المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَةٌ:

- ‌الخَلْقُ وَالتَّسْخِيرُ:

- ‌هَذَا الكَوْنُ خَلَقَهُ اللهُ:

- ‌هَذَا الكَوْنُ مُسَخَّرٌ لِلْبَشَرِ:

- ‌البَشَرُ مُسَخَّرٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:

- ‌الاِسْتِخْلَافُ فِي الأَرْضِ:

- ‌البَشَرُ مُسْتَخْلَفُونَ فِي الأَرْضِ:

- ‌اِسْتِخْلَافُ البَشَرِ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ:

- ‌أَنْوَاعُ الاِسْتِخْلَافِ:

- ‌سُنَّةُ اللهِ فِي اِسْتِخْلَافِ الحُكْمِ:

- ‌أمثلة من المستخلفين السابقين:

- ‌مركز المستخلفين في الأرض:

- ‌واجبات المستخلفين في الأرض:

- ‌جزاء تعدي حدود الاستخلاف:

- ‌المَالُ مَالُ اللهِ:

- ‌مَاذَا يَمْلِكُ البَشَرُ فِي هَذَا الكَوْنِ

- ‌المَالُ للهِ وَلِلْبَشَرِ حَقُّ الاِنْتِفَاعِ:

- ‌حُدُودُ حَقِّ البَشَرِ فِي الاِنْتِفَاعِ بِمَالِ اللهِ:

- ‌مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى كَوْنِ المَالِ للهِ:

- ‌مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى حَقِّ البَشَرِ فِي الاِنْتِفَاعِ بِمَالِ اللهِ:

- ‌حُقُوقُ الغَيْرِ فِي مَالِ اللهِ:

- ‌أنواع الإنفاق:

- ‌الإنفاق في سبيل الله:

- ‌الإنفاق على ذوي الحاجة:

- ‌إنفاق التطوع:

- ‌حد التطوع:

- ‌بحث محدود:

- ‌للهِ الحُكْمُ وَالأَمْرُ:

- ‌لِمَنْ الحُكْمُ

- ‌الحُكْمُ مِنْ طَبِيعَةِ الإِسْلَامِ:

- ‌الإِسْلَامُ عَقِيدَةٌ وَنِظَامٌ:

- ‌الإِسْلَامُ دِينٌ وَدَوْلَةٌ:

- ‌الحُكُومَةُ الإِسْلَامِيَّةِ، وَظِيفَتُهَا وَمُمَيِّزَاتُهَا:

- ‌الحُكُومَةُ التِي تُقِيمُ أَمْرَ اللهِ:

- ‌مَنْطِقُ التَّجَارِبِ:

- ‌وَظِيفَةُ الحُكُومَةِ إِقَامَةُ أَمْرِ اللهِ:

- ‌مِيزَاتُ الحُكُومَةِ الإِسْلَامِيَّةِ:

- ‌الصفة الأولى: حكومة قرآنية:

- ‌الصفة الثانية: حكومة شورى:

- ‌الصفة الثالثة: حكومة خلافة أو إمامة:

- ‌نَوْعُ الحُكُومَةِ الإِسْلَامِيَّةِ:

- ‌نَشْأَةُ الدَّوْلَةِ الإِسْلَامِيَّةِ:

- ‌الإِسْلَامُ خُلُقُ الدَّوْلَةِ الإِسْلَامِيَّةِ:

- ‌سُلْطَانٌ بِلَا أَلْقَابٍ:

- ‌السُّلْطَانُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا:

- ‌دَوْلَةٌ اسْتَكْمَلَتْ أَرْكَانَهَا:

- ‌مَدَى سُلْطَانِ رَئِيسِ الدَّوْلَةِ الإِسْلَامِيَّةِ:

- ‌الخِلَافَةُ أَوْ الإِمَامَةُ العُظْمَى:

- ‌مَعْنَى الخِلَافَةِ:

- ‌إِقَامَةُ الخِلَافَةِ فَرِيضَةٌ:

- ‌مَصْدَرُ فَرْضِيَّةُ الخِلَافَةِ:

