الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضرورة، إذ جميع وقت الصبح وقت اختيار على المذهب. نعم على قول القاضي يجيء التأويل، ومن هنا أخذ القاضي أن للصبح وقتين، والله أعلم.
[أداء الصلاة في أول الوقت]
قال: والصلاة في أول الوقت أفضل، إلا عشاء الآخرة، وفي شدة الحر الظهر.
ش: هذا منصوص أحمد في رواية الأثرم، والأصل [فيه] في الجملة [عموم] قَوْله تَعَالَى:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148]{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] والصلاة من الخيرات، ومن أسباب المغفرة، وقَوْله تَعَالَى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78]{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238] قال الشافعي رحمه الله: المحافظة على الشيء تعجيله.
368 -
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت:«ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة لوقتها الأخير مرتين، حتى قبضه الله» . رواه أحمد، والترمذي، والدارقطني، وفي لفظ: إلا مرتين.
369 -
وعن أم فروة - وكانت ممن بايعت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: «الصلاة لأول وقتها» رواه أحمد والترمذي، وأبو داود.
370 -
«وعن ابن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة في أول وقتها» مختصر، رواه ابن خزيمة في مختصر المختصر.
371 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«الوقت الأول من الصلاة رضوان الله، والآخر عفو الله» رواه الترمذي، لكن قال الإمام أحمد: من يروي هذا؟ ليس [هذا] يثبت. وكذلك ضعفه غيره.
إذا عرف هذا فلنشر إلى صلاة صلاة على الانفراد. فأما الظهر فالمستحب تقديمها، لما تقدم.
372 -
وفي الصحيح عن أبي برزة رضي الله عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا زالت الشمس» .
373 -
«وعن عائشة [رضي الله عنها] : ما رأيت إنسانا كان أشد تعجيلا بالظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ما استثنت أباها. ولا عمر» ، رواه البيهقي والترمذي ولفظه: ولا من أبي بكر، ولا من عمر. ويستثنى من ذلك الوقت الشديد الحر، فإن المستحب التأخير فيه.
374 -
لما في الصحيحين وغيرهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم» .
375 -
وفي الصحيحين أيضا عن أبي ذر نحوه، وفي لفظ:«أبردوا بالظهر» .
376 -
«وعن المغيرة [رضي الله عنه] قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالهاجرة، فقال لنا: «أبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم» رواه أحمد، والترمذي وقال: سألت محمدا عن هذا فعده محفوظا. ثم هل ذلك مطلقا، وهو ظاهر كلام أحمد، والقاضي في الجامع، والخرقي، وابن أبي موسى، وابن عقيل في التذكرة، وصاحب التلخيص، وإليه ميل أبي محمد، نظرا لظواهر الأحاديث. أو مختص بمن أراد الخروج إلى الجماعة، وهو قول أبي الخطاب، وطائفة تعليلا بالمشقة، [والمشقة] إنما تحصل بذلك. وشرط القاضي في موضع مع الخروج إلى الجماعة [كونه في البلدان الحارة] . وابن الزاغوني كونه في مساجد الدروب.
هذا كله في الظهر، أما الجمعة فيسن تقديمها مطلقا.
377 -
قال سهل بن سعد: ما كنا نقيل، ولا نتغدى إلا بعد الجمعة.
378 -
أ - وقال سلمة بن الأكوع: «كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نرجع نتتبع الفيء» . متفق عليهما.
ويستثنى أيضا من أفضلية تقديم الظهر - مع تيقن دخول وقتها حال الغيم، فإنه يستحب تأخيرها فيه، وتقديم العصر، وتأخير المغرب، وتقديم العشاء، نص على ذلك أحمد.
378 -
ب - لما روى ابن منصور في سننه، عن إبراهيم قال: كانوا يؤخرون الظهر ويعجلون العصر، ويؤخرون المغرب في اليوم المتغيم، ولأن ذلك مظنة عارض من مطر ونحوه، فاستحب تأخير الأولى من المجموعتين لتقرب من الثانية، لكي يخرج لهما خروجا واحدا، طلبا للأسهل المطلوب شرعا.
وظاهر كلام الخرقي، وأحمد في رواية الأثرم - وإليه ميل أبي محمد - عدم استحباب ذلك، إذ مطلوبية التأخير في عامة الأحاديث إنما وردت في الحر، وظاهر كلام أبي الخطاب استحباب تأخير الظهر لا المغرب، وحيث استحب التأخير فهل ذلك مطلقا، أو لمن يريد الجماعة؟ فيه خلاف.
(تنبيه) : التأخير في الحر قال أبو محمد: حتى تنكسر، ولا يؤخر إلى آخر الوقت. قال ابن الزاغوني: حتى ينكسر الفيء ذراعا، أو نحو ذلك، وفي التلخيص: إلى رجوع الظل
الذي يمشي فيه الساعي إلى الجماعة؛ وفي الغيم قال ابن الزاغوني: يؤخر إلى قريب من وسط الوقت. اهـ.
أما العصر فالمستحب تقديمها على المذهب بلا ريب، لما تقدم، [وفي الصحيح] من «حديث أبي برزة [رضي الله عنه] ، قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر، ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية» .
379 -
وفي الصحيح أيضا «عن أنس [رضي الله عنه] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس بيضاء مرتفعة حية، ويذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة حية» ، وحكي عنه أن الأفضل مع الصحو التأخير احتياطا للخروج من الخلاف، إذ عند البعض لا يدخل وقتها إلا بصيرورة كل شيء مثليه.
