الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنه قال في تفسير {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159]: «قد علم الله ما به إليهم من حاجة ولكنه أراد أن يستن برسوله من بعده» .
وللرسول صلى الله عليه وسلم أحاديث أخرى في الحض على الشورى، فيروى عنه أنه قال:«مَا خَابَ مَنِ اسْتَخَارَ، وَلَا نَدِمَ مَنِ اسْتَشَارَ» وقال: «المُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ» وقال: «مَا تَشَاوَرَ قَوْمٌ إِلَاّ هُدُوا [لأَرْشَدِ] أَمَرِهِمْ» (**).
وقد تنبه الفقهاء لهذا كله ولم يفتهم ما تحمل هذه النصوص جميعًا من المعاني فقرروا أن الشورى من أصول الشريعة الإسلامية وقواعدها، ومن عزائم الأحكام التي لا بد من نفاذها، ورتبوا على ذلك أن من ترك الشورى من الأحكام فعزله واجب دون خلاف (1).
نِطَاقُ الشُّورَى:
والشورى وإن كانت من الإيمان فإنها ليست مطلقة، وإنما هي مقيدة بنصوص التشريع الإسلامي وروحه، فما جاء فيه نص فقد قضى فيه النص وخرج من اختصاص البشر فلا يمكن أن يكون محلاً للشورى، إلا أن تكون الشورى مقصودًا منها التنفيذ أي تنفيذ ما جاء به النص ففي هذه الحالة تجوز
(1)" تفسير القرطبي ": جـ 4 ص 249 - 251، " مفاتيح الغيب " للرازي: الجزء الثالث، ص 120 - 122.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) ورد بهذه الصيغة «مَا خَابَ مَنِ اسْتَخَارَ، وَلَا نَدِمَ مَنِ اسْتَشَارَ» ، انظر " المعجم الصغير " للطبراني، تحقيق محمد شكور محمود الحاج أمرير، 2/ 175، حديث رقم 980، الطبعة الأولى: 1405 هـ - 1985 م، نشر المكتب الإسلامي. بيروت - دار عمار. عَمَّان.
(**) مأثور عن الحسن البصري وليس حديثا مرفوعًا.
الشورى بشرط أن لا يخرج التنفيذ عن معنى النص وروح التشريع.
وأما ما لم يرد فيه نص فكله محل للشورى، وللمسلمين أن ينتهوا منه إلى ما يرون من رأي، فإن رأت جماعتهم رأيًا وجب تنفيذ هذا الرأي بشرط أن لا يخرج الرأي على مبادئ الإسلام العامة وروحه التشريعية.
وإذا كانت النصوص التي وردت في الشورى قد جاءت عامة إلا أنها خصصت بالنصوص التي استأثرت بالحكم في مسائل بعينها، كما أنها خصصت بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم حيث كان لا يشاور فيما نزل أو ينزل الوحي بحكمه، ولو أن الشورى تجوز في كل شيء لما كان هناك محل لغير النصوص التي وردت في الشورى إذ أن كل ما عداها يكون عبثًا.
ويمكن القول بأن الإسلام قد جاءت نصوصه بالمبادئ الكلية والمناهج العامة ولم يأتنا بالتفصيل والدقائق إلا في حالات قليلة تعتبر بذاتها مبادئ عامة بالنسبة لغيرها أو تطبيقًا للمبادئ والمناهج العامة، وهذا هو الذي يخرج من نطاق الشورى ولا يدخلها إلا بقصد إقامته وتنفيذه، أما ما عداه فكله محل للشورى موضوعًا وتنفيذًا في حدود مبادئ الإسلام العامة وروحه التشريعية.
وإذا كان كل ما قضى فيه الإسلام بحكم خارجًا عن نطاق
الشورى وما عداه داخلاً في نطاقها بشرط أن لا تخرج عن حدود الإسلام، فمعنى ذلك أن الشورى مقيدة بالإسلام تسير في نطاقه، وتماشي مبادئه، وتخدم أهدافه، في كل الظروف والأحوال. والإسلام يعمل على تحقيق المساواة بين البشر وتحرير عقولهم من الجهل، ونفوسهم من الذل، وقواهم من الاستغلال، كما يعمل على إقامة المجتمع على التعاون والتضامن والحب والتراحم والإيثار، وتلك هي بعض الأسس التي يشيد عليها بناء المجتمع الإسلامي، وما هي إلا بعض المبادئ الإنسانية العليا التي تطمح الإنسانية إلى تحقيقها. ويود عقلاء البشر وحكماؤهم أن تتصل حياة الناس بها، وبهذه المبادئ الإنسانية العليا وبمثلها جاءت نصوص الإسلام وعليها أقام حياة الناس وثقافتهم ونشاطهم ومعاملاتهم، كما ربط بها بين نفوسهم وعقولهم وقلوبهم.
وإذا كان الإسلام قد أخرج النصوص التي جاءت بهذا كله وبأمثاله من نطاق الشورى فإنما أخرج من يد البشر ما لا يحسنون القيام به، ولا يستطيعون الإتيان به على وجهه، وحال بينهم وبين أن يتسلطوا على الأسس التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي، والأجهزة التي توجهه، والقوى التي تبعث فيه الحياة الصالحة، وتنمي في أفراده ومجموعه النزعة إلى الخير والفضيلة وتنتهي بهم جميعًا إلى السعادة المنشودة.