الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حدثا نقض به طهارة، فيكون على مثل حاله قبل الزوال، فإن كان قبله متطهرا فهو الآن متطهر، لأن الطهارة التي قبل الزوال، قد تيقن زوالها بالحدث، وتيقن أيضا زوال الحدث بالطهارة التي بعد الزوال، والأصل بقاؤها، وإن كان قبل الزوال محدثا، فهو الآن محدث، وبيانه مما تقدم، والضابط كما قال الخرقي العمل بالأصل.
(تنبيه) : الشك في كلام الخرقي خلاف اليقين، وإن انتهى إلى غلبة الظن، وفاقا للفقهاء واللغويين كما قاله الجوهري، وابن فارس وغيرهما، وفي اصطلاح الأصوليين هو تساوي الاحتمالين والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال:
[باب ما يوجب الغسل]
ش: قال القاضي عياض: الغسل بالفتح الماء، وبالضم الفعل، وقال ابن مالك:[الغسل] بالضم الاغتسال،
والماء الذي يغسل به. وقال الجوهري: غسلت الشيء غسلا. بالفتح، والاسم الغسل. بالضم، والغسل بالكسر ما يغسل به الرأس من خطمي وغيره، [والله أعلم] .
قال: والموجب للغسل خروج المني.
ش: خروج المني في الجملة موجب للغسل اتفاقا، وقد قال [الله] تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] .
170 -
وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الماء من الماء» .
171 -
وفي الصحيحين «عن أم سلمة، أن أم سليم قالت: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: «نعم إذا رأت الماء» فقالت أم سلمة: أو تحتلم المرأة؟ فقال: «تربت يداك، وبم يشبهها ولدها» ؟»
172 -
وفي رواية لمسلم: «ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فمن أيهما علا أو سبق يكون الشبه منه» .
والألف واللام في كلام الخرقي يجوز أن تكون لمعهود ذهني وهو المني المعتاد، وهو الخارج على وجه الدفق واللذة، فلا يجب الغسل لمني خرج بغير ذلك كالخارج لمرض أو إبردة أو كسر ظهر، أو نحو ذلك، وهو المشهور المعروف.
173 -
لما روي «عن علي رضي الله عنه قال: كنت رجلا مذاء، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا خذفت الماء فاغتسل، وإن لم تكن خاذفا فلا تغتسل» رواه أحمد. والخذف خروجه بسرعة، وفي رواية أبي داود:«إذا فضخت الماء فاغتسل» والفضخ قال إبراهيم الحربي: خروجه بالغلبة.
174 -
«وعنه أيضا قال: كنت رجلا مذاء، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الماء قد آذاني، قال: «إنما الغسل من الماء الدافق» رواه البيهقي في سننه.
ويحتمل أن تكون للجنس، أي خروج كل مني، فعلي هذا يجب الغسل وإن خرج بلا دفق وشهوة، وهو تخريج كما سيأتي، وقيل: رواية حكاها ابن عبدوس، لعموم قوله: صلى الله عليه وسلم «إنما الماء من الماء» وقوله: صلى الله عليه وسلم «نعم إذا رأت الماء» وقوله: «في المذي الوضوء، وفي المني الغسل» ويجاب بالقول بموجب هذه الأحاديث وأن الألف واللام لمعهوده ذهني، كما تقدم.
ومقتضى كلام الخرقي أن الغسل لا يجب بالانتقال، لتعليقه الحكم على الخروج، وهو إحدى الروايتين، واختيار أبي محمد، والشريف فيما حكاه عنه الشيرازي، لما تقدم في النصوص، إذ الحكم في الجميع مرتب على الرؤية، (والرواية الثانية) : وهي المنصوصة المشهورة عن أحمد،
والمختارة لعامة أصحابه، حتى أن جمهورهم جزموا بها - يجب بذلك، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] والجنابة أصلها البعد، قال سبحانه:{وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36] أي البعيد وسمي من جامع جنبا لبعده عن الصلاة وموضعها حتى يطهر، ومع الانتقال قد باعد الماء محله، فصدق عليه اسم الجنب، وإناطة للحكم [بالشهوة] وتعليقا له على المظنة، إذ بعد انتقاله يبعد عدم خروجه، كما قد أشار إليه أحمد، ومحل الروايتين - وفاقا لابن حمدان - فيما إذا لم يخرج إلى قلفة الأقلف، وفرج المرأة، فعلى الأولى إذا خرج بعد ذلك وجب الغسل، وإن خرج لغير شهوة، لأن انتقاله كان لشهوة، وتترتب الأحكام المتعلقة بخروج المني، من إفساد صوم ونحوه، ويعيد ما صلى من وقت انتقاله، قاله ابن حمدان، وعلى الثانية تترتب الأحكام بمجرد الانتقال، من إفساد صوم، ووجوب بدنة في الحج، حيث وجبت بخروج المني، قاله القاضي في تعليقه التزاما، وجعله ابن حمدان وجها وبعده.
