الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْنَ أَوْضَاعُنَا الحَالِيَّةُ مِنَ الإِسْلَامِ
؟:
نحن معشر المسلمين في العالم كله ننتسب للإسلام، ونحرص على الانتساب إليه، ونفخر بهذا النسب الإلهي الكريم، ولكنا مع الأسف لا نعرف كثيرًا عن الإسلام، ولا يعرف أكثرنا حقائق الإسلام، ويكاد الإسلام لا يتصل بقلوبنا وأعمالنا وإن اتصل بألسنتنا وأقوالنا.
وليس يهمنا أن نعرف كيف وصل المسلمون إلى هذه الحال، ما دمنا نعرف أن الجهل بالإسلام يؤدي إلى البعد عن أحكام الإسلام، وأن البعد عن الإسلام وهجر بعض أحكامه يؤدي إلى الخروج على الإسلام، بل يؤدي إلى هدم الإسلام.
ولقد جهل أكثر المسلمين الإسلام حتى بعدوا عن حقائق الإسلام وأحكامه، وبعد المسلمون عامة عن الإسلام وهجروا أحكامه حتى خرجوا على الإسلام وهدموا معالم الإسلام.
وإن شئنا أن نعرف إلى أي حد بعدنا عن الإسلام فلقد رأينا فيما سبق كثيرًا من أحكام الإسلام فلننظر أين نحن من هذه الأحكام؟
إن الإسلام يجعل من المسلمين وحدة سياسية واحدة، ولقد كَوَّنَ المسلمون هذه الوحدة وحرصوا عليها من يوم أن تجمع المسلمون في المدينة، وظلت هذه الوحدة تتسع وتقوى حتى بلغت من المنعة والقوة ما لم تبلغه أية وحدة سياسة أخرى قبلها، ثم أخذ المسلمون بعد ذلك يستجيبون للأهواء والمطامع، ويفتنهم عن دينهم الحكم والسلطان، وتحركهم المنافع الشخصية والعصبيات القبلية، فانقضوا على هذه الوحدة المقدسة التي صنعها الله وأمر بالمحافظة عليها فمزقوها شر ممزق، وقطعوها إمارات وسلطنات وممالك وجمهوريات باسم الإسلام وباسم الاستقلال في ظاهر الأمر وباسم الاستغلال وباسم الاستعلاء وباسم العصبيات في حقيقته، وما فعلوا إلا أن مزقوا قوتهم ومنعتهم، وأضعفوا ملكهم وسلطانهم، هيأوا لأعداء الإسلام أن ينالوا من الإسلام، وأن يضعوا أيديهم على هذه الإمارات والسلطنات والممالك والجمهوريات باسم الاحتلال وباسم الحماية وباسم الانتداب وباسم التحالف وبغير ذلك من الأسماء التي يستظل بها الاستعباد ويستتر فيها الاستعمار، ويستعان بها على إذلال الشعوب وإخضاع الأمم.
ويوم كان للمسلمين دولة واحدة كانت دول الأرض
جميعًا تخافهم وترجوهم وتتود إليهم وتتهافت عليهم، وكانت كلمة هذه الدولة الواحدة هي الكلمة العليا في السياسة الدولية، بل كانت سياستها هي السياسة العالمية، أما اليوم ودول الإسلام بضع عشرة دولة عدا الإمارات والسلطنات فقد خفت صوت الإسلام والمسلمين وأصبح المسلمون سخرية أهل الأرض، وأهونهم على الناس، وأضيعهم في ميدان السياسة الدولية، وما نفعتهم هذه الدول المتعددة شيئًا وما حفظت لهم حقًا ولا ردت عنهم حيفًا، وما كانت إلا ذيلاً لغيرها من الدول تستتبع فتتبع، ويشار إليها فتخضع.
ولقد تغير الزمن فأخذ الأقوياء يتوحدون خشية الاستضعاف ويتكتلون رجاء الانتصاف ويواجهون أعداءهم الأقوياء بمثل قوتهم وبما هو أكثر منها، ولكن المسلمين لا يزالون في غمرتهم ساهون، يتفرقون ولا يتوحدون والأصل فيهم التوحد، ويتمزقون ولايتكتلون والأصل فيهم التكتل، كل وحدة وحداتهم تؤول إلى وحدات وكل دولة إلى دويلات وكل جماعة إلى جماعات وكل حزب إلى أحزاب، حتى ضيعوا قوتهم وأهلكوا أنفسهم، ومكنوا لأعدائهم بأيديهم.
