الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمر الوجوب (فعلى الأول) إذا أجنب في حال كفره ثم أسلم تداخلا، وأنيط الحكم بغسل الإسلام، وعلى قول أبي بكر: يجب عليه الغسل للجنابة وإن اغتسل في كفره، لعدم صحة نيته.
وقد شمل كلام الخرقي المرتد، ومن لم يوجد منه جنابة، وهو الأعرف فيهما، ومن اغتسل في حال كفره، وهو كذلك، وقد قيد ابن حمدان المسألة بالبالغ، والأكثرون أطلقوا، لكن قد يؤخذ من تعليلهم ما قاله، وقد يوجه الإطلاق بأن المذهب صحة إسلام من لم يبلغ، ومقتضى كلامهم أن الغسل والحال هذه شرط لصحة الصلاة، كما صرح به أبو بكر في التنبيه، وإذا يصير بمنزلة وطء الصبي، والتحقيق تعلق الغسل به كما تقدم، والله أعلم.
[الطهر من الحيض والنفاس من موجبات الغسل]
قال: والطهر من الحيض والنفاس.
ش: لا خلاف في وجوب الاغتسال بذلك في الجملة، لإشارة النص وهو قوله سبحانه وتعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: 222] أي اغتسلن، أوقف سبحانه حق الزوج من الوطء على الاغتسال، فدل على وجوبه.
188 -
وقد صرح بذلك المبين لكتاب ربه صلى الله عليه وسلم فقال لفاطمة بنت أبي حبيش وقد سألته عن استحاضتها، فقال: «ذلك عرق
وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا ذهبت فاغتسلي وصلي» رواه البخاري.
189 -
وقال لأم حبيبة - وسألته أيضا عن ذلك - فقال لها صلى الله عليه وسلم: «هذا عرق، فاغتسلي وصلي» رواه مسلم، والبخاري ولفظه:«ثم اغتسلي وصلي» ودم النفاس هو دم حيض يجتمع ثم يخرج.
وظاهر كلام الخرقي أن الغسل إنما يجب بالانقطاع، وهو أحد الوجهين وظاهر الأحاديث، (والثاني) - وصححه أبو البركات وغيره - يجب بالخروج، إناطة للحكم بسببه، لكن الانقطاع شرط لصحته اتفاقا، وفائدة الوجهين إذا استشهدت الحائض، فعلى قول الخرقي لا تغسل، إذ الانقطاع الشرعي الموجب للغسل لم يوجد، وعلى قول غيره تغسل للوجوب بالخروج، وقد حصل الانقطاع حسا، فأشبه ما لو طهرت في أثناء عادتها، وقال أبو محمد: لا يجب على الوجهين، لأن الطهر شرط في صحة الغسل، أو في السبب الموجب له [ولم يوجد] .
وقد ينبني أيضا على قول الخرقي [أنه لا يجب] ، بل ولا يصح غسل ميتة مع قيام حيض ونفاس، وإن لم تكن شهيدة، وهو قويل في المذهب، لكن لا بد أن يلحظ فيه أن غسلها للجنابة قبل انقطاع دمها لا يصح، لقيام الحدث، كما هو رأي ابن عقيل في التذكرة، وإذا لا يصح غسل الموت لقيام الحدث كالجنابة، وإذا لم يصح لم يجب، حذارا من تكليف ما لا يطاق، والمذهب صحة غسلها لها قبل ذلك، فينتفي هذا البناء.
واعلم أن ظاهر ترجمة الخرقي أولا يقتضي أنه لا يجب الغسل بغير تلك الخمسة المذكورة، لأنه قال: والموجب للغسل خروج المني. إلى آخره، وظاهره حصر الوجوب في هذه الخمسة دون غيرها.
فلا يجب بولادة عرية عن دم، وهو أحد الوجهين أو الروايتين، على ما في الكافي، واختيار الشيخين، لعدم المقتضي لذلك، وهو النفاس أو المني، (والثاني) - واختاره ابن أبي موسى، وابن عقيل في التذكرة، وابن البنا، وغيرهم، يجب قياما للمظنة مقام الحقيقة، ولأنه مني منعقد، ورد بخروج العلقة، فإنها لا توجب الغسل بلا
نزاع، وينبني على التعليلين الفطر بذلك، وتحريم الوطء قبل الاغتسال، فمن علل بالأول يلزمه ذلك، لا من علل بالثاني اهـ.
ولا يجب أيضا بغسل ميت، بل يستحب، (وعنه) : يجب من تغسيل الكافر.
190 -
لما روي «عن علي رضي الله عنه: أنه لما مات أبو طالب أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن عمك الشيخ الضال قد مات. قال: «اذهب فوار أباك، ثم لا تحدثن شيئا حتى تأتيني» فواريته فجئته فأمرني فاغتسلت فدعا لي» . رواه أبو داود والنسائي، وقد يجب مطلقا.
191 -
لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من غسل ميتا فليغتسل» رواه أبو داود، والمذهب الأول بلا ريب، نظرا للأصل، وحملا لما تقدم على الاستحباب، لعموم «حديث صفوان: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام إلا من جنابة.
» 192 - وفي مالك في الموطأ أن أسماء غسلت أبا بكر رضي الله عنه حين توفي، ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين، فقالت: إني صائمة، وإن هذا يوم شديد البرد، فهل علي من غسل؟ فقالوا: لا. على أنه ليس في حديث علي أنه غسله، مع أن الأحاديث لم تثبت، قاله أحمد وغيره،
ومن ثم قال ابن عقيل: ظاهر كلام أحمد عدم الاستحباب رأسا. اهـ.
ولا يجب أيضا على من أفاق من إغماء أو جنون لم يتيقن معه حلم، وإن وجد بلة على المعروف من الروايتين، لأنه معنى يزيل العقل فلا يوجب الغسل كالنوم، ولأنه مع عدم البلة يبعد احتمال الجنابة، ومع وجودها يحتمل أن ذلك لغير شهوة، ويحتمل أنه [حصل] عن المرض المزيل للعقل، فلا يجب الغسل مع الشك، (والثانية) : يجب وإن لم يجد بلة.
193 -
لأن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من الإغماء، وفعله على وجه القربة دليل على الوجوب، وتوسط أبو الخطاب فأوجبه مع البلة كالنائم.
ولا يجب أيضا على من أراد الجمعة، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
ويرد على حصر الخرقي [الموت] فإنه موجب في الجملة بلا نزاع. والله أعلم.