المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الإسلام خلق الدولة الإسلامية: - الإسلام وأوضاعنا السياسية

[عبد القادر عودة]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَةٌ:

- ‌الخَلْقُ وَالتَّسْخِيرُ:

- ‌هَذَا الكَوْنُ خَلَقَهُ اللهُ:

- ‌هَذَا الكَوْنُ مُسَخَّرٌ لِلْبَشَرِ:

- ‌البَشَرُ مُسَخَّرٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:

- ‌الاِسْتِخْلَافُ فِي الأَرْضِ:

- ‌البَشَرُ مُسْتَخْلَفُونَ فِي الأَرْضِ:

- ‌اِسْتِخْلَافُ البَشَرِ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ:

- ‌أَنْوَاعُ الاِسْتِخْلَافِ:

- ‌سُنَّةُ اللهِ فِي اِسْتِخْلَافِ الحُكْمِ:

- ‌أمثلة من المستخلفين السابقين:

- ‌مركز المستخلفين في الأرض:

- ‌واجبات المستخلفين في الأرض:

- ‌جزاء تعدي حدود الاستخلاف:

- ‌المَالُ مَالُ اللهِ:

- ‌مَاذَا يَمْلِكُ البَشَرُ فِي هَذَا الكَوْنِ

- ‌المَالُ للهِ وَلِلْبَشَرِ حَقُّ الاِنْتِفَاعِ:

- ‌حُدُودُ حَقِّ البَشَرِ فِي الاِنْتِفَاعِ بِمَالِ اللهِ:

- ‌مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى كَوْنِ المَالِ للهِ:

- ‌مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى حَقِّ البَشَرِ فِي الاِنْتِفَاعِ بِمَالِ اللهِ:

- ‌حُقُوقُ الغَيْرِ فِي مَالِ اللهِ:

- ‌أنواع الإنفاق:

- ‌الإنفاق في سبيل الله:

- ‌الإنفاق على ذوي الحاجة:

- ‌إنفاق التطوع:

- ‌حد التطوع:

- ‌بحث محدود:

- ‌للهِ الحُكْمُ وَالأَمْرُ:

- ‌لِمَنْ الحُكْمُ

- ‌الحُكْمُ مِنْ طَبِيعَةِ الإِسْلَامِ:

- ‌الإِسْلَامُ عَقِيدَةٌ وَنِظَامٌ:

- ‌الإِسْلَامُ دِينٌ وَدَوْلَةٌ:

- ‌الحُكُومَةُ الإِسْلَامِيَّةِ، وَظِيفَتُهَا وَمُمَيِّزَاتُهَا:

- ‌الحُكُومَةُ التِي تُقِيمُ أَمْرَ اللهِ:

- ‌مَنْطِقُ التَّجَارِبِ:

- ‌وَظِيفَةُ الحُكُومَةِ إِقَامَةُ أَمْرِ اللهِ:

- ‌مِيزَاتُ الحُكُومَةِ الإِسْلَامِيَّةِ:

- ‌الصفة الأولى: حكومة قرآنية:

- ‌الصفة الثانية: حكومة شورى:

- ‌الصفة الثالثة: حكومة خلافة أو إمامة:

- ‌نَوْعُ الحُكُومَةِ الإِسْلَامِيَّةِ:

- ‌نَشْأَةُ الدَّوْلَةِ الإِسْلَامِيَّةِ:

- ‌الإِسْلَامُ خُلُقُ الدَّوْلَةِ الإِسْلَامِيَّةِ:

- ‌سُلْطَانٌ بِلَا أَلْقَابٍ:

- ‌السُّلْطَانُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا:

- ‌دَوْلَةٌ اسْتَكْمَلَتْ أَرْكَانَهَا:

- ‌مَدَى سُلْطَانِ رَئِيسِ الدَّوْلَةِ الإِسْلَامِيَّةِ:

- ‌الخِلَافَةُ أَوْ الإِمَامَةُ العُظْمَى:

- ‌مَعْنَى الخِلَافَةِ:

- ‌إِقَامَةُ الخِلَافَةِ فَرِيضَةٌ:

- ‌مَصْدَرُ فَرْضِيَّةُ الخِلَافَةِ:

- ‌الخِلَافَةُ وَاجِبَةٌ عَقْلاً:

- ‌الشُّرُوطُ الوَاجِبَةُ فِي الإِمَامِ:

- ‌1 - الإِسْلَامُ:

- ‌2 - الذُّكُورَةُ:

- ‌3 - التَّكْلِيفُ:

- ‌4 - العِلْمُ:

- ‌5 - العَدْلُ:

- ‌6 - الكِفَايَةُ:

- ‌7 - السلامة:

- ‌8 - القرشية:

- ‌اِنْعِقَادُ الإِمَامَةِ أَوْ الخِلَافَةِ:

- ‌الطَّرِيقُ الشَّرْعِيُّ لِلإِمَامَةِ:

- ‌بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ:

- ‌بَيْعَةُ عُمَرَ:

- ‌بَيْعَةُ عُثْمَانَ:

