الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المُبَايَعَةُ:
قلنا فيما سبق أن الإمامة أو الخلافة ليست عقدًا طرفاه الخليفة من ناحية وأولو الرأي في الأمة من الناحية الأخرى، ولا ينعقد العقد إلا بإيجاب وقبول: الإيجاب من أولي الرأي في الأمة أو أهل الشورى وهو عبارة عن اختيار الخليفة، والقبول من جانب الخليفة الذي اختاره أولو الرأي في الأمة.
ونستطيع هنا أن نقول أن الإمامة تمر في ثلاث مراحل:
أولها: مرحلة الترشيح للامامة، فيرشح الإمام السابق، أو أحد أهل الرأي الإمام اللاحق. ومن الأمثلة على ذلك ترشيح أبي بكر لعمر أو أبي عبيدة في اجتماع السقيفة وترشيح عمر لأبي بكر بعد أن رفض عمر وأبوعبيدة ترشيح أبي بكر لهما، وكذلك ترشيح أبي بكر لعمر عندما حضرته الوفاة وترشيح عمر للستة بعد أن طعن.
ثانيهما: مرحلة الاختيار أو قبول الترشيح، وفي هذه المرلحة يختار أهل الشورى واحدًا من المرشحين إذا تعدد المرشحون، أو يوافقون على اختيار المرشح إذا كان واحدًا. ومن الأمثلة على ذلك موافقة الناس على ترشيح أبي بكر لما قرئ عليهم خطاب أبي بكر، واختيار عبد الرحمن بن عوف لعثمان بن عفان ومتابعة الناس له في هذا الاختيار.
ثالثها: مرحلة البيعة، وهي مظهر الاختيار والدليل
عليه، وقد تندمج مرحلة البيعة في مرحلة الاختيار فلا يكون بينهما فاصل زمني كما حدث في بيعة أبي بكر فقد رشحه عمر وقال له:«أُمْدُدْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ» ، فبايعه وتتابع الناس على ذلك.
والبيعة تقليد إسلامي أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأول بيعة في الإسلام ذات شأن هي بيعة الأنصار في مكة وتسمى بيعة العقبة بايع فيها سبعون أنصاريًا رسولَ الله كما قال لهم:«عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالكَسَلِ، وَالنَّفَقَةِ فِي العُسْرِ وَاليُسْرِ، وَعَلَى الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، وَأَنْ [تَقُولُوا] فِي اللَّهِ، لَا تَخَافُونَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَعَلَى أَنْ تَنْصُرُونِي، فَتَمْنَعُونِي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ، وَأَزْوَاجَكُمْ، وَأَبْنَاءَكُمْ، وَلَكُمُ الجَنَّةُ» .
وقد نزل القرآن ببيعة النساء في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الممتحنة: 12].
وكان الصحابة يبايعون الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام وعلى الهجرة وعلى الجهاد، بل بايعوه على عدم الفرار من القتال كما حدث في الحديبية.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنَ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا إِذَا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ يُلَقِّنُنَا هُوَ «فِيمَا اسْتَطَعْتَ» .
والأصل في البيعة أن تكون على الكتاب والسنة وإقامة الحق والعدل من قبل الإمام، وعلى السمع والطاعة في المعروف من قبل أهل الشورى، وتتم المبايعة إذا بايع جميع أهل الشورى أو أكثرهم.
وإذا تمت المبايعة انعقدت الإمامة، ووجب على الإمام أن يقوم بأمر الله في المسلمين، وأن يقيم فيهم كتاب الله وسنة رسوله، لا يألو جهدًا في إحقاق الحق وتحقيق العدل، وكان على أهل الشورى وعلى الأمة بصفة عامة أن يسمعوا للإمام ويطيعوه في حدود طاعة الله، أما أهل الشورى فعليهم ذلك التزامًا بالبيعة التي بايعوا، وأما أفراد الأمة فالتزامًا ببيعة نوابهم الذين ينوبون عنهم ويمثلونهم وهم أهل الشورى، وليس لأحد الفريقين أن ينزع يَدًا من طاعة ما لم يحدث الإمام ما يقتضي الخروج على طاعته، وقد حرم الإسلام هذا واعتبره غدرًا في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءً يُعْرَفُ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ، وَإِنَّ أَكْبَرَ الغَدْرِ غَدْرُ أَمِيرِ عَامَّةٍ» وقوله: «مَنْ نَزَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، فَلَا حُجَّةَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» .
والأصل أن يضع المبايع يده في يد من يبايعه ثم يأتي بعبارة البيعة، وقد سجل القرآن شكل البيعة في قول الله - جَلَّ شَأْنُهُ -:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10]. كذلك سجل الحديث هذا الشكل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَايَعَ إِمَامًا، فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ مَا اسْتَطَاعَ» .