الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويدخل فيه أيضا إذا كان الواقع لا يخالط الماء، كقطع العود، والكافور والخشب والدهن والشمع، ونحو ذلك، وهو أحد الوجهين، واختيار أبي الخطاب في انتصاره وأبي البركات (والثاني) - وهو اختيار جمهور الأصحاب - لا يؤثر وقوعه ولو غير الماء، لأنه تغيير مجاورة لا مخالطة، أشبه ما لو تغير بجيفة إلى جنبه.
ويستثنى من مفهوم كلام الخرقي واقع يشق الاحتراز عنه، كورق الشجر، وما تلقيه الرياح والسيول من العيدان ونحو ذلك، فإنه لا يؤثر وقوعه في الماء وإن غير جميع أوصافه، صرح به الشيرازي وكذلك الملح البحري، والله أعلم.
[الوضوء بالماء المستعمل]
قال: ولا يتوضأ بماء قد توضئ به
ش: هذا هو المشهور من المذهب، وعليه عامة الأصحاب.
9 -
لما روى أبو هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب» فقال الراوي: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال: يتناوله تناولا. رواه مسلم والنسائي
ولولا أن الغسل فيه لا يجزئ، وأن طهوريته تزول لم ينه عن ذلك، ولأنه أزال به مانعا من الصلاة، أشبه الماء المزال به النجاسة، أو استعمل في عبادة على وجه الإتلاف، أشبه الرقبة في الكفارة، وعلى هذه الرواية هو طاهر في نفسه، يجوز شربه والعجن به، والطبخ به.
10 -
لأن في الصحيحين «أنه صلى الله عليه وسلم توضأ وصب على جابر من وضوئه» والأصل المساواة، (وعن أحمد) رحمه الله رواية أخرى أنه نجس، نص عليها، وتأولها القاضي وبعد ابن عقيل تأويله، والحق امتناعه و (عنه) رواية ثالثة: أنه باق على طهوريته.
11 -
لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: «اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليتوضأ منها أو يغتسل، فقالت: يا رسول الله إني كنت جنبا. فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الماء لا يجنب» رواه الخمسة إلا ابن ماجه، وصححه الترمذي.
وقال بعض المتأخرين: ظاهر كلام الخرقي أنه طهور في إزالة الخبث فقط لأنه إنما منع من الوضوء به. وليس بشيء، وحكم ما اغتسل به من الجنابة ونحوها حكم ما توضئ به.
وقد شمل كلام الخرقي رحمه الله ما توضئ به في طهر مستحب، كتجديد ونحوه، وهو إحدى الروايتين، واختيار ابن عبدوس بناء
على أن العلة ثم استعماله في عبادة، (والثانية) - واختارها أبو البركات - أنه باق على طهوريته، بناء على أن العلة ثم إزالة المانع، وعكس ذلك المنفصل من غسل الذمية، في حيض ونحوه، هل يخرجه عن طهوريته لإزالته المانع وهو الوطء، أو لا يخرجه، لعدم استعماله في عبادة؟ على روايتين.
واعلم أن كلام الخرقي رحمه الله خرج على الغالب، إذ يندر أن الإنسان يتوضأ بقلتي ماء، فلو اتفق ذلك لم يخرجه عن طهوريته بلا نزاع، والله أعلم.
قال: وإذا كان الماء قلتين - وهو خمس قرب - فوقعت فيه نجاسة، فلم يوجد لها طعم ولا لون ولا رائحة، فهو طاهر.
ش: القلة اسم لكل ما ارتفع وعلا، ومنه «قلة الجبل» وهي هنا الجرة الكبيرة، سميت قلة لعلوها وارتفاعها، وقيل: لأن الرجل العظيم يقلها بيده أي يرفعها، ثم المراد هنا القلال المنسوبة إلى هجر.
12 -
لأن في بعض ألفاظ الحديث: «إذا كان الماء قلتين بقلال هجر» ذكره الشافعي رحمه الله في مسنده، والدارقطني مرسلا
ولأنها كانت مشهورة معلومة، فالظاهر وقوع التحديد بها.
13 -
ولهذا في حديث المعراج قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثم رفعت لي سدرة المنتهى، فإذا ورقها مثل آذان الفيلة، وإذا نبقها مثل قلال هجر» واختلف في مقدار القلة من ذلك، فقال الخرقي رحمه الله وهو المشهور من الروايات، والمختار للأصحاب -: إنها قربتان ونصف.
14 -
لأن ابن جريج قال: رأيت قلال هجر، فرأيت القلة منها تسع قربتين، أو قربتين وشيئا فالاحتياط إثبات الشيء، وجعله نصفا، لأنه أقصى ما ينطلق عليه اسم (شيء) منكرا.
(والرواية الثانية) أنها قربتان.
15 -
لأن يحيى بن عقيل قال: رأيت قلال هجر، وأظن أن القلة
تأخذ قربتين. رواه الجوزجاني ونحوه عن ابن جريج.
