الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
113].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته؛ يأتيه الأمر من أمري؛ يقول: لا ندري! ما وجدنا في كتاب الله؛ اتبعناه، ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه"(1).
ولهذا كان القول الصحيح أن القرآن يُنسخ بالسنة إذا صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك جائز عقلًا وشرعًا، ولكن ليس له مثال مستقيم (2).
• قال المؤلف: "فَ
السُّنَّةُ تُفَسِّرُ القُرْآنَ وَتُبيِّنُهُ
وَتَدُلُّ عَلَيْهِ وَتُعَبِّرُ عَنْهُ".
* قوله: "تفسر القرآن"، يعني: توضح المعنى المراد منه:
كما في تفسير قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26]؛ حيث فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها النظر إلى وجه الله عز وجل (3).
(1) رواه أحمد (4/ 132)، وأبو داود (4605)، والترمذي (2663)، وابن ماجه (13)، والحاكم (1/ 109)، وقد أطال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "الرسالة" للشافعي (ص 9) تخريج هذا الحديث وتَصْحيحِه.
وانظر "الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام" للألباني، فقد صححه.
(2)
وهو قول الجمهور كما حكاه عنهم الشوكاني في "إرشاد الفحول"(ص 191).
(3)
تقدم تخريجه (1/ 452).
وكما فَسَّر النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]، فقال:"ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي"(1).
* و "تبيِّنُه"؛ يعني: تبين المجمل منه؛ حيث إن في القرآن آيات مجملة، لكن السنة بينتها ووضحتها؛ مثل:
قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: 43]: أمر الله بإقامتها، وبيَّنت السنة كيفيتها.
وقوله سبحانه: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78].
{لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} ؛ يعني: من دلوك الشمس إلى غسق الليل؛ أي: غاية ظلمته، وهو نصفه؛ لأن أشد ما يكون في ظلمة الليل نصفه.
فظاهر الآية أن هذا وقت واحد، ولكن السنة فصلت هذا المجمل:
فللظهر: من دلوك الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله.
وللعصر: من ذلك إلى اصفرار الشمس في الاختيار، ثم إلى غروبها في الضرورة.
وللمغرب: من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر.
(1) رواه مسلم (1917)، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.
وللعشاء: من مغيب الشفق الأحمر إلى نصف الليل، وليس هناك وقت ضرورة للعشاء، ولهذا لو طهرت الحائض في منتصف الليل الأخير؛ لم يجب عليها صلاة العشاء ولا صلاة المغرب، لأن وقت صلاة العشاء تنتهي بانتصاف الليل، ولم يأت في السنة دليل على أن وقت صلاة العشاء يمتد إلى طلوع الفجر.
وللفجر: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
ولهذا قال في نفس الآية: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} ، ثم فَصَلَ وقت الفجر، فقال:{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء: 78]، لأن وقت الفجر بينه وبين الأوقات الأخرى فاصل من قبله ومن بعده، فنصف الليل الثاني قبله، ونصف النهار الأول بعده.
هذا من بيان السنة حيث بينت الأوقات.
كذلك: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، بينت السنة الأنصبة والأموال الزكوية.
* و "تدل عليه": هذه كلمة تعم التفسير والتبيين والتعبير" فالسنة تفسر القرآن وتبين القرآن.
* و"تعبر عنه"، يعني: تأتي بمعانٍ جديدة أو بأحكام جديدة ليست في القرآن.
وهذا كثير، فإن كثيرًا من الأحكام الشرعية استقلت بها السنة، ولم يأت بها القرآن.
لكن دل على أن لها حكم ما جاء في القرآن مثل قوله تعالى:
{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]، وقوله:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]، وقوله:{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36].
أما الحكم المعين؛ فالسنة استقلت بأحكام كثيرة عن القرآن، ومن ذلك ما سيأتينا في أول حديث ذكره المؤلف في هذا الفصل: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر
…
" (1)، فإن هذا ليس في القرآن.
