الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مباشر، ولتنتفع بها الجماعة من طريق غير مباشر، فإذا عطل المنتفع المال فلم ينتفع به فقد عطل انتفاع الجماعة، وكان للجماعة أن ترفع يده عنه بشرط أن تعوضه عنه بما يقابل قيمته.
حُقُوقُ الغَيْرِ فِي مَالِ اللهِ:
وإذا كان لكل فرد حق الانتفاع بما في يده من مال الله في الحدود التي بناها، فإن للغير حقوقًا فرضها الله في هذا المال وأوجب على من في يده المال أن يقوم بها باعتباره مستخلفًا في مال الله، وهذه الحقوق هي:
1 -
الزكاة: وهي فريضة في مال الله، فعلى كل فرد في يده شيء من مال الله أن يخرجها من هذا المال إذا بلغ قدرًا معينًا، ويؤديها إلى الحاكم ليردها على ذوي الحاجة طبقًا لنصوص القرآن.
والزكاة كالصلاة من مباني الإسلام، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ البَيْتِ» لمن استطاع إليه سبيلاً.
وأكثر النصوص تجمع بين الصلاة والزكاة، كقوله تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 83]. وقوله: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] وكقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ
حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَاّ بِحَقِّ الإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ».
والزكاة فريضة في المال، ولذلك تجب على الرجال والنساء والصغار والكبار، لقوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103]. ومقدارها يختلف باختلاف المال، فقد تصل إلى عشر المال كما في المستنبت المقتات، وقد تصل إلى 2.5 % من المال كما في الحلي والنقود، وقد تكون أقل من ذلك كما في زكاة الأنعام.
وتجب الزكاة في كل مال حال عليه الحول، أي مضى عليه عام في يد المستخلف عليه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الحَوْلُ» .
2 -
الإنفاق: وإنفاق المال يعتبر في الإسلام صفة من الصفات الدالة على الإسلام وعلى الإيمان وعلى طاعة الله والقيام بأمره، وحينما وصف الله المتقين وصفهم بأنهم:{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3]، فسوى - جَلَّ شَأْنُهُ - بين الإيمان بالغيب وإقامة الصلاة والإنفاق وجعلها جميعًا علامة على التقوى.
ووصف الله المؤمنين بأنهم هم الذين يخشون ربهم فإذا ذكر
وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا على إيمانهم، وأنهم يعملون ويحسنون عملهم ما استطاعوا ثم يتوكلون بعد ذلك على ربهم، وأنهم الذين يقيمون الصلاة وينفقون مِمَّا رزقهم الله، وأكد الله لنا أن هذه الأوصاف هي أوصاف المؤمن الحقيقي، فالإنفاق إذن صفة من صفات المؤمن، وعلامة على الإيمان الحق {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال: 2 - 4].
بل إن الإنفاق يعتبر في الإسلام أصلاً من أصول البِرِّ أي الخير، فلا يتم الخير إلا بالإنفاق، لقوله تعالى:{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177].
ويلاحظ على نص الآية أولاً: جعل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر أصلاً من أصول البر أي الخير، وجعل الأعمال الصالحة المترتبة على الإيمان والتي هي نتيجة له أصلاً ثانيًا للبر أي الخير. فالخير هو ما يهدف إليه الإسلام،
والأصول التي يقوم عليها هي الإيمان المجرد ثم إتيان ما يقتضيه الإيمان من الأعمال. ومثل ذلك قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]، فالغاية هي الدعوة إلى الخير والوسائل هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويدخل تحتها كل ما جاء به الإسلام، ومن ذلك قوله تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [المائدة: 48]، فغاية الأديان ليست إلا الخير، وما تدعو الناس إلا إلى الاستباق في عمل الخير، ووسائلها إلى ذلك هي الإيمان بالله، والعمل طبقًا لما أمر الله.
ويلاحظ على نص الآية ثانيًا: أنه جعل الإنفاق على رأس الأعمال الصالحة التي تؤدي إلى الخير وهو غاية الإسلام وهدفه، كذلك قدم النص الإنفاق على الصلاة والزكاة، ويكفي هذا دليلاً على مكانة الإنفاق في الإسلام، ودليلاً على أن الإسلام لا يتحقق في مسلم يمتنع عن الإنفاق.
وقد بين لنا الله - جَلَّ شَأْنُهُ - أننا لن نصل إلى ما يهدف إليه الإسلام وهو الخير حتى ننفق من أحب أموالنا وأكرمها علينا، فقال - جَلَّ شَأْنُهُ -:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]، ومن أنفق مِمَّا يحب هان عليه ما دونه.
ويتبين مِمَّا سبق غاية الإسلام هي الخير، وأن وسائله