- ‌بَيْعَةُ عَلِيٍّ:

- ‌نَتِيجَةٌ لَا شَكَّ فِي صِحَّتِهَا:

- ‌تَجَوُّزٌ لَا مَحَلَّ لَهُ:

- ‌وِلَايَةُ العَهْدِ:

- ‌نَتَائِجُ الاِسْتِخْلَافِ وَوِلَايَةِ العَهْدِ:

- ‌إِمَامَةُ المُتَغَلِّبِ:

- ‌مَرْكَزُ الخَلِيفَةِ أَوْ الإِمَامِ فِي الأُمَّةِ:

- ‌الخَلِيفَةُ فَرْدٌ يَنُوبُ عَنْ الأُمَّةِ:

- ‌الإِسْلَامُ لَا يُقَدِّسُ الخُلَفَاءَ:

- ‌مُدَّةُ الخِلَافَةِ:

- ‌عَزْلُ الخَلِيفَةِ:

- ‌الجَرْحُ فِي العَدَالَةِ:

- ‌نَقْصُ البَدَنِ:

- ‌الشُّورَى:

- ‌الشُّورَى مِنَ الإِيمَانِ:

- ‌نِطَاقُ الشُّورَى:

- ‌القَوَاعِدُ التِي تَقُومُ عَلَيْهَا الشُّورَى:

- ‌فِي الشُّورَى صَلَاحُ العَالَمِ:

- ‌أَهْلُ الشُّورَى:

- ‌الشُّرُوطُ الوَاجِبَةُ فِي أَهْلِ الشُّورَى:

- ‌سُلْطَانُ الأُمَّةِ:

- ‌اخْتِيَارُ الخَلِيفَةِ أَوْ الإِمَامِ:

- ‌كَيْفِيَّةُ الاِخْتِيَارِ:

- ‌وَحْدَةُ الإِمَامَةِ:

- ‌المُبَايَعَةُ:

- ‌طَلَبُ الوِلَايَةِ:

- ‌السُّلُطَاتُ فِي الدَّوْلَةِ الإِسْلَامِيَّةِ:

- ‌أَوَّلاً: السُّلْطَةُ التَّنْفِيذِيَّةُ:

- ‌ثَانِيًا: السُّلْطَةُ التَّشْرِيعِيَّةُ:

- ‌ثَالِثًا: السُّلْطَةُ القَضَائِيَّةُ:

- ‌القضاة وشرعية القوانين:

- ‌رَابِعًا: السُّلْطَةُ المَالِيَّةُ:

- ‌خَامِسًا: سُلْطَةُ المُرَاقَبَةِ وَالتَّقْوِيمِ:

- ‌‌‌وَاجِبَاتُ الإِمَامِوَحُقُوقِهِ:

- ‌وَاجِبَاتُ الإِمَامِ

- ‌مَسْؤُولِيَةُ الإِمَامِ فِي أَدَاءِ وَاجِبَاتِهِ:

- ‌حُقُوقُ الإِمَامِ:

- ‌حَقُّ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ:

- ‌حَقُّ الإِمَامِ فِي مَالِ المُسْلِمِينَ:

- ‌حُقُوقُ الأَفْرَادِ فِي الإِسْلَامِ:

- ‌ المساواة

- ‌الحُرِّيَّةُ:

- ‌ حرية التفكير

- ‌حُرِّيَّةُ الاعْتِقَادِ:

- ‌حُرِّيَّةُ القَوْلِ:

- ‌حُرِّيَّةُ التَّعْلِيمِ:

- ‌حُرِّيَّةُ التَّمَلُّكِ:

- ‌وَحْدَةُ الأُمَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ:

- ‌إِقْلِيمُ الدَّوْلَةِ الإِسْلَامِيَّةِ:

- ‌دَارُ الإِسْلَامِ:

- ‌دَارُ الحَرْبِ:

- ‌الجِنْسِيَّةُ فِي الإِسْلَامِ:

- ‌أَيْنَ أَوْضَاعُنَا الحَالِيَّةُ مِنَ الإِسْلَامِ

- ‌مَنْ المَسْؤُولُ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ

- ‌مَسْؤُولِِيَّةُ الجَمَاهِيرِ:

- ‌مَسْؤُولِيَّةُ الحُكُومَاتِ الإِسْلَامِيَّةِ:

- ‌مَسْؤُولِيَةُ رُؤَسَاءِ الدُّوَلِ:

- ‌مَسْؤُولِيَّةُ عُلَمَاءِ الإِسْلَامِ:

الفصل: ‌الإسلام خلق الدولة الإسلامية:

‌نَشْأَةُ الدَّوْلَةِ الإِسْلَامِيَّةِ:

‌الإِسْلَامُ خُلُقُ الدَّوْلَةِ الإِسْلَامِيَّةِ:

تلك حقيقة لا يجادل فيها أحد فالإسلام هو الذي خلق الدولة الإسلامية من العدم، ومد أطرافها في كل الاتجاهات، وجعل منها دولة مرهوبة الجانب تدور في فلكها الدول وتتقرب إليها الممالك.

