الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبي تمام وقال: «وهو وإن كان محدثا، لا يستشهد بشعره في اللغة، فهو من علماء العربية، فأجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه، ألا ترى إلى قول العلماء: (الدليل عليه ببيت الحماسة) فيقنعون بذلك، لوثوقهم بروايته وإتقانه» [انظر الخزانة 1/ 7]. قال أبو أحمد: أليس الاستشهاد بشعر أبي تمام أولى من الاستشهاد بشعر منسوب إلى الزبّاء؟ وأخبرني من الذي سمع ونقل أن الزبّاء قالت:
ما للجمال مشيها وئيدا
…
أجندلا يحملن أم حديدا
وهل كانت الزبّاء تتكلم العربية القرشيّة؟
وهناك شعر منسوب إلى رجال من قوم عاد، وهناك شعر منسوب إلى تبابعة اليمن مع أنّ علماء اللغة والتاريخ يقولون إن لغة أهل اليمن القديمة هي اللغة الحميرية وليست اللغة القرشية.
3 - لا يؤخذ التاريخ من القصص الأدبي
.
فكل بيت من الشعر له، أو لقصيدته، مناسبة قيل فيها. والمناسبة ذات صلة بالتاريخ والمجتمع. ويجتهد رواة الشعر أن يوجدوا مناسبة لكل بيت أو قصيدة، لتكون عونا على فهم النص، ولكن القصة التي يرويها رواة الشعر بعيدة العهد عنهم، وليس في روايات الأدب أسانيد متصلة إلى زمن قول الشعر، فرواة الشعر، وجدوا نصوصا يرويها الناس، وليس معها قصة، فحرصوا على أن يكون لكل بيت قصة، فوقعوا في شرك الوضع والكذب والاختلاق والظنّ، فرووا ما قيل لهم، أو تخيلوا قصة، إذا قرأها القارئ ظنّها من الواقع التاريخي، فنقلها على أنها من التاريخ، وهي بعيدة عن الواقع التاريخيّ. وقد نبهت في هذا المعجم إلى كثير من المناسبات التاريخيّة المصنوعة، وبينت كذبها.
فقصص مغامرات امرئ القيس مع بنات العرب ومع ابنة القيصر، كاذبة ولا تمثل واقعا، ولا يصحّ وقوعها، وإنما هي من خيالاته.
وقصص عمر بن أبي ربيعة في العصر الإسلامي كاذبة وهي من خيال الشاعر.
والشعر الذي يروونه في فتنة الجمل وصفين أكثره موضوع ولا تصح مناسبته.
والقصص الذي روي مرافقا لشعر قيل في زمن عمر بن الخطاب، قصص موضوع لا يصحّ. ومن ذلك زعمهم أن عمر سمع امرأة تنشد:
ألا سبيل إلى خمر فأشربها
…
أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج
فهذه القصة موضوعة، انظر تحقيقها في كتابنا «المدينة في فجر الإسلام والعصر الراشدي» .
وفي قصة «سحيم عبد بني الحسحاس» أقوال كثيرة لا تصح، حيث زعموا أن عمر بن الخطاب سمع قصيدة سحيم التي مطلعها:
عميرة ودّع إن تجهزت غازيا
…
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
فقال عمر: لو قدّمت الإسلام على الشيب لأجزتك. فهذا لا يصح؛ لأن عمر لم يكن يجيز على الشعر، وإنما يعطي كلّ إنسان حقّه من العطاء السنوي. ثم إن القصيدة عامرة بالفسق والفجور ووصف المغامرات.
ويزعمون أنّ قومه قتلوه وأحرقوه - في زمن عثمان - وهذا لا يصحّ؛ لأنه لو ثبت عليه حدّ الزنا، فليس عليه إلا الجلد والتغريب، أو الرجم، فكيف يقتل ويحرق في العهد الراشدي.
ويزعمون أن سبب تعلّق عميرة به أن أنقذها من يهودي خطفها وحبسها في حصنه
…
ولم يكن - زمن عمر، وزمن عثمان - يهود في المدينة.
وألغى ابن قتيبة عقله فقال:
«ويقال سمعه عمر بن الخطاب ينشد:
ولقد تحدّر من كريمة بعضهم
…
عرق على جنب الفراش وطيب
فقال له عمر: إنك مقتول. فسقوه الخمر ثم عرضوا عليه نسوة فلما مرت به التي كان يتهم بها أهوى إليها فقتلوه!» «الشعر والشعراء» ص 321. وهذا كذب ما كان له أن يرويه. فلو أنّ عمر سمعه يقول كذا؛ لنفاه عن المدينة، كما روي أنه نفى بعض الفجّار، وكيف يسقونه الخمر لاكتشاف من يتّهم بها من النساء والرجل