- ‌الخِلَافَةُ وَاجِبَةٌ عَقْلاً:

- ‌الشُّرُوطُ الوَاجِبَةُ فِي الإِمَامِ:

- ‌1 - الإِسْلَامُ:

- ‌2 - الذُّكُورَةُ:

- ‌3 - التَّكْلِيفُ:

- ‌4 - العِلْمُ:

- ‌5 - العَدْلُ:

- ‌6 - الكِفَايَةُ:

- ‌7 - السلامة:

- ‌8 - القرشية:

- ‌اِنْعِقَادُ الإِمَامَةِ أَوْ الخِلَافَةِ:

- ‌الطَّرِيقُ الشَّرْعِيُّ لِلإِمَامَةِ:

- ‌بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ:

- ‌بَيْعَةُ عُمَرَ:

- ‌بَيْعَةُ عُثْمَانَ:

- ‌بَيْعَةُ عَلِيٍّ:

- ‌نَتِيجَةٌ لَا شَكَّ فِي صِحَّتِهَا:

- ‌تَجَوُّزٌ لَا مَحَلَّ لَهُ:

- ‌وِلَايَةُ العَهْدِ:

- ‌نَتَائِجُ الاِسْتِخْلَافِ وَوِلَايَةِ العَهْدِ:

- ‌إِمَامَةُ المُتَغَلِّبِ:

- ‌مَرْكَزُ الخَلِيفَةِ أَوْ الإِمَامِ فِي الأُمَّةِ:

- ‌الخَلِيفَةُ فَرْدٌ يَنُوبُ عَنْ الأُمَّةِ:

- ‌الإِسْلَامُ لَا يُقَدِّسُ الخُلَفَاءَ:

- ‌مُدَّةُ الخِلَافَةِ:

- ‌عَزْلُ الخَلِيفَةِ:

- ‌الجَرْحُ فِي العَدَالَةِ:

- ‌نَقْصُ البَدَنِ:

- ‌الشُّورَى:

- ‌الشُّورَى مِنَ الإِيمَانِ:

- ‌نِطَاقُ الشُّورَى:

- ‌القَوَاعِدُ التِي تَقُومُ عَلَيْهَا الشُّورَى:

- ‌فِي الشُّورَى صَلَاحُ العَالَمِ:

- ‌أَهْلُ الشُّورَى:

- ‌الشُّرُوطُ الوَاجِبَةُ فِي أَهْلِ الشُّورَى:

- ‌سُلْطَانُ الأُمَّةِ:

- ‌اخْتِيَارُ الخَلِيفَةِ أَوْ الإِمَامِ:

- ‌كَيْفِيَّةُ الاِخْتِيَارِ:

- ‌وَحْدَةُ الإِمَامَةِ:

- ‌المُبَايَعَةُ:

- ‌طَلَبُ الوِلَايَةِ:

- ‌السُّلُطَاتُ فِي الدَّوْلَةِ الإِسْلَامِيَّةِ:

- ‌أَوَّلاً: السُّلْطَةُ التَّنْفِيذِيَّةُ:

- ‌ثَانِيًا: السُّلْطَةُ التَّشْرِيعِيَّةُ:

- ‌ثَالِثًا: السُّلْطَةُ القَضَائِيَّةُ:

- ‌القضاة وشرعية القوانين:

- ‌رَابِعًا: السُّلْطَةُ المَالِيَّةُ:

- ‌خَامِسًا: سُلْطَةُ المُرَاقَبَةِ وَالتَّقْوِيمِ:

- ‌‌‌وَاجِبَاتُ الإِمَامِوَحُقُوقِهِ:

- ‌وَاجِبَاتُ الإِمَامِ

- ‌مَسْؤُولِيَةُ الإِمَامِ فِي أَدَاءِ وَاجِبَاتِهِ:

- ‌حُقُوقُ الإِمَامِ:

- ‌حَقُّ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ:

- ‌حَقُّ الإِمَامِ فِي مَالِ المُسْلِمِينَ:

