الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكوفيّون إلى أنه يجوز إظهار أن بعد كي، واحتجوا بأن قالوا: الدليل على ذلك.
النقل والقياس:
أما النقل، فقد قال الشاعر [مجهول]:
أردت لكيما أن تطير بقربتي
…
فتتركها شنّا ببيداء بلقع
[انظر البيت داخل المعجم].
فجاء جواب الأنباري عن هذا الشاهد، على لسان البصريين:[الجواب أن هذا البيت لا يعرف قائله، ولو عرف لجاز أن يكون من ضرورة الشعر]. فالبيت مرفوض، سواء عرف صاحبه أم لم يعرف، وهذا الجواب يشبه قول المعاند «عنز ولو طارت» . وأعجبني جواب الشيخ محيي الدين عبد الحميد في حاشية [الإنصاف/ 583] يوجه الخطاب للأنباري «لا نرى لك أن تقرّ هذا، لا في هذا الموضع ولا في غيره، ولا على لسان الكوفيين ولا البصريين، فكم من الشواهد التي يستدلّ بها هؤلاء وهي غير منسوبة، ولا لها سوابق ولا لواحق، وفي كتاب سيبويه وحده خمسون بيتا لم يعثر لها العلماء بعد الجهد والعناء الشديدين على نسبة لقائل معيّن» .
قلت: لقد آن الأوان لمراجعة مقررات القواعد، للأخذ بالمذهبين البصري والكوفي، فإن في هذا توسعة وتسهيلا لقواعد العربية التي أخذت تتفلّت من أقلام المثقفين وألسنتهم، للتضييق عليهم في حدود قواعد، لا يعدّ مخالفها من اللحن.
عمود الشعر العربي:
اصطلاح أدبيّ متداول في كتب النّقد الأدبي القديمة. ويراد به: مجموع القوانين الشعرية التي التزمها الشعراء العرب الأقدمون. وقد استنبطها أهل العلم بالشعر من استقراء شعر الجاهلية وصدر الإسلام، والعصر الأموي. وقام استقراء العلماء على قراءة الشعر الموثوق في نسبته إلى قائله، وإلى عصره، وساعدهم على صحة الاستنباط والحكم، قرب عهدهم بالرواية والرواة وإصرارهم على التلقي بالمشافهة عن الموثوقين من أهل الرواية
والدراية مع وجود النّسخ المخطوطة بين أيديهم. وكثيرا ما يوثّق أحدهم كلامه بأنه اعتمد على نسخة خطية مقروءة على المؤلف أو بخط المؤلف، أو أنه قرأ القصيدة الفلانية على راو
موثوق. فلم يكونوا يقنعون بقراءة الكتب مجردة من التوثيق الشفوي أو الكتابي لخوفهم من تحريفات النّسّاخ أولا، ولتوثيق المكتوب ثانيا، ولفهم المكتوب - بقراءته قراءة صحيحة - ثالثا.
* وفي القديم، لم يكن يتصدّر للتدريس والتأليف، والإملاء، والإقراء، والرواية إلا من اكتملت له الأدوات التي تجعله متبحّرا في فنّه. ولو تصدر للتعليم من قصّر عن درجة العلماء، ما أقبل أحد عليه، وما استمع أحد إليه، ولكان افتضح بين الأقران. فالتعليم كان حرّا، وطلبة العلم كانوا يملكون حريتهم في الجلوس إلى ذلك الشيخ، أو الانصراف عنه، ولم يكن - كما في أيامنا - تعليم إلزامي، ومدارس إلزاميّة، يجبر الطالب على الحضور أمام أساتذتها أحبّ أم كره.
ولذلك كان لنا من رصيد الماضي كوكبة من العلماء الأعلام ما زالوا المثل الأعلى، نحثّ الخطى نحوهم، فلا ندرك شأوهم. وتركوا لنا كنزا من المؤلفات فقد منه الكثير، ووصلنا القليل، ومع ذلك ما زلنا عاجزين عن الغوص في أعماق هذا القليل، ونغرق في ضحضاحه.
ومما فاتنا استشراف آفاقه ومعرفة أسراره وأعماقه: التراث الأدبي: شعره ونثره.
* لأن نقّاد الشعر ودارسيه في العصر الحديث، لم يهتدوا إلى «عمود الشعر العربي» فيما وصلنا من الشعر، وما قعّده السابقون من قواعد الأدب، فهم يحومون حول هذا التراث، ولا يقتربون منه، ويصفونه من بعيد ولا يخوضون غماره ليتذوقوا لبابه، ولهذا كانت الدراسات الأدبية الحديثة سطحية، لم تغص في الأعماق، ولم تضع يدها على الأصداف. وصدق (محمد حافظ إبراهيم) القائل - على لسان لغة العرب:
أنا البحر في أحشائه الدرّ كامن
…
فهل ساءلوا الغوّاص عن صدفاتي
لقد ظهرت دراسات نقدية في بداية التأليف في العصر الحديث، ومضى عليها اليوم خمسون سنة أو يزيد، ومع ذلك بقي الأخلاف من بعد يعتمدون عليها، ولا يتعدونها، ويجعلون أحكامها الأدبية مسلّمات لا تحتمل النقاش، مع وجود التطور الهائل في الطباعة والتحقيق وفي كميّة الكتب التراثية التي أصدرتها المطابع. وقد