وأما المغرب، فقد تقدم الكلام عليها.
وأما العشاء، فإن الأفضل تأخيرها لما تقدم، وفي «حديث أبي برزة: وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة» .
380 -
وفي الصحيح من حديث ابن عباس [رضي الله عنهما] قال: «أعتم النبي صلى الله عليه وسلم بالعشاء، فخرج عمر فقال: الصلاة يا رسول الله، رقد النساء والصبيان. فخرج ورأسه يقطر يقول: «لولا أن أشق على أمتي - أو على الناس - لأمرتهم بهذه الصلاة هذه الساعة» .
381 -
وفيه أيضا من حديث «ابن عمر: مكثنا ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشاء الآخرة، فخرج علينا حين ذهب ثلث الليل أو نحوه» . مختصر.
382 -
وعن معاذ رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعتموا بهذا الصلاة، فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم، ولم تصلها أمة قبلكم» مختصر، رواه أبو داود، ثم هل يستحب التأخير مطلقا، وهو ظاهر كلام الخرقي، وأبي
الخطاب، وصاحب [التلخيص] ، لظاهر حديث أبي برزة، ومعاذ، وغيرهما، أو أن ذلك معتبر بحال المأمومين، بحيث لا يشق عليهم غالبا، وهو اختيار أبي محمد، لحديث ابن عباس.
383 -
وفي حديث جابر الصحيح: «إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطؤوا أخر» . فيه روايتان.
وأما الصبح فالأفضل تقديمها مطلقا على إحدى الروايات، واختيار الخرقي وأبي محمد وطائفة، لما تقدم، وفي حديث جابر:«والصبح كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس» .
384 -
وفي الصحيحين من حديث عائشة [رضي الله عنها] : «لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد [معه] نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن، ثم يرجعن إلى بيوتهن، لا يعرفهن أحد من الغلس» . وعلى هذا يكره التأخير إلى الإسفار بلا عذر.
(والثانية) : الإسفار بها أفضل مطلقا.
385 -
لما روى رافع بن خديج [رضي الله عنه] سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أسفروا بالفجر، فإنه أعظم للأجر» رواه
أبو داود والترمذي وصححه، والنسائي، وحمل على أن المراد مطلوبية إطالة القراءة [فيها] ، بحيث يفرغ منها مسفرا، كما جاء عنه في الصحيح أنه كان ينصرف منها حين يعرف الرجل جليسه، لا أنه يفتتحها مسفرا. وقيل: المراد التأخير حتى يتبين طلوع الفجر ويمضي زمن الوضوء ونحوه؛ ويعين تأويل الحديث مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على التغليس كما تقدم، وفي حديث ابن عباس لما وصف صلاة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم قال: ثم كانت صلاته بعد التغليس، لم يعد إلى أن يسفر بها.
(والثالثة) - واختارها الشيرازي -: الاعتبار بحال أكثر المأمومين، فإن غلسوا غلس، وإن أسفروا أسفر، توقيرا [للجميع] إذ ما كثر فهو أحب إلى الله [تعالى] كما ورد في الحديث، وقياسا على ما فعله صلى الله عليه وسلم في العشاء، فإنه
- صلى الله عليه وسلم كان إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطؤوا أخر.
386 -
«وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقال: «يا معاذ إذا كان في الشتاء فغلس بالفجر، وأطل القراءة قدر ما يطيق الناس، ولا تملهم، وإذا كان في الصيف فأسفر بالفجر، فإن الليل قصير، والناس ينامون، فأمهلهم حتى يدركوا» رواه الحسين بن مسعود الفراء في سننه.
ومحل الخلاف فيما إذا كان الأرفق على المأمومين الإسفار مع حضورهم، أو حضور بعضهم، أما لو تأخر الجيران كلهم فالأولى هنا التأخير بلا خلاف، على مقتضى ما قال القاضي في التعليق، وقال: نص عليه في رواية الجماعة.
واعلم أنا وإن شركنا بين الفجر والعشاء في مراعاة حال الجيران، إلا أن بينهما فرقا [لطيفا] ، وهو أن التقديم في الفجر أفضل إلا إذا تأخروا، والتأخير في العشاء أفضل إلا إذا تقدموا
وتظهر فائدة ذلك في المصلي وحده، وفي جماعة تقدموا ولم يشق عليهم التأخير، فإن الأفضل إذا تقديم الفجر، وتأخير العشاء.
(تنبيهان) : (أحدهما) : تحصل فضيلة [أول] الوقت بأن يشتغل بأسباب الصلاة إذا دخل الوقت، قال في التلخيص، ويقرب منه قول المجد: قدر الطهارة، والسعي إلى الجماعة، ونحو ذلك.
(الثاني) : «أبردوا بالصلاة» أي: أخروها عن ذلك الوقت، وأدخلوها في وقت البرد، وهو الزمن الذي ينكسر فيه الحر، فيوجد فيه برود [ما]، يقال: أبرد الرجل أي صار في برد النهار «فيح جهنم» شدة حرها، وشدة غليانها، يقال: فاحت القدر تفيح إذا هاجت وغلت.
وقوله: والشمس حية. قال الخطابي: حياتها ضياء لونها قبل أن تصفر أو تتغير، وقال غيره: حياتها بقاء حرها (والعوالي) فسرها مالك بثلاثة أميال من المدينة، وقال غيره: هي مفترقة، فأدناها ميلان، وأبعدها ثمانية أميال، والله أعلم.