- ‌حُقُوقُ الأَفْرَادِ فِي الإِسْلَامِ:

- ‌ المساواة

- ‌الحُرِّيَّةُ:

- ‌ حرية التفكير

- ‌حُرِّيَّةُ الاعْتِقَادِ:

- ‌حُرِّيَّةُ القَوْلِ:

- ‌حُرِّيَّةُ التَّعْلِيمِ:

- ‌حُرِّيَّةُ التَّمَلُّكِ:

- ‌وَحْدَةُ الأُمَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ:

- ‌إِقْلِيمُ الدَّوْلَةِ الإِسْلَامِيَّةِ:

- ‌دَارُ الإِسْلَامِ:

- ‌دَارُ الحَرْبِ:

- ‌الجِنْسِيَّةُ فِي الإِسْلَامِ:

- ‌أَيْنَ أَوْضَاعُنَا الحَالِيَّةُ مِنَ الإِسْلَامِ

- ‌مَنْ المَسْؤُولُ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ

- ‌مَسْؤُولِِيَّةُ الجَمَاهِيرِ:

- ‌مَسْؤُولِيَّةُ الحُكُومَاتِ الإِسْلَامِيَّةِ:

- ‌مَسْؤُولِيَةُ رُؤَسَاءِ الدُّوَلِ:

- ‌مَسْؤُولِيَّةُ عُلَمَاءِ الإِسْلَامِ:

الفصل: ‌مصدر فرضية الخلافة:

وقول هؤلاء فيه ما يكفي للرد عليهم. فإذا كان الواجب بحسب قولهم هو إقامة الشريعة الإسلامية فإن أداء هذا الواجب يقتضي أن تختار الأمة شخصًا تكل إليه القيام بهذا الواجب، إذ لا يمكن عقلاً أن تتواطأ الأمة كلها على إقامة الشريعة، وإذا تواطأت على إقامتها فلا يمكن أن تتفق على طريقة التنفيذ، ولا يمكن أن تنفذ الشريعة وتقام إذا ترك لكل فرد أن يقيمها وينفذها بحسب ما يرى والأراء تختلف بطبيعة الحال، فوجب إذن أن تختار الأمة من تكل إليه إقامة الشريعة وإمضاء أحكامها، وإذا كان اختيار خليفة أو إمام أمرًا واجبًا لإقامة الشريعة وكانت إقامة الشريعة واجبة تعين أن يكون اختيار الإمام أو الخليفة أمرًا واجبًا أيضًا ما دام الواجب وهو إقامة الشريعة لا يتم إلا به وذلك طبقًا لقاعدة «مَا لَا يَتِمُّ الوَاجِبُ إِلَاّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ» وهي قاعدة أساسها المنطق السليم.

على أن هؤلاء المخالفين إذا كانوا قد رأوا بصفة عامة أن الإمامة جائزة لا واجبة فإن منهم من أوجبها في بعض الأحوال وهؤلاء الموجبون لها في بعض الأحوال اختلفوا فمنهم من أوجبها عند الأمن وأجازها في الفتنة، ومنهم من أوجبها في الفتنة وأجازها في الأمن، وفي هذا التردد بين الوجوب والجواز وفي الخلاف على وقت الوجوب ووقت الجواز في ذلك كله ما يقطع بين هؤلاء المخالفين قد جانبوا الصواب.

‌مَصْدَرُ فَرْضِيَّةُ الخِلَافَةِ:

المصدر الأول لفرضية الخلافة

ص: 126

هو الشرع، فالخلافة أو الإمامة فريضة شرعية يوجبها الشرع على كل مسلم ومسلمة ويخاطب الجميع بها وعليهم أن يعملوا حتى تؤدى هذه الفريضة فإذا أديت سقطت عنهم حتى تتجدد بعزل الخليفة أو موته، والأدلة على فرضية الخلافة هي:

أولاً: الخلافة أو الإمامة سُنَّةٌ فِعْلِيَّةٌ استنها الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين وعليهم أن يقيموا هذه السُنَّةَ ويعملوا بها لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59]، وقوله {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: 64]، وقوله:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]، وقوله:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36].

