الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
173 - فَخْرُ المُلْكِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ خَلَفٍ *
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ خَلَف بن الصَّيْرَفِيِّ.
وبَاسْمِهِ صُنِّفَ كِتَاب (الفَخرِي) فِي الجَبْر وَالمُقَابلَة (1) .
كَانَ صَدْراً مُعَظَّماً، جَوَاداً مُمَدَّحاً مِنْ رِجَالِ الدَّهْر، كَانَ أَبُوْهُ صَيْرَفِيّاً بِدِيْوَانِ وَاسِط، وَكَانَ أَبُو غَالِبٍ مِنْ صِبَاهُ يَتعَانَى المَكَارم وَالأَفْضَال، وَيُلقِّبُونه بِالوَزِيْر الصَّغِيْر، ثُمَّ وَلِيَ بَعْضَ الأَعمَالِ، وَتَنَقَّلَتْ بِهِ الأَحْوَالُ إِلَى أَنْ وَلِي دِيْوَانَ وَاسِط، ثُمَّ وَزَرَ، ونَابَ لِلْسُّلْطَان بَهَاءِ الدَّوْلَة (2) بِفَارِس، وافْتَتَحَ قِلَاعاً، ثُمَّ وَلِي العِرَاقَ بَعْد عَمِيْد الجُيُوش (3) ، فَعَدَلَ قَلِيْلاً، وَأَعَادَ اللَّطْمَ يَوْم عَاشُورَاء، وَثَارَت الفِتَنُ لِذَلِكَ، وَمَدَحَتْهُ الشُّعَرَاء (4) ، وَدَام سِتَّ سِنِيْنَ، ثُمَّ أُمْسِكَ بِالأَهْوَازِ، وَقُتِلَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَأَخَذُوا لَهُ جَوْهَراً وَنَفَائِسَ، وَأَلفَ أَلفِ دِيْنَار وَ?يرَ ذَلِكَ، وَطُمِرَ فِي ثيَابه (5) .
(*) المنتظم 7 / 286، 287، الكامل 9 / 260 (وانظر الفهرس) ، وفيات الأعيان 5 / 124 - 127، المختصر في أخبار البشر 2 / 144، العبر 3 / 97، تتمة المختصر 1 / 493، 494، الوافي بالوفيات 4 / 118، 119، البداية والنهاية 12 / 5، 6، تاريخ ابن خلدون 4 / 470، 471، النجوم الزاهرة 4 / 242، شذرات الذهب 3 / 185.
(1)
صنفه أبو بكر محمد بن الحسن الحاسب الكرخي، المتوفى في حدود سنة عشر وأربع مئة، وصنف له أيضا كتاب " الكافي " في الحساب.
انظر " وفيات الأعيان " 5 / 125، و" أعلام " الزركلي 6 / 83.
(2)
تقدمت ترجمته برقم (106) .
(3)
تقدمت ترجمته برقم (137) .
(4)
منهم أبو نصر ابن نباتة، له فيه قصائد مختارة، منها قصيدته النونية التي منها: لكل فتى قرين حين يسمو * وفخر الملك ليس له قرين أنخ بجنابه واحكم عليه * بما أملته فأنا الضمين انظر " وفيات الأعيان " 5 / 124، 125.
(5)
انظر " وفيات الأعيان " 5 / 126، و" المنتظم " 7 / 286، و" البداية والنهاية " 12 / 5.
وقد أوردت هذه المصادر قصة جعلوها سببا لما حل به.
وَكَانَ شَهْماً كَافياً، خَبِيْراً بِالتَّصَرُفِ، سَدِيْدَ التَّوقِيْع، طَلق المحيَا، يُكَاتِبُ مُلُوْكَ النَّوَاحِي، وَيُهَادِيهم، وَفِيْهِ عدلٌ فِي الجُمْلَةِ، عُمِرت العِرَاقُ فِي أَيَّامِهِ، وَكَانَ مِنْ مَحَاسِنِ الدَّهْرِ، أَنشَأَ بِيمَارستَاناً عَظِيْماً بِبَغْدَادَ، وَكَانَتْ جَوَائِزُهُ مُتَوَاتِرَةً عَلَى العُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ، وَعَاشَ ثَلَاثاً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً.
