الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوزن. وتأتي الوحدة أيضا: من أنّ كلّ بيت، يسلمك إلى ما بعده، لارتباطه به معنى ونظما. وقد تؤدي بعض الأبيات معنى مستقلا، ولكن هذا لا يجعله منفكا عما قبله وعمّا بعده، بل يكون البيت في القصيدة بمنزلة الكلمة في البيت، والكلمة في البيت تؤدي معنى لغويا وهي منفردة، ولكنها لبنة في بناء البيت، لا يتمّ إلا بها. وتكون القصيدة كلها كالبيت منظومة في سلك واحد، كما تنتظم الكلمات في البيت.
فالتفكك إذن عيب في الشعر، فكيف يجعلونه من خصائص قصيدهم. وانظر عشرات المقطعات التي أوردها أبو تمام في الحماسة مع شرحها، فإنك تجد مصداق ما قال المرزوقي في مقدمته. فالبحث يطول ويحتاج إلى كتاب منفرد، لعرض النماذج التي تبين بطلان زعم الزاعمين بتفكّك القصيدة العربية وأن البيت وحدتها .. وحتى أبيات الحكمة التي تؤدي معاني منفردة فإنها مربوطة بخيط دقيق، يتصل بالتجربة التي عاناها الشاعر. فلا تلتفتنّ إلى ما قال النقاد، فهم مقلدون لأول من قال، وأول من قال جاهل بالشعر العربي.
2 - ينحصر زمن شعراء الشواهد بين العصر الجاهلي، ونهاية العصر الأموي
وإذا وجدنا بيتا لشاعر عباسي، قالوا: إنه للتمثيل وليس للاستشهاد. وأنا أرى أنهم حجروا فضيّقوا، وكان أمامهم سعة للاختيار من العصر العباسي، مع صحّة ربّما تضاهي أو تفوق صحة بعض ما استشهدوا به من العصر الذي حددوه، وفي هذا المقام أذكر الملاحظات التالية:
أ - قسموا الشعراء إلى أربع طبقات: ثلاثة منها يستشهد بشعرهم وهم:
الجاهليون، والمخضرمون، وشعراء العصر الأموي. والطبقة الرابعة وهم المولّدون أو المحدثون، ولا يستشهد بشعرهم. وفي مجال الشعر الجاهلي يأخذون كلّ شعر منسوب إلى شاعر جاهلي. وليس عندهم سند متصل موثوق بأن كلّ الشعر الجاهلي منسوب إلى أصحابه. ونذكر على سبيل المثال: شعر امرئ القيس: فقد وصل إلينا من شعره الذي نسب إليه زهاء ألف بيت منسجمة في مئة قطعة، بين طويلة وقصيرة، نجدها في ديوانه ولكن ابن رشيق يقول:«لا يصحّ له إلا نيّف وعشرون شعرا بين طويل وقطعة» . [العمدة 1/ 67]. وبعض شعره، الذي نسب
إليه، قاله في طريق رحلته إلى ملك الروم المزعومة، وكان معه في الرحلة عمرو بن قميئة، وقد فطس امرؤ القيس في طريق العودة ومات أيضا عمرو بن قميئة في طريق هذه الرحلة. فمن الذي أوصل إلى الرواة شعره الذي قال
فيه:
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه
…
وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا
ومن الذي نقل إلينا عند موته «وإني مقيم ما أقام عسيب» ؟! وينقلون شعرا يزعمون أنه قاله في ابنة القيصر، وأن حوارا دار بينه وبينها.
وقصيدة الأعشى في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، مع أنها قريبة العهد من العصر الإسلامي بل زعموا أنه قالها بعد صلح الحديبية. ولكنني لم أجد لها سندا صحيحا متصلا، بل روايات قصتها متعددة ومتضاربة، وفيها من المعاني الإسلامية ما لا يقوله إلا من قرأ القرآن وفهمه، وجالس النبي صلى الله عليه وسلم. وليس للأعشى نصيب من هذا
…
وقد جاء في كتب النحو عشرات من أبياتها.
وقصيدة أبي طالب في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، لم يصحّ عندنا منها إلا البيت الذي يقول فيه «وأبيض يستسقى الغمام بوجهه» ولكنها قد تصل في بعض المراجع إلى مئة بيت. وفي كتب النحو شواهد كثيرة منها.
ب - نحن لا نرى أن كلّ ما ذكرنا من النماذج موضوع ومنحول، قد يكون لهذا الشعر أصل قليل، ثم زيد عليه، ولكن من الذي زاد وطوّل في هذا القصيد؟.
الجواب: إنّ أكثر من نسب إليهم وضع الشعر ونحله، ينتمون إلى ما بعد العصر الذي يستشهدون بشعر أهله
…
فإذا كان الأمر كذلك فلماذا نستشهد بشعر الوضّاعين من أهل العصر العباسي، ولا نستشهد بشعر بعض الشعراء الذين شهروا بفصاحة القول وجزالة اللفظ، وقوة التركيب، من أهل العصر العباسي، أمثال:
بشار بن برد، وأبي نواس، والعباس بن الأحنف، والشريف الرضي، وأبي تمام، والمتنبي.
ج - وقد اختار الزمخشري، والرضيّ، الاستشهاد بشعر بعض من سموهم المولدين ممن يوثق بكلامهم. فقد استشهد الزمخشري في تفسيره ببيت من شعر