الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انتهى باستبدال الحكام بكل أمور الأمة، وبإهمال مصالحها، وبالاستعلاء عليها، وحرمانها من استعمال حق الشورى استعمالاً صحيحًا، كما انتهى بالحيف على حقوق الأفراد، والاستئثار بالأمور العامة، وإقامة أمر الأمة على الأثرة والمحاباة والظلم والجور، حتى لقد أصبحت الحكومات الإسلامية مضرب المثل في العالم كله على الظلم والإستبداد، وأصبحت الشعوب الإسلامية مضرب المثل في العالم كله على التأخر والانحطاط.
إِمَامَةُ المُتَغَلِّبِ:
ويرى بعض الفقهاء أن الإمامة تثبت أيضًا بطريق التغلب كما تثبت باختيار أهل الرأي، ويسمون هذا النوع من الإمامة بإمامة المتغلب أو إمامة الضرورة لأنها تقبل تحت تأثير الضرورة خشية الفتنة ونتيجة لتغلب شخص ذي عصبية على الحكم (1)، ويرتبون على التغلب طاعة المتغلب والاعتراف بإمامته ولو لم تتوفر فيه شروط الإمامة إذا كان في صرفه عن الإمامة فتنة لا تطاق، فإن لم يترتب على صرفه فتنة أو كان في صرفه أخف الضررين وجب صرفه عن الإمامة وإخراجه منها.
ويمثل الفقهاء لإمامة المتغلب بما حدث من عبد الملك بن مروان حين خرج على عبد الله بن الزبير فقتله، واستولى على
(1)" المسامرة ": جـ 2 ص 168، " الأحكام السلطانية " للفراء: ص 7.
البلاد، وحمل أهلها على مبايعته طوعًا وكرهًا وعلى أن يدعوه إمامًا.
ويشبه البعض إمامة المتغلب بأكل الميتة ولحم الخنزير عند الضرورة ويرى أن السعي واجب دائمًا لإزالتها عند الإمكان ولا يجوز أن توطن الأنفس على دوامها (1).
ولقد قبل الفقهاء إمامة المتغلب اتقاء للفتنة وخشية الفرقة، ولكنها أدت إلى أشد الفتن وإلى تفريق الجماعة الإسلامية وإضعاف المسلمين وهدم قواعد الإسلام ولو علم الفقهاء الذين أجازوا ما سوف تؤدي إليه لما أجازوها لحظة واحدة، فالمتغلب الذي يطلب السلطان على الأمة من غير طريق الشورى إنما هو رجل لا يؤمن بقوله تعالى:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38]، ومن كان لا يؤمن بقول الله فليس أهلاً لولاية أمر المسلمين، فما يقوم أمر المسلمين إلا على إقامة أمر الله، والمتغلب الذي تسلط على المسلمين بما ينافي أمر الله ليرضي أهواء نفسه لن يتأخر عن إرضاء نفسه في كل وقت وعلى حساب أمر الله كلما نازعه إلى ذلك هواه.
إن المسلمين رضوا بولاية العهد، وبإمامة المتغلب، وبالسكوت على الأئمة الظلمة والفسقة، وكان رضاؤهم يرجع إلى الخشية من الفتنة، وما علموا أنهم في الفتنة سقطوا بما رضوا من الخروج على أمر الله، وبما سكتوا عن إقامة أمر الله.
(1)" الخلافة ": ص 37، 38.
إن الفتنة كل الفتنة هي الرضا بالخروج على أمر الله، وإقامة أمور الدنيا أو الدين على غير ما أقامها الله، وما يصح لمسلم ولا مسلمة أن يرضى بغير ما رضيه الله، أو يتقاعد عن إقامة أمر الله ففيم جاء الإسلام وعلام جالد المسلمون الأوائل وفتنوا وعذبوا وقتلوا إن كان خوف الفتنة مِمَّا يقبض أيدي المسلمين عن إقامة الإسلام ويرضيهم بأوضاع لا تتفق مع الأوضاع التي يفرضها الإسلام؟
إن كل وضع مخالف للإسلام يجب أن يزول مهما كلف ذلك من تضحية لأن في ذلك إقامة للإسلام والله قد اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ليقيموا بها الإسلام، فما يملكون أن يتأخروا عن تضحية أموالهم وأولادهم وأنفسهم في ذلك السبيل.