فالرسول صلى الله عليه وسلم كَوَّنَ من المسلمين وحدة سياسية وألف منهم جميعًا دولة واحدة كان هو رئيسها وإمامها الأعظم، وكان له وظيفتان: الأولى التبليغ عن الله والثانية القيام على أمر الله وتوجيه سياسته الدولية في حدود الإسلام، وقد انتهى عهد التبليغ بوفاة الرسول وانقطاع الوحي إن لم يكن انتهى يوم نزل قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]. وإذا لم يكن بالناس حاجة إلى التبليغ بعد وفاة الرسول لوجود القرآن والسنة فإنهم في أشد الحاجة إلى من يقوم على القرآن والسنة

ص: 127

ويسوسهم في حدود الإسلام، بعد أن كَوَّنَ الرسول منهم وحدة سياسية، واستن لهم رئاسة الدولة وإمامة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، بل إن التأسي بالرسول واتباع سنته يقتضي من المسلمين جميعًا أن يُكَوِّنُوا من أنفسهم وحدة سياسية واحدة، وأن يقيموا لهم دولة واحدة تجمعهم، وأن يقيموا على رأسها من يخلف الرسول في إقامة الدين وتوجيه سياسة الدولة توجيهًا إسلاميًا خالصًا.

ثانيًا: أجمع المسلمون وأصحاب الرسول خاصة وهم أدرى الناس باتجاهات الإسلام على أن يقيموا على رأس الدولة من يخلف الرسول، وما أن تحقق أبو بكر من وفاة الرسول حتى خرج على الناس يقول لهم «أَلَا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَلَا بُدَّ لِهَذَا الدِّينِ مِمَّنْ يَقُومُ بِهِ» فترك الصحابة تجهيز النبي ولم يدفنوه حتى أقاموا أبا بكر خليفة له، والإجماع مصدر من مصادر الشريعة يلزم المسلمين كما يلزم النص، وإذا كان قد جاء بعد العصر الأول من قال بعدم وجوب الخلافة كالأصم فإن هذا لا يطعن في الإجماع الذي انعقد وتواترت به الروايات.

وإذا لم يكن هناك إجماع تام فإن اتفاق الصحابة دليل على اقتضاء الشرع لإقامة خليفة لرسول الله، وصحابة الرسول خير من يفهم الإسلام ويعرف الوجوب والجواز ويفرق بين الحلال والحرام.

وإذا كان الصحابة قد اختلفوا فيما بعد على الخلافة

ص: 128

فينبغي أن نعلم أن الخلاف كان على الشخص الذي يملأ الوظيفة لا على وجوب الخلافة وفرضيتها وعلى وجوب إقامتها (1).

ثالثًا: إن الكثير من الواجبات الشرعية يتوقف على إقامة خليفة أو إمام، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب شرعًا، كما أن في نصب الإمام دفع ضرر وإزالة الضرر تجب شرعًا، وفيه أيضًا جلب منافع للأمة وهو واجب أيضًا، ذلك أن مقصود الشارع فيما شرع من المعاملات والمناكحات والجهاد والحدود وشعائر الشرع وغيرها إنما هو مصالح عائدة على الخلق، وهذه المصالح لا تتم إلا بإمام يرجعون إليه فيما يختلفون فيه، وهم مع اختلاف الأهواء وتشتت الآراء قلما ينقاد بعضهم لبعض فيفضي ذلك إلى التنازع والنوائب وربما أدى إلى إهلاكهم جميعًا، والتجربة تشهد بذلك وتشهد بأن عدم إقامة خليفة يؤدي إلى تعطيل الدين والخروج على الإسلام وتفرق المسلمين كما هو حادث الآن (2).

رابعًا: إن نصوص القرآن والسنة أوجبت إقامة إمام للجماعة الإسلامية (3)، من ذلك قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] والمقصود بأولي الأمر هم أئمة الدولة الذين يتولون الأمر فيها واحدًا بعد

(1)" المسامرة ": جـ 2 ص 142، " المواقف ": ص 603، " مقدمة " ابن خلدون: ص 481.