والإسلام يجعل من المسلمين إخوانا متحدين متعاونين متضامنين متراحمين، ولكن المسلمين خرجوا على مبادئ الإسلام فاتخذوا لهم من أنفسهم أعداء يناوئ بعضهم بعضًا،
ويحسد بعضهم بعضًا، ويتجسس بعضهم على بعض، ويتحسس بعضهم على البعض الآخر ويغتابه ويقع في عرضه، فهم في تقاطع وتدابر متنافرين متنابذين، بأسهم بينهم شديد لا تجتمع كلمتهم إلا على هوى، وما تفترق إلا على هوى، لا يتعاونون وقد فرض عليهم الإسلام التعاون، ولا يتضامنون وقد أوجب عليهم الإسلام التضامن، ولا يتراحمون وقام الإسلام على التراحم، وليس هذا شأن الأفراد وحدهم وإنما هو شأن الدول الإسلامية أيضًا، فهي على تقاطع وتدابر لا تجتمع إلا على هوى وما تفرقت إلا عن هوى، ليس لها منهج تسير عليه، ولا هدف تنظر إليه، ولا تتعاون في أمر الإسلام الذي تنتسب إليه.
والإسلام يفرض على المسلمين أن يكون لهم إمام واحد، ويوجب قتل من ينازعه في إمامته أو يشاركه فيها أو يعمل على تمزيق وحدة الجماعة، ولكن أئمة المسلمين اليوم لا تعد كثرة حتى لقد خال أحدهم في معرض السخرية أن الإسلام جعل للمسلمين إمامًا واحدًا وجعل للكفر أئمة، فإذا زاد عدد أئمة المسلمين عن واحد فهم أئمة الكفر، وهذه السخرية لا تبعد عن الحقيقة فما ليس إسلامًا فهو كفر، وإذا أوجب الإسلام على المسلمين أن تكون لهم دولة واحدة وإمام واحد فلم يفعلوا ما يوجبه عليهم إسلامهم وجعلوا لأنفسهم دولاً وأئمة فما هم بمسلمين حقيقين بوصف الإسلام، وعملهم كفر خالص إن فعلوه متعمدين غير متأولين.
والإسلام يوجب على المسلمين أن يكون أمرهم شورى بينهم، وأن يختاروا رئيس الدولة الأعلى، ولكن أكثر رؤساء الدول الإسلامية لا يختارهم المسلمون، إنما يفرضون على المسلمين فرضًا بقوة القانون أو بقوة العصبية أو بقوة الاستعمار وما في ذلك كله من الشورى شيء.
ورئيس الدولة الأعلى يستمد سلطانه من الأمة ويستند في وظيفته إلى رضاء الأمة عنه وهذا هو الأصل في الإسلام، ولكن التاريخ يشهد أن أكثر رؤساء الدول الإسلامية لم يستمدوا سلطانهم من الأمة ولم يعتمدوا عليها ولم يستندوا في بقائهم في مناصبهم إليها، وإذا كان بعضهم استمد سلطانه من قوته أو استند إلى عصبيته، فإن الكثيرين استمدوا سلطانهم من أعداء الإسلام واستندوا في مناصبهم إلى قوة الاستعمار، ولقد طال ما عمل الاستعمار على اقتطاع بعض أجزاء الدولة الإسلامية ليجعل منها إمارات ودويلات ويقيم فيها أمراء ورؤساء يسبحون بحمده، ويعتبرهم بعض جنده، بل لقد حرص الاستعمار من زمن طويل على أن يوقع بين الشعوب ورؤسائها حتى إذا وقعت الواقعه تدخل الاستعمار لحماية الرؤساء من الأمة ولحماية الأمة من الرؤساء، فأما من يخضع له الرئيس فيسنده ويؤيده، وأما من يأبى يجيء بغيره ممن يعتبر نفسه مدينًا بمنصبه للاستعمار أو ممن يعجز عن مناهضة الاستعمار.