رُفِعَتْ إِلَيْهِ سِعَايَةٌ بِرَجُل، فَوَقَّعَ فِيْهَا: السِّعَايَةُ قَبِيْحَةٌ وَلَوْ كَانَتْ صَحِيْحَة، وَمَعَاذَ اللهِ أَنْ نَقْبَلَ مِنْ مَهْتُوكٍ فِي مَسْتُور، وَلَوْلَا أَنَّك فِي خِفَارَة شَيْبِكَ، لَعَاملنَاك بِمَا يُشْبِه مَقَالَك، وَيَرْدَعُ أَمثَالَكَ، فَاكْتُم هَذَا العَيْب، وَاتَّقِ مَنْ يَعْلَمُ الغَيْبَ (1) .
فَأَخَذَهَا فُقَهَاءُ المَكَاتب، وَعَلَّمُوهَا الصِّغَار.
وَقَدْ أَنْشَأ بِبَغْدَادَ دَاراً عَظِيْمَةً (2) ، وَكَانَ يُضْرَبُ المَثَلُ بِكَثْرَةِ جَوَائِزِهِ وَعطَايَاهُ.
79 -
المُسْتَعِيْنُ سُلَيْمَانُ بنُ الحَكَمِ بنِ سُلَيْمَانَ * (تَقَدَّمَ)
صَاحِبُ الأَنْدَلُس، المُلَقَّب بِالمُسْتَعِيْن، أَبُو الرَّبِيْع سُلَيْمَانُ بنُ الحَكَمِ بنِ سُلَيْمَانَ ابنِ النَّاصرِ لِدِيْنِ اللهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأُمَوِيُّ، المَرْوَانِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ.
خَرَجَ عَلَى ابْنِ عَمّه المُؤَيَّد بِاللهِ هِشَامٍ عَلَى رَأْسِ عَام أَرْبَع مائَة، وَالتَفَّ عَلَيْهِ البَرْبَرُ بِالأَنْدَلُسِ، وَغَلَبُوا عَلَى قَلْعَةِ رَبَاح، وَمَلَّكُوهُ وَجَمَعُوا لَهُ
(1) الخبر في " وفيات الأعيان " 5 / 126. والسعاية: الوشاية، والخفارة مثلثة الخاء: الامان.
(2)
قال ابن الجوزي: وداره بأعلى الحريم الطاهري يقال لها: الفخرية، وهذا الدار كانت للمتقي لله، وابتاعها عز الدولة بختيار بن معز الدولة، وخربت فعمرها فخر الملك، وأنفق عليها أموالا كثيرة، وفرغ منها في رمضان سنة اثنتين وأربع مئة.
" المنتظم " 7 / 286.
(*) تقدمت ترجمته برقم (79) وذكرت هناك مصادر ترجمته.
أَمْوَالاً نَحْوَ المائَة أَلْفِ دِيْنَار، فَسَارَ بِهِم إِلَى طُلَيْطُلَة، فَحَارَبَهُم، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، وَذَبَحَ والِيَهَا، ثُمَّ هَزَمَ عَسْكَراً وَاقعُوهُ، ثُمَّ قَصَدَ قُرْطُبَة، فَبرز لِقتَاله جَيْشُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ المَهْدِيِّ، فَحَطَمَهُم سُلَيْمَانُ، وَغَرِقَ خَلْقٌ مِنْهُم فِي النَّهر، وَقُتِلَ خَلْقٌ، وَكَانَتْ مَلْحَمَةً كُبْرَى، ذَهَبَ فِيْهَا عِدَّةٌ مِنَ العُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ، فَعَمَدَ المَهْدِيُّ، فَأَخْرَجَ المُؤَيَّد بِاللهِ بَعْدَ أَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَاتَ، فَأَجْلَسَهُ لِلنَّاسِ، وَجَعَلَ القَاضِي ابْنُ ذَكْوَانَ يَقُوْلُ:
هَذَا أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، وَإِنَّمَا ابْنُ عَبْدِ الجَبَّارِ نَائِبُه.
