الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• الأمر الثامن مما يكون يوم القيامة:
وهو ما ذكره المؤلف بقوله: "وَفى عَرَصاتِ القِيامَةِ الحَوْضُ المَوْرودُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم".
* العرَصات: جمع عرْصة، وهي المكان المتسع بين البنيان، والمراد به هنا مواقف القيامة.
* والحوض في الأصل: مجمع الماء، والمراد به هنا: حوض النبي صلى الله عليه وسلم.
* و
الكلام على الحوض من عدة وجوه:
أولًا: هذا الحوض موجود الآن؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب ذات يوم في أصحابه، وقال:"وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن"(1).
وأيضًا؛ ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ أنه قال: "ومنبري على حوضي"(2).
وهذا يحتمل أنه في هذا المكان، لكن لا نشاهده؛ لأنه غيبي، ويحتمل أن المنبر يوضع يوم القيامة على الحوض.
ثانيًا: هذا الحوض يصب فيه ميزابان من الكوثر، وهو النهر العظيم، الذي أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة؛ ينزلان إلى هذا
(1) رواه البخاري (6590)، ومسلم (2296)؛ عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.
(2)
البخاري (6589)، ومسلم (1391)؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الحوض (1).
ثالثًا: زمن الحوض قبل العبور على الصراط؛ لأن المقام يقتضي ذلك؛ حيث إن الناس في حاجة إلى الشرب في عرصات القيامة قبل عبور الصراط (2).
رابعًا: يرد هذا الحوض المؤمنون بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، المتبعون لشريعته، وأما من استنكف واستكبر عن اتباع الشريعة؛ فإنه يطرد منه (3).
خامسًا: في كيفية مائه: فيقول المؤلف رحمه الله: "ماؤه أشد بياضًا من اللبن": هذا في اللون، أما في الطعم؛ فقال:"وأحلى من العسل"، وفي الرائحة أطيب من ريح المسك؛ كما ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (4).
سادسًا: في آنيته: يقول المؤلف: "آنيته عدد نجوم السماء".
هذا كما ورد في بعض ألفاظ الحديث، وفي بعضها: "آنيته
(1) لما رواه مسلم (2300 و 2301)؛ من حديث أبي ذر وثوبان رضي الله عنهما.
(2)
لما رواه عبد الله بن الإمام أحمد في زياداته على المسند (4/ 13) في الحديث الطويل عن أبي رزين. وقال الحافظ في الفتح (11/ 467) بعد أن عزاه لابن أبي عاصم في السنة والطبراني والحاكم قال: "وهو صريح في أن الحوض قبل الصراط".
(3)
ثبت ذلك في "صحيح البخاري"(6576)، ومسلم (2297)، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن رجالٌ منكم ثم ليختلجن دوني، فأقول: يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك".
(4)
رواه: البخاري (6579)، ومسلم (2292)؛ عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
كنجوم السماء"، وهذا اللفظ أشمل؛ لأنه يكون كالنجوم في العدد وفي الوصف بالنور واللمعان؛ فآنيته كنجوم السماء كثرة وإضاءة.
سابعًا: آثار هذا الحوض: قال المؤلف: "من يشرب منه شربة؛ لا يظمأ بعدها أبدًا": حتى على الصراط وبعده.
وهذه من حكمة الله عز وجل؛ لأن الذي يشرب من الشريعة في الدنيا لا يخسر أبدًا كذلك.
ثامنًا: مساحة هذا الحوض: يقول المؤلف: "طوله شهر وعرضه شهر": هذا إذًا يقتضي أن يكون مدورًا؛ لأنه لا يكون بهذه المساحة من كل جانب؛ إلا إذا كان مدورًا، وهذه المسافة باعتبار ما هو معلوم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من سير الإبل المعتاد.
تاسعًا: هل للأنبياء الآخرين أحواضٌ؟
فالجواب: نعم؛ فإنه جاء في حديث رواه الترمذي -وإن كان فيه مقال-:
"إن لكل نبي حوضًا"(1).
لكن هذا يؤيده المعنى، وهو أن الله عز وجل بحكمته وعدله
(1) أخرجه الترمذي (2443)، وابن أبي عاصم في "السنة"(734)، والحديث أورده الهيثمي في "المجمع"(10/ 363) بلفظ آخر، وقال: وفيه مروان بن جعفر السميري وثقه ابن أبي حاتم، وقال الأزدي: يتكلمون فيه، وبقية رجاله ثقات. وقال الألباني في "الصحيحة" (1589): وجملة القول: إن الحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح، والله أعلم. وانظر:"فتح الباري"(11/ 467).