والإسلام يجعل مهمة رئيس الدولة أن يقيم الإسلام وأن يدير شؤون الدولة في حدوده، ولكنا لا نجد دولة إسلامية واحدة تقيم الإسلام أو تعنى بأمره أو تجعل له صلة بشؤون الدولة والحكم، حتى أصبح الإسلام مضيعًا في بلاده مهملاً من المنتسبين إليه.
والإسلام يوجب أن يكون أمر الحكم شورى بين الناس، ولكن الحكم في البلاد الإسلامية قائم على الهوى والاستبداد، وإن اصطنعت أكثر البلاد الإسلامية لنفسها نظمًا ديمقراطية، ففي كل الأحوال يستبد الرؤساء والحكام والزعماء بأمور الشعب ولا يتركون له من أمره شيئًا، ولا يجعلون له إلى الشورى الصحيحه سبيلاً.
والإسلام يحرم استغلال الأفراد للأفراد، ويحرم استغلال الشعوب للشعوب ويحرم استغلال الحكام للمحكومين، ويحرم الاستغلال من أي نوع كان، ولكن المسلمين اليوم تقوم حياتهم ونظامهم على الاستغلال الذي حرمه الإسلام، فالقوي يستغل الضعيف والغني يستغل حاجة الضعيف، والحاكم يستغل المحكوم، والشعوب الإسلامية على تعددها يستغلها المستعمرون، ويستأثر بخيراتها وأقوات أبنائها الإنجليز والفرنسيون وغيرهم من الأوروبيين والغربيين.
والإسلام يوجب على المسلمين أن يكونوا أقوياء أعزاء،
وأن يعدوا لعدوهم ما استطاعوا من القوة ليرهبوا عدو الله وعدوهم، وليخيفوا من تحدثه نفسه بالاعتداء عليهم، فيظل في أمن وسلام وقوة وعزة، ولكن المسلمين تركوا أمر الله فلم يعدوا ولم يستعدوا حتى أخذتهم الصيحه من كل مكان، فتغلب عليهم أعداؤهم، واحتلوا بلادهم وتقاسموا خيراتهم وأصبح المسلمون ضعفاء أذلاء لا حول لهم ولا قوة، ولا عاصم لهم مِمَّا هُمْ فيه إلا أن يرجعوا إلى الله وأن يعملوا بكتابه، وأن يطيعوا أمره، وأن يعدوا لعدوهم ويعملوا على إخراجه من بلادهم.
والإسلام يوجب على المسلمين أن يحاربوا أعداء الإسلام حتى يستسلموا كارهين ويعطوا الجزية صاغرين، ولكن المسلمين اليوم يسالمون أعداء الإسلام الذين يحاربونهم ويستسلمون لهاؤلاء الأعداء وهم يستطيعون أن يمتنعوا منهم، ويتخذون من هؤلاء الأعداء أئمة يأتون بهم ويأتمرون بأمرهم، ويطيعونهم حتى في أنفسهم وكرامتهم، ويحكمونهم في أموالهم وأوطانهم، بعد أن أطاعوهم في الله وفي الإسلام، وحكموهم في كتاب الله وفي تعاليم الإسلام.
والإسلام يوجب على المسلمين أن يحكموا بما أنزل الله ويحكموا في كل شؤونهم كتاب الله، ويجعل من لم يحكم بما انزل الله كافرًا، وهو ينفى الإيمان عمن لا يتحاكم إلى كتاب الله، ولكن المسلمين في كل بقاع الأرض تقريبًا يحكمون بغير
ما أنزل الله، ويتحاكمون إلى أهوائهم وشهواتهم يصوغونها قوانين ومراسيم ولوائح وغيرها من المسميات، حتى أحلوا لأنفسهم ما حرمه الله وحرموا على الناس ما أحله الله.
والإسلام يوجب على المسلمين أن يدعوا للخير وأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، ولكن المسلمين تخلوا عن هذا الواجب كما تخلوا عن كل واجباتهم الإسلامية فهم لا يدعون إلى الخير وقد فشى فيهم الشر، ولا يأمرون بالمعروف وهم في أشد الحاجه الى الأمر بالمعروف، ولا يتناهون عن المنكر وقد عمهم الفساد وضلوا سبيل الرشاد.