(2)

" المواقف ": ص 604، " الخلافة ": ص 10.

(3)

" المسامرة ": جـ 2 ص 142، " الملل والنحل ": جـ 4 ص 87، " الخلافة ": ص 11، " المحلى ": جـ 9 ص 359، 360.

ص: 129

الآخر والذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَاتَ [وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ]، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» ، وقال:«مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» وقال: «مَنْ بَايَعَ إِمَامًا، فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ، فَاضْرِبُوا رَقَبَةَ الآخَرِ» وقال: «إِنَّ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ أَنْ تُطِيعُونِي، وَإِنَّ مِنْ طَاعَتِي أَنْ تُطِيعُوا أَئِمَّتَكُمْ» ، وقال:«" لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ "، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: " فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» ، وقال:«سَيَلِيكُمْ بَعْدِي وُلَاّةٌ، فَيَلِيَكُمُ البَرُّ بِبِرِّهِ، وَالفَاجِرُ بِفُجُورِهِ، فَاسْمَعُوا لَهُمْ وَأَطِيعُوا فِي كُلِّ مَا وَافَقَ الحَقَّ، وَصَلُّوا وَرَاءَهُمْ، فَإِنْ أَحْسَنُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ» ،وقال:«مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ» ، وقال:«إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَاقْتُلُوا [الآخَرَ] (*) مِنْهُمَا» (1).

ويؤخذ من هذه النصوص مجتمعة أن على المسلمين أن يختاروا إمامًا لهم أو خليفة عليهم فإن المسلم الذي يموت وليس له إمام يموت ميتة جاهلية، وعليهم أن يختاروا إمامًا واحدًا فإن بويع لاثنين وجب قتل الأخير إن لم يترك الأمر للأول، وكذلك يجب قتل من أراد أن يفرق الجماعة وهي متجمعة على إمام واحد.

(1)" المسامرة ": جـ 2 ص 142، " الملل والنحل ": جـ 4 ص 87، " الخلافة ": ص 11، " المحلى ": جـ 9 ص 359، 360.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:

(*) قارن نفس الحديث بما ورد في صفحة 219 من هذا الكتاب.

ص: 130

خامسًا: إن الله - جَلَّ شَأْنُهُ - جعل المسلمين أمة واحدة على اختلاف لغاتهم وأجناسهم وشعوبهم، {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 52]، {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92]، وواجب على المسلمين أن يتحدوا ويلتفوا حول راية القرآن {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، وحرم عليهم التفرق والاختلاف والتنازع {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} [آل عمران: 105]، {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46]، ومقتضى هذه النصوص أن يكونوا أمة واحدة ووحدة سياسية واحدة، وأن يكونوا من أنفسهم دولة واحدة.

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنه «لَا يَحِلُّ لِثَلَاثَةِ نَفَرٍ يَكُونُونَ بِأَرْضِ فَلَاةٍ إِلَاّ أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ أَحَدَهُمْ» ، ويقول:«إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ» (*). ومدلول هذين الحديثين أنه يشرع لكل عدد بلغ ثلاثة فصاعدًا أن يؤمروا عليهم أحدهم لأن في ذلك السلامة من الخلاف الذي قد يؤدي للقلق إذا استبد كل منهم برأيه وفعل ما يطابق هواه، كما أن اجتماعهم على أحدهم فيه جمع لكلمتهم وتضامن بينهم في مواجهة ما ينزل بهم.

وإذا شرع هذا لثلاثة في فلاة من الأرض أو مسافرين فشرعيته أولى لعدد أكثر يسكنون القرى والأمصار ويحتاجون لدفع التظالم والفصل في الخصومات (1).

(1)" نيل الأوطار ": جـ 8 ص 496.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:

(*) انظر " سنن " أبي داود، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد: 3/ 36، حديث رقم 2608 نشر المكتبة العصرية، صيدا - بيروت. وفي بقية الروايات: «إِذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ

».

ص: 131