(والثالثة) قربتان وثلث، جعلا للشيء ثلثا، ومقدار القربة عند القائلين بتحديد الماء بالقرب - مائة رطل عراقية، والرطل العراقي مائة وثمانية وعشرون درهما، قاله في المغني القديم، وعزاه إلى أبي عبيد وقيل: وثلاثة أسباع درهم؛ ذكره في التلخيص
وقيل: وأربعة أسباع. قاله في المغني الجديد، وهو المشهور وقيل: وثلاثون درهما.
إذا تقرر هذا فقد دل منطوق كلام الخرقي على أن النجاسة إذا وقعت في القلتين المذكورتين، ولم يتغير وصف من أوصاف الماء فهو طاهر، ولا نزاع عندنا في ذلك في غير البول والعذرة المائعة.
16 -
لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع، فقال: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث» وفي لفظ: «لم ينجسه شيء» رواه الخمسة، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والدارقطني. وقال الحاكم: إنه على شرط الشيخين.
17 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «قيل: يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة؟ وهي بئر - يلقى فيها الحيض، والنتن، ولحوم الكلاب - قال: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» رواه أبو داود، والترمذي وحسنه، وأحمد وصححه.
ودل مفهومه على مسألتين (إحداهما) أن الماء ينجس بتغير وصف من أوصافه وإن كثر، ولا نزاع في ذلك، وقد حكاه ابن المنذر إجماعا.
18 -
وقد روى أبو أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه» رواه ابن ماجه، والدارقطني، ولفظه:«إلا ما غير ريحه أو طعمه» إلا أن الشافعي رحمه الله قال: هذا الحديث لا يثبت أهل العلم مثله، إلا أنه قول العامة، لا أعرف بينهم فيه خلافا، وكذلك قال أحمد رحمه الله: ليس فيه حديث، ولكن الله تعالى حرم الميتة، فإذا صارت الميتة في الماء فتغير طعمه أو ريحه، فذلك طعم الميتة أو ريحها، فلا تحل له. وقال أبو حاتم الرازي: الصحيح أنه مرسل قلت: وإذا يسهل الأمر.
وظاهر كلام الخرقي (أنه) لا فرق بين يسير التغير وكثيره وشذ ابن البنا فحكى وجها في العفو عن يسير الرائحة.
(المسألة الثانية) ، أن ما دون القلتين ينجس بمجرد وقوع النجاسة فيه وإن لم يتغير، وهو المشهور والمختار للأصحاب من الروايتين، لمفهوم خبر القلتين، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإراقة الإناء الذي ولغ فيه الكلب ولم يعتبر التغير، (والثانية) : لا ينجس إلا بالتغير، اختارها ابن عقيل، وابن المثنى وأبو العباس، وابن الجوزي فيما أظن لخبر بئر بضاعة، ويرشحه
حديث أبي أمامة، وخبر القلتين قد تكلم فيه ابن عبد البر وابن عدي وغيرهما، وعلى تقدير صحته فالتقدير بهما - والله أعلم - بناء على الغالب، إذ الغالب أن ما دون القلتين يظهر فيه الخبث، ويؤثر فيه فيغيره، بخلاف القلتين فإن الغالب عدم تأثرهما وتغيرهما بورود الدواب والسباع ونحو ذلك عليهما.
وعموم كلام الخرقي رحمه الله يشمل الراكد والجاري، وهو إحدى الروايات، واختارها السامري وغيره، فعلى هذا إن بلغ مجموع الجاري قلتين لم ينجس إلا بالتغير، وإلا نجس، (والرواية الثانية) أن الجاري لا ينجس إلا بالتغير، اختارها
الشيخان (والثالثة) وهي اختيار الأكثرين، القاضي وأصحابه تعتبر كل جرية بنفسها، فإن كانت يسيرة نجست وإلا فلا، ثم الجرية عند الأكثرين ما أحاط بالنجاسة، فوقها وتحتها إلى قرار النهر، وعن يمينها وشمالها ما بين جانبي النهر، وزاد أبو محمد: ما قرب من النجاسة أمامها وخلفها. ولابن عقيل في فنونه أنها ما فيه النجاسة، وقدر مساحتها فوقها وتحتها، ويمينها ويسارها. انتهى.
وقول الخرقي رحمه الله: فوقعت فيه نجاسة. يخرج به ما إذا كانت النجاسة إلى جنبه كميتة ونحوها، فإنها لا تؤثر فيه شيئا، إذ ذاك تغير مجاورة لا مخالطة، ويخرج بذلك أيضا ما إذا سخن بنجاسة، ولم يعلم وصول شيء من أجزاء النجاسة إليه، فإن طهوريته باقية بلا خلاف نعلمه، نعم في كراهيته روايتان (إحداهما) واختارها ابن حامد: لا يكره نظرا للأصل (والثانية) - واختارها الأكثرون - يكره، ولها