والإسلام يجعل المساواة فريضة من فرائضه والعدالة دعامة من دعائمه، ولكن المسلمين وهو القوام على الإسلام لم يتركوا فريضة من فرائض الإسلام إلا وضعوها، ولا دعامة من دعائمه إلا هدموها، فليس في البلاد الإسلامية اليوم مساواة، وليس فيها عدالة، وإنما فيها أثرة كاملة ومحاباة صارخة، وفيها استعلاء على الضعفاء واستطالة على الفقراء، وفيها عون للباطل ومناهضة للحق، وفيها ظلم فادح وجور فاضح.
والإسلام يجعل المال كله لله، ويجعل للبشر المستخلفين في الأرض الانتفاع به، في حدود أمر الله، وبعد أن يؤدوا للغير حقه في هذا المال، ولكن المسلمين جعلوا لأنفسهم مال الله وحرموا الغير حقه في هذا المال، حتى أصبح المال دُولَةً بين أغنيائهم ممنوعًا عن فقرائهم، وحتى ضاق الفقراء بالفقر
وبالأغنياء، ويا ويل أمة يمنع أغنياؤها حقوق فقرائها، ويضيق فقراؤها بأغنيائها.
والإسلام جاء لمحاربة الظلم والاستبداد والإقطاع، ولكن علماء السوء وحكام آخر الزمان أرادوا أن يجعلوا من الإسلام سندًا للظلم ودعامة للاستبداد والإقطاع ومورد رزق حرام للمفتين المأجورين الذين يسودون أوراقهم ليسكتوا المسلمين عن محاربة الظلم ومقاومة الاستبداد وقطع دابر الإقطاع، وما كان الإسلام ليقيم ما جاء بحربه والقضاء عليه، ولكنها عقلية الحكام الظالمين والمفتين المأجورين لا تتغير بتغير الزمان والمكان، ومن شأنها أن تظل مغلقة لا تتقبل الحقائق ولا تتفتح على الواقع حتى يأتيهم الطوفان وتأخذهم الصيحة من كل مكان.
هذا هو بعض شأن الإسلام الذي اختاره الله للناس دِينًا: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]. ورضي للناس أن يتدينوا به. {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، وأعلمهم أنه لن يتقبل منهم دينًا غيره:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85]، وحذرهم من أن يموتوا على غيره:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
هذا هو بعض شأن الإسلام الذي جعله الله نورًا يخرج الناس من الظلمات، ويهديهم إلى الصراط المستقيم، ويردهم
عن سبيل الضلال والهلاك إلى سبل الرشاد والسلام " {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15، 16].
لقد علمنا الله - جَلَّ شَأْنُهُ - أن الحق شيء واحد لا يتعدد، وأنه ليس في الدنيا إلا حق أو باطل، وأنه ليس بعد الحق إلا الباطل وليس بعد الهدى إلا الضلال {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَاّ الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس: 32]. وعلمنا الله - جَلَّ شَأْنُهُ - أنه لم يرسل رسوله صلى الله عليه وسلم إلينا إلا بالحق، وأن الكتاب الذي أنزل عليه هو الحق، وأن الدين الذي جاء به هو دين الحق. {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} [النساء: 105]. {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} [التوبة: 33].
فإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم قد جاء بالهدى ودين الحق فكل ما خالف الإسلام فهو الضلال ودين الباطل، وإذا كان في غير الإسلام شيء يشبه الإسلام وشيء يختلف عنه، فما يماثل الإسلام حق وما يخالف الإسلام باطل، وهذا وذاك في مجموعة حق تلبس بباطل، وباطل تلبس بحق، وقديمًا فعل الناس هذا ولايزالون يفعلونه كلما أرادوا أن يخرجوا على أمر الله ويخرجوا عن طاعته، وقد نهى الله عن هذا وحرمه في قوله:{وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 42]، وكفل
للذين لا يلبسون الحق بالباطل والإيمان بالكفر أن يرزقهم الأمن والهداية {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82].