والقرآن هو الذي وجه المسلمين لتكوين هذه الدولة حيث بشرهم بها، ووعدهم بقيامها، ودفعهم لأن يعملوا لقيام الدولة وأن يقيموها عندما تيسرت لهم سبل إقامتها.

ولقد كانت أولى بشرى بقيام الدولة الإسلامية بمثابة التشجيع والتقوية للمسلمين وحضهم على الصبر والتضحية فقد كانوا يعيشون في مكة مستضعفين يصاحبهم التعذيب ويماسيهم، ويلاحقهم التكذيب والسخرية أينما ذهبوا، نبههم الله - جَلَّ

ص: 106

شَأْنُهُ - أولاً إلى سنته في خلقه وأنه كتب على نفسه أن يجعل الأرض ميراثًا لعباده الصالحين يحكمون أهلها ويمدون سلطانهم عليها، ثم نبههم ثانيًا أنه يعلمهم هذا بصفة خاصة ليفقهوه ويرتبوا عليه نتائجه ويستعدوا لها {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ، إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 105 - 107].

أما البشرى الثانية فكانت بعد الهجرة إلى المدينة، فكانت بشرى ووعدًا من الله - جَلَّ شَأْنُهُ - باستخلاف المسلمين ويبسط سلطان الدولة الإسلامية على الأرض والتمكين للمسلمين في أقطارها، وبإبدالهم من الخوف أمنًا ومن الضعف قوة {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55].

ولقد بشر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين أثناء حفر الخندق حول المدينة بأنهم سيستخلفون على ملك فارس والروم واليمن، فكانت هذه البشرى مثارًا لسخرية المنافقين والذين في قلوبهم مرض، وأخذوا يتندرون بهذه البشرى التي جاءت في وقت يحفر فيه المسلمون خندقًا حول المدينة ليحموا أنفسهم من كفار قريش وأحلافها حتى أنزل الله في ذلك قوله:{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَاّ غُرُورًا} [الأحزاب: 12].

ص: 107

ولقد دفع القرآن المسلمين لتكوين الدولة التي وعدوا بها عندما تهيأت لهم أسباب تكوينها بعد الهجرة إلى المدينة، فأذن لهم أن يقاتلوا أعداءهم الذين ظلموهم وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم، والقتال هو أول مظهر من مظاهر الدولة، ووعد المسلمين النصر والغلبة على أعدائهم، ونبههم بعد ذلك إلى وظيفة الدولة الإسلامية التي قدر لها أن ترث الأرض ووعد الله بالتمكين لها، وبين أن وظيفة هذه الدولة هي إقامة أمر الله وذلك بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي ينكره الإسلام {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَاّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج: 39 - 41].

وإذا كانت الدولة الإسلامية قد قامت في أذهان المسلمين وهم في مكة وارتسمت لها صورة جميلة كانت تداعب خيالهم وهم محصورون في المدينة أثناء غزوة الأحزاب، فإن الدولة الإسلامية قد تكونت فعلاً في المدينة بعد أن اعتنق الأوس والخرزج الإسلام وتجمعوا عليه، وبعد أن هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة، حتى إذا لحق بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم التفوا حوله وسمعوا له وأطاعوا فَكَوَّنَ منهم أول وحدة

ص: 108

سياسية إسلامية، وأخذت هذه الوحدة الصغيرة - ولم تكن تجاوز المدينة وضواحيها - تكبر وتنمو وتزحف في كل الاتجاهات حتى شملت كل جزيرة العرب ثم ابتلعت بعد ذلك الدولة الفارسية وغيرها من الدول واقتطعت من الدولة الرومانية معظم ما تملكه وحبستها في أوروبا، وقد تم كل ذلك، ولما يمض أربعون عَامًا على تكوين الوحدة السياسية الإسلامية أو بتعبير آخر الدولة الإسلامية.

ولقد قامت الدولة الجديدة على أساس الإسلام في كل شيء، في إدارتها وسياستها وحربها وسلمها وصلاتها بالأفراد والجماعات، واتخذ المسلمون حاكمين ومحكومين من القرآن وسنة الرسول دُسْتُورًا لهم ينظم شؤونهم الفردية والعامة، ويهيمن على شؤون الحكم والسياسة والاقتصاد والاجتماع والتشريع.

وكان محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أول رئيس لهذه الدولة الناشئة، فجمع برئاسته للدولة بين صفتين: أولاهما صفة الرسول فهو يبلغ عن ربه ما أوحي إليه من الدين والتشريع ويبينه للناس. والثانية: صفة الحاكم فهو يرأس الدولة ويديرها فيجيش الجيوش ويسيرها ويعلن الحرب ويعقد الصلح ويبرم المعاهدات ويعين القواد والحكام والقضاة ويقيلهم ويصرف الشؤون المالية والقضائية والسياسية والإدارية.

وكان صلى الله عليه وسلم يؤدي وظيفته كحاكم في حدود الإسلام، فما جاءت فيه نصوص صريحة طبق عليه تلك النصوص

ص: 109