وهل يجب عليه - إن كان قد اغتسل - غسل ثان؟ حكمه حكم مني اغتسل له، ثم خرجت بقيته، وفيه روايات (إحداها) - وهي ظاهر كلام الخرقي، واختيار الخلال، وابن أبي موسى، وأبي البركات وغيرهم - لا غسل عليه، حذارا من أن يلزمه بمني واحد غسلان، وتبعا لعلي، وابن عباس رضي الله عنهم (والثانية) : عليه الغسل، إناطة بخروج المني، (والثالثة) - وهي اختيار القاضي في تعليقه - إن خرج قبل البول فعليه الغسل، لأنه بقية مني دافق بلذة، وإن خرج بعد البول فلا، لأن الظاهر أنه غير الأول، وقد تخلف عنه شرطه وهو الدفق واللذة، وهي اختيار القاضي في التعليق، (وعنه رابعة) : عكس الثالثة، حكاها القاضي في المجرد: إن خرج قبل البول لم يجب الغسل، لأنه بقية الأول، وقد اغتسل له، وإن خرج بعده وجب، لأنه مني جديد، ومنها خرج أبو البركات الوجوب فيما إذا خرج المني لغير شهوة.
أما إن انتقل ولم يغتسل له ثم خرج بعد فإنه يغتسل بلا نزاع نعلمه.
ومقتضى كلام الخرقي أيضا أن الغسل لا يجب بمجرد الاحتلام وهو المذهب بلا ريب، وقد حكاه ابن المنذر وغيره إجماعا، وأغرب ابن أبي موسى في حكايته رواية
بالوجوب، فعلى المذهب إن خرج بعد شهوة اغتسل له، وإلا فروايتا الانتقال، قاله ابن، حمدان والمنصوص عن أحمد الوجوب، وهو أظهر لئلا يلزم انتقال مني وخروجه من غير اغتسال، ثم ينبغي أن يقول بروايات الانتقال.
ومقتضى كلام الخرقي أيضا أنه إذا وجد المني في النوم، ولم يذكر احتلاما، أن عليه الغسل، وهو كذلك.
175 -
لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل، ولا يذكر احتلاما؟ قال «يغتسل» : وعن الرجل يرى أنه قد احتلم، ولا يجد البلل؟ قال:«لا غسل عليه» فقالت أم سلمة: يا رسول الله فالمرأة ترى ذلك أعليها غسل؟ قال: «نعم، إنما النساء شقائق الرجال» رواه أبو داود والترمذي، أما إن وجد بللا، وشك هل هو مني أم لا؟ فإن وجد سبب المني - وهو الاحتلام أنيط الحكم عليه وعمل به، وإن وجد سبب المذي - وهو الملاعبة ونحوها، أو كانت به إبردة تعلق الحكم
بذلك، وعمل عليه وإن لم يوجد واحد منهما فهل يحكم بأنه مني - وهو المشهور وبه قطع بعضهم، لظاهر حديث عائشة، ولانتفاء سبب صالح لغيره، أو للمذي لأن الأصل عدم وجوب الغسل، وإلى هذا ميل أبي محمد؟ فيه روايتان، فعلى الأول: يتوضأ مرتبا متواليا، ويغسل يديه وثوبه احتياطا، وعلى الثاني: يستحب [الغسل احتياطا] .
وقد شمل كلام الخرقي - إذا جعل الألف واللام للجنس - إذا وطئ دون الفرج، فدب منيه فدخل فرج المرأة ثم خرج، أو وطئ في الفرج، ثم خرج منيه من فرجها بعد غسلها، أو خرج ما استدخلته [من مني] بقطنة، ولم يخرج منيها، وهو وجيه في الكل، والمنصوص المقطوع به عدم الغسل على المرأة والحال هذه، ولا نزاع فيما نعلمه أن الغسل لا يجب بخروج المني من غير مخرجه، وإن وجد شرطه.
(تنبيه) : قد تقدم بيان الخذف والفضخ، «وتربت يداك» أي افتقرت، في الصحاح: ترب الشيء. بالكسر إذا أصاب التراب، ومنه ترب الرجل. إذا افتقر، كأنه لصق بالتراب، وأترب، إذا استغنى، كأنه صار ماله - من الكثرة - بقدر التراب، وتأول مالك، وعيسى بن دينار رضي الله عنهما الحديث على الاستغناء والمقام يأباه.
وقال الأصمعي: معناه الحظ على تعلم مثل هذا، كما يقال: أنج ثكلتك أمك. وذهب أبو عبيد والمحققون إلى أن هذا اللفظ وشبهه يجري على ألسنة العرب من غير قصد الدعاء، فينظر في القول وقائله، فإن كان وليا فهو الولاء وإن خشن، وإن كان عدوا فهو البلاء وإن حسن، ولقد أحسن بعضهم في قوله: قد يوحش اللفظ وكله ود، ويكره الشيء وما من فعله بد، هذه العرب تقول: لا أبا لك للشيء إذا أهم، وقاتلك الله. لا يريدون به الذم، وويل أمه. للأمر إذا تم.
176 -
ثم على تقدير كونه صلى الله عليه وسلم أراد بذلك أصله من الدعاء عليها فهو لها قربة ورحمة، كما جاء في الحديث.
«والمني» مشدد، وفعله رباعي على الأشهر، وبهما جاء القرآن، قال سبحانه:{مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى} [القيامة: 37] وقال: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} [الواقعة: 58]