الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأن لا يقف موقفا سلبيًا، فإذا عجز عن حماية نفسه كان عليه أن يهاجر إلى بلد آخر يحترم أهله العقيدة ويتمكن فيه من إعلان ما يعتقد، فإن لم يهاجر وهو قادر على الهجرة فقد ظلم نفسه وارتكب إثمًا عظيمًا {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا، إِلَاّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً [النساء: 97، 98].
حُرِّيَّةُ القَوْلِ:
جعلت الشريعة الإسلامية حرية القول حقًا لكل إنسان، بل جعلت القول واجبًا على المسلم في كل ما يمس الأخلاق والمصالح العامة والنظام العام، وفي كل ما أوجبت فيه الشريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104].
وإذا كان لكل إنسان أن يقول ما يعتقد أنه الحق، ويدافع بلسانه وقلمه عما يعتقده، فإن حرية القول ليست خارجًا على نصوص الشريعة وروحها.
ولقد قررت الشريعة حرية القول من يوم نزولها، وقيدت في الوقت نفسه هذه الحرية بالقيود التي تمنع من العدوان وإساءة الاستعمال، وكان أول من قيدت حريته في القول محمد صلى الله عليه وسلم، وهو رسول الله الذي جاء مبشرًا بالحرية وداعيًا لها، ليكون قوله وعمله مثلاً يحتذى، وليعلم الناس أن لا يمكن أن يعفى أحد من هذه القيود إذا كان رسول الله أولى من قيد بها على ما وصفه به ربه من قوله:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
لقد أمر الله رسوله أن يبلغ رسالته للناس، وأن يدعوهم جميعًا إلى الإيمان بالله وأن يحاج الكفار والمكذبين، ويخاطب عقولهم وقلوبهم، ولكن الله - جَلَّ شَأْنُهُ - لم يترك لرسوله حرية القول على إطلاقها، فرسم له طريق الدعوة، وبين له منهاج القول والحجاج، وأوجب عليه أن يعتمد في دعوته على الحكمة والموعظة الحسنة:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، وأمره أن يعرض عن الجاهلين {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، وأن لا يجهر بالسوء من القول {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَاّ مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148]، وأن لا يسب الذين يدعون من دون الله {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108].
وحرية القول في هذه الحدود تعود على الأفراد والأمم