وإذا كان الإسلام هو الدين الذي رضيه لنا الله، وهو الحق الخالص الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو النور الذي يخرج الناس من الظلمات والهدى الذي يخرجهم من الضلال، إذا كان الإسلام هو هذا، فما بالنا معشر المسلمين نحول وجوهنا شطر أوروبا وأمريكا نطلب منها النور وما فيهما إلا الظلام، ونرجو منهما الهداية وما عندهما إلا الضلال، ونبحث عندهما عن الحق وما يعرفان إلا الباطل أو الحق متلبسًا بالباطل.
لقد غشيتنا الظلمات يوم أدرنا ظهرنا للإسلام، وولينا وجوهنا شطر أوروبا وأمريكا، ودخلنا المتاهة يوم تركنا القرآن طريق الله المستقيم، وتعلقت أبصارنا بالمذاهب الأوروبية من ديموقراطية واشتراكية وشيوعية وغيرها، وضاع منا الحق يوم هجرنا كتاب الله الذي أنزله على رسوله بالحق، وتعلقنا بكتب جان جاك روسو وكارل ماركس ولينين وأشباههم من الفسقة الكفرة أئمة الكفر والضلال.
وما فعل بنا هذا وصيرنا إليه في أكثر الأحوال إلا جهل أكثر المسلمين للاسلام، ذلك الجهل الذي بلغ ببعض المسلمين أن يؤمنوا بالديموقراطية أو بالاشتراكية أو بالشيوعية وهم
في الوقت نفسه يؤمنون بالإسلام، ويتعبدون به في حدود علمهم ويرجون في كل صباح ومساء أن يلقوا الله عليه، وما يتفق الإسلام مع أحد هذه المذاهب ولا هي منه في شيء، وإذا كان فيها من الحق الذي جاء به الإسلام شيء ففيها من الباطل أشياء، بل فيها كل الباطل وما تقوم في واقع الأمر على الباطل.
ولقد بلغ الجهل ببعض المسلمين أن يقرن الإسلام بهذه المذاهب القائمة على الهوى والضلال فيقول: ديموقراطية الإسلام، واشتراكية الإسلام، وشيوعية الإسلام، وهو يقوله ليروج للاسلام ويرفع منه في أعين الناس، وهو دون شك يظلم الإسلام بهذه التسميات التي ما أنزل الله بها من سلطان، إذ الإسلام أرفع وأفضل من الديموقراطية والاشتراكية والشيوعية متفرقة ومتجمعة، وهو أوسع منها جميعًا وأجمع للخير، وأنه ليجمع كل ما في هذه المذاهب من خير قليل إلى ما فيه من خير كثير لا يحصى ولا يستقصى، كما أنه يخلو من الأهواء والأباطيل والشرور التي تعج بها هذه المذاهب وتقوم عليها، وأن الإسلام مشتق من السلام وكل ما فيه يدعو إلى السلام، وما جاء إلا ليحقق السلام، وليس في هذه المذاهب ما يحقق السلام ولا ما يدعو إليه، وإنما تدعو هذه المذاهب جميعًا إلى الحرب والفتنة والفساد في الأرض، وإحياء طائفة وإماتة أخرى، وإسقاط جماعة لإعلاء أخرى، وتاريخ هذه المذاهب يشهد عليها أنها لا شيء، فقد نشأت الديموقراطية لمحاربة الفساد
وإصلاح الجماعات وإسعاد الناس، فزادتهم فسادًا على فسادهم وشقاء على شقائهم، فاتخذ البعض الاشتراكية مذهبًا لاصلاح ما عجزت عنه الديموقراطية، فكانت الاشتراكية أعجر من الديموقراطية، فاصطنع بعض الشيوعية فكانت أبعد المذاهب عن الإصلاح، وأعونها على الفساد والإفساد، وما أن وقفت على قدميها في روسيا بفضل البطش والإرهاب حتى غشي العالم كله الشقاء وغرق في بحر من الدماء.
ولو عرف المسلمون حقائق الإسلام لتورعوا عن أن يقرنوا عمل الناس بعمل الله، وتسميات الناس بتسميات الله، ودين الحق بأهواء الشر وضلالاتهم.