فَقَالَتِ البَرْبَرُ: يَا ابْنَ ذَكْوَان! بِالأَمْسِ تُصَلِّي عَلَيْهِ وَاليَوْمَ تُحييه!
وَأَمَّا الرَّعِيَّةُ فَخَرَجُوا يَطْلبُونَ أَمَاناً مِنْ سُلَيْمَان، فَأَكْرَمَهُم، وَاخْتَفَى ابْنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، وَاسْتوسَقَ لسُلَيْمَان الأَمْرُ، وَدَخَلَ القَصَرَ، وَوَارَى النَّاسُ قَتْلَاهُم، فَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً، وَهَرَبَ ابْنُ عَبْدِ الجَبَّارِ إِلَى طُلَيْطُلَة، فَقَامُوا مَعَهُ وَاسْتَنْجَدَ بِالفِرَنْجِيَّة، وَبَعَثَ إِلَيْهِم مِنْ بَيْت المَالِ بَذَهَبٍ عَظِيْمٍ - فَلِلَّه الأَمْرُ -، ثُمَّ أَقْبَلَ فِي عَسْكَرٍ عَظِيْمٍ، فَكَانَ المَصَافُّ عَلَى عقبَة البقرِ بقُرْبِ قُرْطُبَة، فَيَنْهَزِمُ ابْنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، وَقُتِلَ مِنَ الفِرنج ثَلَاثَةُ آلَاف، وَغَرِقَ خَلَائِقُ، ثُمَّ ظَفِرُوا بِابْنِ عَبْدِ الجَبَّارِ، فَذُبِحَ صبراً، وَقُطِعَتْ أَرْبَعَتُهُ فِي يَوْم التَّرويَة، سَنَةَ أَرْبَعِ مائَةٍ، وَلَهُ أَرْبَعٌ وثَلَاثُوْنَ سَنَةً، ثُمَّ اسْتَمَرَّ فِي المُلك المُؤَيَّدُ بِاللهِ، وَعَاث المُسْتَعِيْنُ بِالبَرْبَرِ، وَجَرَتْ أُمُورٌ طَوِيْلَة، وَحَاصَرَ قُرْطُبَةَ مُدَّةً طَوِيْلَةً إِلَى شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ، فَشَدُّوا، وَزَحَفُوا عَلَى البَلَدِ، فَأَخَذُوْهُ، وَبَذَلُوا السَّيْف وَالنَّهب وَبَعْضَ السَّبْي، وَقَتَلُوا المُؤَيَّد، فيُقَالُ: قُتِلَ بقُرْطُبَةَ نَيِّف وَعِشْرُوْنَ أَلْفاً، وَفَعَلَتْ عَسَاكِرُ المُسْتَعِيْن مَا لَا تَفْعَلُهُ النَّصَارَى، وَاسْتوسق الأَمْرُ للمُسْتَعِيْنِ، فعسف وَجَارَ، وَأَخْرَبَ البِلَاد، وَكَانَ مِنْ قُوَّادِه القَاسِمُ وَعلِيٌّ ابْنَا حَمُّوْد بن مَيْمُوْنٍ العَلَوِيّ الإِدْرِيْسِيّ، فَقَدَّمَهُمَا عَلَى جَيْشِهِ، ثُمَّ اسْتنَاب أَحَدَهُمَا عَلَى الجَزِيْرَةِ الخَضْرَاءِ، وَالآخَرَ عَلَى سَبْتَة.
فَرَاسَلَ عَلَيٌّ مُتَوَلِّي سَبْتَة جَمَاعَةً، وَحَدَّثَ نَفْسَهُ بِالخِلَافَةِ، فَبَادَرَ إِلَيْهِ خَلْقٌ،