الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واختيار أبي بكر على هذا الوجه يتفق مع قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38]. وأهم أمور المسلمين وأحقها بالشورى هو أمر الحكم، فعلى المسلمين أن يختاروا من يلي أمرهم ويقوم على شؤونهم وينفذ أمر الله فيهم، ليحققوا ما وصفهم الله به من أن أمرهم شورى بينهم.
وقد بَيَّنَ أبو بكر في خطبته الحدود العامة للعقد الذي تم بينه وبين أولي الرأي في الأمة الذين اختاروا للخلافة، فقال إن من حقه عليهم أن يعينوه ويتعاونوا معه إذا أحسن عمله، وإن من حقهم أن يقوموه ويسددوه إذا أساء أو أخطأ، وإن طاعته واجبة عليهم ما دام لم يخرج على كتاب الله ولا سنة رسوله، فإن خرج فما عليهم من طاعة، وليس له أن يبقى في منصبه.
بَيْعَةُ عُمَرَ:
ولما حضرت الوفاة أبا بكر استشار كثيرًا من الصحابة في تولية عمر، ثم كتب للناس خطابًا جاء فيه:«أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قَدِ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكُمْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، وَلَمْ آلُكُمْ خَيْرًا» . وأمر به أن يقرأ على الناس فجمعوا وقرئ عليهم، وكان أبو بكر قد أشرف عليه فقال «أَتَرْضُونَ بِمَنِ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكُمْ؟ فَإِنِّي مَا اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكُمْ ذَا قَرَابَةٍ، وَإِنِّي قَدِ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكُمْ عُمَرَ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا، فَقَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا» .
ولما استشار أبو بكر بعض الصحابة في عمر قبل أن يكتب
للناس قال: «لَوْ تَرَكْتُهُ مَا عَدَوْتُ عُثْمَانَ، وَالْخِيرَةُ لَهُ - أي لعمر - أَنْ لَا يَلِيَ مِنْ أُمُورِكُمْ شَيْئًا» (1).
فهذا أبو بكر لا يفتات على الناس فهو يختار لهم ويجعل اختياره متوقفًا على رضائهم به ومتوقفًا على رضاء عمر، ولو رفض عمر ما وسعه أن يلزمه، ولو رفض الناس تولية عمر لما ألزمهم إياه، وإنما أحسن أبو بكر الاختيار ووثق به المسلمون وبحسن اختياره فكانوا عند حسن ظنه بهم، ولولا أنه كان يعلم الحق أنه نصح واجتهد للمسلمين في اختيار عمر لما فعلها.
ومن الخطأ أن نعتبر ما حدث من أبي بكر اختيارًا للخليفة من بعده، فلو كَانَ فِعْلُ أبي بكر في حقيقته اختيارًا لما سأل الناس أيرضون بعمر أم لا يرضون، وإنما كان فعل أبي بكر في حقيقته ترشيحًا لمن يراه أقدر على القيام بأمر الناس، وإذا كان الترشيح ممن يحسن الناس به الظن ويأمنونه على مصالحهم يعتبر في حكم الاختيار إلا أنه ليس ترشيحًا في واقع الأمور وفي فقه الفقهاء، والاختيار لا يكون ولا يصح إلا ممن لهم حق الاختيار.
وأبو بكر لا يملك أن يختار الخليفة بعده وإن كان يقوم على أمر الجماعة، لأنه نائب الجماعة استخلفه عليها لمهمة معينة يراعى فيها شخصية النائب، وليس للنائب أن يختار غيره
(1)" الكامل " لابن الأثير: جـ 2 ص 178، 179.