الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَرْكَزُ الخَلِيفَةِ أَوْ الإِمَامِ فِي الأُمَّةِ:
الخَلِيفَةُ فَرْدٌ يَنُوبُ عَنْ الأُمَّةِ:
علمنا مِمَّا سبق أن البشر جميعًا مستخلفون في الأرض {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] وظاهر النص أنهم استخلفوا في الأرض واستعمروا فيها بصفتهم الآدمية لا بأية صفة أخرى، وهم في صفة الآدمية سواء لا فرق بين صغيرهم وكبيرهم ولا غنيهم وفقيرهم. ولما كان الخليفة أحد أبناء آدم فهو لايزيد من هذه الوجهة عن أي آدمي آخر.
وعلمنا أيضًا أن استخلاف البشر في الأرض معناه النيابة عن الله عز وجل وأن البشر مكلفون بالقيام على أمره ونهيه {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38]. ولكن البشر بطبيعة الحال لا يستطيعون أن يقيموا أمر الله على ما ينبغي إذا كانوا أفرادًا
لا تربطهم رابطة ولا يجمعهم سلطان يخضع له قويهم ويفيء إليه ضعيفهم، فاقتضى أمر أن يقيموا لهم حكومة تفصل في مشاكلهم وتنوب عنهم جميعًا في إقامة أمرهم في حدود ما أنزل الله.
وقد أقام القرآن أمر المسلمين كله على الشورى فأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يشاورهم في الأمر {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159]. وهو غني بالوحي، وبالتوجيه الإلهي عن مشورتهم، وكان الرسول يشاورهم في كل أمورهم إلا فيما كان يوحى إليه من ربه وهو في الغالب خاص بالتشريع، حتى لقد كان الرسول يشاورهم في تأمير الأمراء ولا يقطع ذلك دونهم وهو رئيس الدولة، يدل على ذلك ما روي عنه من قوله «لَوْ كُنْتُ مُؤَمِّرًا أَحَدًا دُونَ مَشُورَةِ المُؤْمِنِينَ، لأَمَّرْتُ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ» كذلك جعل القرآن الشورى من لوازم الإيمان حيث جعلها صفة من الصفات اللاصقة بالمؤمنين والمميزة للجماعة الإسلامية {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الشورى: 38]. فلا يكمل إيمان المسلمين إلا بقيام الشورى فيهم، ولا يجوز لجماعة مسلمة أن تقيم أو ترضى إقامة أمرها على غير الشورى.
وأهم المسلمين وأحقها بالشورى هو أمر الحكم، فإذا ما أوجبت ظروف الأحوال وطبائع الأشياء أن يقيم
المسلمون لأنفسهم حكومة فقد وجب أن تقوم على الشورى، وعن طريق الشورى، فيختار أصحاب الرأي من المسلمين حكامها، ويلتزم الحكام في مباشرة شؤون الحكم أن يرجعوا إلى أهل الشورى في كل ما يقتضي الرجوع إلى الأمة أو الاستئناس برأيها فيه.
ووظيفة الحكومة الإسلامية هي كما علمنا القيام على أمر الله وسياسة أمور الدولة في حدود ما أنزل الله وهي الوظيفة نفسها التي يجب على كل فرد أن يقوم بها باعتباره مستخلفًا في الأرض استخلافًا عامًا، فكل فرد عليه أن يقيم أمر الله وأن يوجه أموره في حدود ما أنزل الله أي عليه أن يهتدي بهدى الله وينتهي عما نهى عنه الله.
وإذا كانت الجماعة تختار الحكومة لتقوم بالواجب المفروض على الأفراد نفسه فالحكومة تعتبر نائبة عن الجماعة كلها وعن كل فرد منها.
وإذا كان رئيس الحكومة هو ممثلها والنائب عنها فالرئيس في الدولة الإسلامية وهو الخليفة أو الإمام الأعظم يعتبر نائبًا عن الأمة الإسلامية كلها وممثلاً عنها.
فسلطان الخليفة أو الإمام الأعظم مستمد من النيابة عن الأمة الإسلامية، ومدى هذا السلطان يرجع فيه إلى الأمة التي منحته النيابة عنها والتي يمثلها، وتستطيع الأمة بما لها من حق اختيار النائب عنها أن توسع هذا السلطان أو تضيق فيه أو تقيده
بقيود كلما رأت في ذلك مصلحة عامة أو ضمانًا لحسن القيام على أمر الله وعدم الخروج عليه.
وإذا وسعت الأمة في سلطان خليفة ما فإن ذلك لا يقيدها بالنسبة لغيره فلها أن تضيق في سلطان من يخلفه، ولها أن تقيد سلطانه بقيود معينة، وليس له أن يحتج بما منح الخلفاء قبله من سلطان واسع، فما هو إلا نائب عن الأمة، والنائب مقيد في سلطانه بأمر من أنابه ليس له أن يخرج عنه.
فمركز الخليفة أو الإمام الأعظم في الأمة الإسلامية هو مركز النائب عنها، لا المتسلط عليها، والمنفذ لأمرها لا المستبد به، وكل أعمال الخليفة أو الإمام تقوم على أساس نيابته عن الأمة، فما جاء منها داخلاً في حدود نيابته، موافقًا لرأي الأمة فهو صحيح واجب الاحترام، وما جاء خارجًا على حدود النيابة، أو مُهْمِلاً لرأي الأمة، فهو باطل بطلانًا لا شك يجعله لا يستحق الاحترام ولا تجب له الطاعة.
والخليفة أو الإمام الأعظم لا يستطيع بطبيعة الحال أن يقوم بشؤون الأمة وحده ما دامت الأمة قد أنابته عنها في القيام بكل شؤونها فله أن يستعين بغيره فيما لا يستطيع أن يقوم به بنفسه، له أن يستعين بوزراء ومديرين وقضاة وموظفين من كل نوع ويعين لكل منهم العمل الذي يقوم به، وهؤلاء إن اعتبروا نوابًا عن الخليفة فإنهم يعتبرون أيضًا نوابًا عن الأمة بمجرد تعيينهم في وظائفهم، وله هو الإشراف عليهم باعتباره