إذًا؛ السنة مقامها مع القرآن على هذه الأنواع الأربعة: تفسير مشكل، وتبيين مجمل، ودلالة عليه، وتعبير عنه.
* * *
• ثم قال رحمه الله قاعدة مهمة: "وَمَا وَصَفَ الرَّسُولُ بهِ رَبَّه عز وجل مِن الأَحَادِيثِ الصِّحاح الَّتي تَلَقَّاها أَهْلُ المَعْرِفَةِ بالقَبُولِ، وَجَبَ الإيمانُ بِهَا كَذَلِكَ".
" قوله: "وما": هذه شرطية. وفعل الشرط: "وصف".
"وجب الإيمان بها": هذا جواب الشرط.
فما وصف الرسول به ربه، وكذلك ما سمى به ربه، لأن هناك أسماء مما سمى به الرسول ربه لم تكن موجودة في القرآن؛ مثل (الشافي)؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "واشف أنت الشافي، لا شفاء
(1) سوف يأتي الحديث بطوله (2/ 13)، وهو في الصحيحين.
إلا شفاؤك" (1).
* "الرب": لم يأت في القرآن بدون إضافة لكن في السنة قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "أما الركوع فعظموا فيه الرب"(2).
وقال في السواك: "مطهرة للفم مرضاة للرب"(3)
وظاهر كلام المؤلف أنه يشترط لقبولها شرطان:
الأول: أن تكون الأحاديث صحيحة.
الثاني: أن يكون أهل المعرفة يعني بالأحاديث تلقوها بالقبول، ولكن ليس هذا هو المراد، بل مراد الشيخ رحمه الله أن الأحاديث الصحاح تلقاها أهل المعرفة بالقبول فتكون الصفة هذه صفة كاشفة لا صفة مقيدة.
* فقوله: "التي تلقاها": هذا بيان لحال الأحاديث الصحيحة أي أن أهل المعرفة تلقوها بالقبول لأنه من المستحيل أن تكون الأحاديث صحيحة، ثم يرفضها أهل المعرفة، بل سيقبلونها.
صحيح أن هناك أحاديث ظاهرها الصحة، ولكن قد تكون معلولة بعلة؛ كانقلاب على الراوي ونحوه، وهذه لا تعد من الأحاديث الصحيحة.
(1) رواه: البخاري (5742)، ومسلم (2191)؛ عن عائشة رضي الله عنها.
(2)
رواه مسلم (479)، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(3)
رواه البخاري معلقًا مجزومًا (4/ 158)، ووصله أحمد (6/ 62)، والنسائي (1/ 10)، وابن حبان (2/ 287)، وحسّنه البغوي في "شرح السنة"(1/ 349).
قال: "وَجَبَ الإيمانُ بها": لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: 136]، وقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59]، وقوله تعالى:{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ} [القصص: 65، 66]
…
والنصوص في هذا كثيرة معلومة.
واعلم أن موقف أهل الأهواء والبدع تجاه الأحاديث المخالفة لأهوائهم يدور على أمرين: إما التكذيب، وإما التحريف.
فإن كان يمكنهم تكذيبه؛ كذبوه؛ كقولهم في القاعدة الباطلة: أخبار الآحاد لا تقبل في العقيدة!!
وقد رد ابن القيم رحمه الله هذه القاعدة وأبطلها بأدلة كثيرة في آخر "مختصر الصواعق".
وإن كان لا يمكنهم تكذيبه؛ حرفوه؛ كما حرفوا نصوص القرآن.
أما أهل السنة؛ فقبلوا كل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمور العلمية والأمور العملية؛ لقيام الدليل على وجوب قبول ذلك.
* وقوله: "كذَلِك"؛ يعني: كما يجب الإيمان بما في القرآن؛ من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
وقد ذكر المؤلف منها أحاديث عديدة؛ منها.
* * *