليم لا يستطيع أن يقول بعد أن علم هذا إلا أن الحكم لله، وأنه - جَلَّ شَأْنُهُ - هو الحاكم في هذا الكون ما دام هو خالقه ومالكه، وأن على البشر أن يتحاكموا إلى ما أنزل ويحكموا به، لأنهم من وجه قد استخلفوا في الأرض استخلافًا مقيدًا باتباع هدى الله، ولأنهم من وجه آخر خلفاء لله في الأرض، وليس للخليفة أن يخرج على أمر من استخلفه.
وقد جاءت نصوص القرآن مؤيدة لهذا المنطق البشري السليم، فهي تلزم البشر باتباع ما جاء من عند الله، وَتُحَرِّمُ
عليهم تحريمًا قاطعًا اتباع ما يخالفه: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 106].
{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} [الأعراف: 3].
وقد علمنا الله أن الحق شيء واحد لا يتعدد، وأنه ليس في الدنيا إلا حق أو باطل، وليس بعد الحق إلا الضلال {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَاّ الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس: 32]. كما علمنا أنه أرسل رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [البقرة: 119]. وأن الكتاب الذي أنزل عليه جاء بالحق: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} [آل عمران: 3]. {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} [النساء: 105].
وإذا كان الله قد أرسل رسوله بالهدى ودين الحق: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} [التوبة: 33]. فإن الذين يستجيبون للرسول ولما جاء به إنما يستجيبون للحق ويتبعون الهدى.
أما الذين لا يستجيبون للرسول ولما جاء به من الحق فقد علمنا الله أنهم لا يستجيبون للضلال ويتبعون أهواءهم، وأن أعظم الناس ضلالاً هو من اتبع هواه ولم يهتد بهدى الله:{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50].
وقد جعل الله ما أنزله على رسوله شريعة لنا، وأوجب
علينا أن نتبعها ونلتزم حدودها، ونهانا عن اتباع تشريعات الناس وقوانينهم فما هي أهواؤهم وضلالاتهم يصوغونها تشريعات وقوانين يضلون بها البشر ويصرفونهم عن شريعة الله، وهم مهما تعلموا وعلموا لا يعلمون شيئًا في جنب علم الله الذي أحاط بكل شيء علمًا، والذي يعلم ما فيه هداية البشر وخيرهم:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 18].
والشريعة التي أنزلها الله على رسوله وألزمنا اتباعها والعمل بها ليست إلا كتاب الله الذي يقرأه المسلمون ويستمعون إليه في كل صباح ومساء {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام: 155]. وهذا الكتاب هو القرآن الكريم: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت: 3].
ولقد كان في النصوص السابقة ما يكفي للقطع بأن الحكم في البلاد الإسلامية يجب أن يكون طبقًا للشريعة الإسلامية، لأن اتباع ما أنزل الله يقتضي أن يكون الحكم بما أنزل الله، وأن يكون الحكام قائمين على أمر الله فيما يتصل بذواتهم وفيما هو في أيديهم فما يستطيعون أن يتبعوه عند الاختلاف، وإذا استطاعوا أن
يتبعوا أمر الله فيما هو للأفراد فكيف يستطيعون أن يتبعوه فيما هو للحكام إذا لم يكن الحكام مقيدين باتباع ما أنزل الله؟
وكان يكفي أن نعلم أن الله أوجب علينا عند التنازع والاختلاف أن نتحاكم إلى ما أنزل الله ونحكم في المتنازع عليه والمختلف فيه بحكم الله {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]. {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10]، كان يكفي أن نعلم هذا لنقطع بأن الحكم لله، وأن الحكام والمحكومين في كل بلد إسلامي يجب أن يتقيدوا في كل تصرفاتهم واتجاهاتهم باتباع ما أنزل الله، وأن يجعلوا دستورهم الأعلى كتاب الله.
ولكن الله - جَلَّ شَأْنُهُ -، وهو أعلم بالإنسان، وبأنه أكثر شيء جدلاً جاءنا بنصوص لا سبيل فيها إلى جدال أو استنتاج، تقضي أن الحكم لله في الدنيا وفي الآخرة {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 70]. وتبين لنا أن الله لم يرسل الرسل إلا مبشرين ومنذرين، ولم ينزل الكتب إلا ليتخذها الناس دستورًا في حياتهم الدنيا، يحكمونها ويحكمون بمقتضاها في كل شؤونهم {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة: 213].
ومن هذه النصوص القاطعة نعرف أن الله أنزل القرآن على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ليكون دستور البشرية وقانونها
الأعلى، وليقضي الرسول بين الناس على مقتضى أحكامه كما علمه الله {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105].
ونعرف أن الله - جَلَّ شَأْنُهُ - نفى الإيمان عن العباد وأقسم بنفسه على ذلك حتى يحكموا الرسول فيما يشجر بينهم ليحكم فيه بحكم الله، ولم يكتف الله تعالى في إثبات الإيمان لهم بهذا التحكيم المجرد بل اشترط لاعتبارهم مؤمنين أن ينتفي عن صدورهم الحرج والضيق من قضاء الرسول وحكمه، وأن يسلموا تسليمًا وينقادوا انقيادًا لما حكم به، ولن يحكم إلا بما أنزل الله وبما أراه إياه {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
ومن هذه النصوص القاطعة نعرف أن الله أمر أن يتحاكم الناس إلى ما أنزله على رسوله ويحكموا به وأنه تعالى حذر من اتباع الأهواء والحكم بها، وأمر أن يكون الحكم كله مطابقًا لما أوحي به، كما حذر الحاكم من أن يترك بعض ما أنزل الله أو أن يفتن عنه {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: 48]. {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: 49]. {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ} [الرعد: 37].
ومن هذه النصوص نعرف أن الله جعل الحكم بما أنزله أحسن حكم وأفضله، وأنه نسب الحكم بما أنزل إلى نفسه فجعله حكم الله وأنه جعل الحكم بما عداه حكمًا جاهليًا يقوم على الباطل، وأنه وصف من يبتغي غير حكم الله بأنه يبغي حكم الجاهلية القائم على الأهواء والضلال {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50].
ومن هذه النصوص القاطعة نعرف أن الله حَرَّمَ الحكم بغير ما أنزل، كما حَرَّمَ عليهم الكفر والظلم والفسوق والعصيان، وجعل من لم يحكم بما أنزل الله كافرًا وظالمًا وفاسقًا، فقال - جَلَّ شَأْنُهُ - {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45]، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47].
ولقد عبر القرآن عن الكفر بلفظ الظلم، ومن ذلك قوله تعالى:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، وقوله:{وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254]. كذلك عبر القرآن عن الكفر والظلم بالفسق من ذلك قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَاّ الْفَاسِقُونَ} [البقرة: 99]، وقوله:{إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84]، وقوله:{وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]. وقوله: {فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [البقرة: 59].