الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في المعية وبيان الجمع بينها وبيان علو الله واستوائه على عرشه
الشرح:
سبق (1) أن مما يدخل في الإيمان بالله: الإيمان بأسمائه وصفاته، ومن ذلك الإيمان بعلو الله واستوائه على عرشه، والإيمان بمعيته، وفي هذا الفصل بين المؤلف رحمه الله الجمع بين العلو والمعية؛ فقال:
* "وَقَدْ دَخَلَ فِيما ذَكَرْناهُ مِنَ الإيمانِ باللهِ: الإيمانُ بما أخْبَرَ اللهُ بهِ في كِتابِهِ، وَتَواتَرَ عَنْ رَسولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَأجْمَعَ عَلَيهِ سَلَفُ الأمَّةِ، مِنْ أنَّه سُبحانَهُ فوقَ سماواتِه على عرشِهِ عليّ على خلقِهِ":
هذه ثلاثة أدلة على علو الله تعالى: الكتاب، والسنة، والإجماع.
ومر علينا دليل رابع وخامس، وهما: العقل والفطرة.
* "من أنه سبحانه فوق سماواته على عرشه علي على خلقه" تقدم لنا أن علو الله عز وجل نوعان: علو صفة، وعلو ذات، وأن علو الذات دل عليه الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة وكذلك علو الصفة.
(1)(1/ 386 - 400).
* فالكتاب مملوء من ذلك: تارة بالتصريح بالفوقية، وتارة بالتصريح بالعلو، وتارة بالتصريح بأنه في السماء، وتارة بنزول الأشياء من عنده، وتارة بصعودها إليه، ونحو ذلك.
* والسنة جاءت بالقول والفعل والإقرار، وسبق ذكر ذلك.
* أما الإجماع؛ فقد أجمع السلف على ذلك، وطريق العلم بإجماعهم عدم نقل ضد ما جاء في الكتاب والسنة؛ فإنهم كانوا يقرؤون القرآن وينقلون الأخبار ويعلمون معانيها، ولما لم ينقل عنهم ما يخالف ظاهرها؛ علم أنهم لا يعتقدون سواه، وأنهم مجمعون على ذلك. وهذا طريق حسن لإثبات إجماعهم، فاستمسك به ينفعك في مواطن كثيرة.
* وأما العقل؛ فمن وجهين:
الوجه الأول: أن العلو صفة كمال، والله تعالى قد ثبت له كل صفات الكمال، فوجب إثبات العلو له سبحانه.
الوجه الثاني: إذا لم يكن عاليًا؛ فإما أن يكون تحت أو مساويًا، وهذا صفة نقص؛ لأنه يستلزم أن تكون الأشياء فوقه أو مثله؛ فلزم ثبوت العلو له.
* أما الفطرة؛ فلا أحد ينكرها؛ إلا من انحرفت فطرته؛ فكل إنسان يقول: يا الله! يتجه قلبه إلى السماء، لا ينصرف عنه يمنة ولا يسرة، لأن الله تعالى في السماء.
* * *
* قوله: "وَهُوَ سُبْحانَهُ مَعَهُمْ أيْنَما كانُوا؛ يَعْلَمُ ما هُمْ عاملونَ".
* وهذا من الإيمان بالله، وهو الإيمان بمعيته لخلقه.
* وقد سبق (1) أن معية الله تنقسم إلى عامة وخاصة وخاصة الخاصة.
- فالعامة: التي تشمل كل أحد من مؤمن وكافر وبر وفاجر، ومثالها قوله تعالى:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4].
- والخاصة: مثل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128].
- والتي أخص: مثل قوله تعالى لموسى وهارون: {قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46] وقوله عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 45].
وسبق أن هذه المعية حقيقية، وأن من مقتضى المعية العامة العلم والسمع والبصر والقدرة والسلطان وغير ذلك، ومن مقتضى الخاصة النصر والتأييد.
* * *
* قوله: "كمَا جَمَعَ بَينَ ذلِكَ في قَوْلِهِ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
(1)(1/ 400 - 418).
بَصِيرٌ} [الحديد: 4].
* قوله: "بين ذلك"؛ أي: بين العلو والمعية.
* ففي قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} : إثبات العلو.
* وفي قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} : إثبات المعية، فجمع بينهما في آية واحدة، ولا منافاة بينهما كما سبق ويأتي.
ووجه الجمع من وجوه ثلاثة:
الأول: أنه ذكر استواءه على العرلش، ثم قال:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} ، وإذا جمع الله لنفسه بين وصفين، فإننا نعلم علم اليقين أنهما لا يتناقضان؛ لأنهما لو تناقضا؛ لاستحال اجتماعهما، إذ المتناقضين لا يجتمعان ولا يرتفعان؛ فلا بد من وجود أحدهما وانتفاء الثاني، ولو كان هناك تناقض؛ لزم أن يكون أول الآية مكذبًا لآخرها أو بالعكس.
الثاني: أنه قد يجتمع العلو والمعية في المخلوقات؛ كما سيذكره المؤلف في قول الناس: ما زلنا نسير والقمر معنا.
الثالث: لو فرض تعارضهما بالنسبة للمخلوق؛ لم يلزم ذلك بالنسبة للخالق، لأن الله ليس كمثله شيء.
* قوله: "وَلَيْسَ مَعْنى قَوْلِهِ: {وَهُوَ مَعَكُمْ}، أنَّهُ مُخْتَلِطٌ بِالخَلْقِ": لأن هذا المعنى نقص، وقد سبق أنه لو كان هذا هو المعنى؛ لزم أحد أمرين: إما تعدد الخالق، أو تجزؤه؛ مع ما في
ذلك أيضًا من كون الأشياء تحيط به، وهو سبحانه محيط بالأشياء.
* قوله: "فإنَّ هذا لا تُوجِبُهُ اللُّغَةُ"؛ يعني؛ وإذا كانت اللغة لا توجبه؛ لم يتعين، وهذا أحد الوجوه الدالة على بطلان مذهب الحلولية من الجهمية وغيرهم؛ القائلين بأن الله مع خلقه مختلطًا بهم.
ولم يقل: لا تقتضيه اللغة؛ لأن اللغة قد تقتضيه، وفرق بين كون اللغة تقتضي ذلك وبين كونها توجب ذلك.
فالمعية في اللغة قد تقتضي الاختلاط؛ مثل الماء واللبن؛ تقول: ماء مع لبن مخلوطًا.
* قوله: "وَهُوَ خِلافُ ما أجْمَعَ عَلَيهِ سَلَفُ الأمَّةِ، وَخِلافُ ما فَطَرَ اللهُ عَلَيْهِ الخَلْقَ": وذلك لأن الإنسان مفطور على أن الخالق بائن من المخلوق، ليس أحد إذا قال: يا الله! إلا ويعتقد أن الله تعالى بائن من خلقه، لا يعتقد أنه حالٌّ في خلقه؛ فدعوى أنه مختلط بالخلق مخالف للشرع ومخالف للعقل ومخالف للفطرة.
* قوله: "بَلِ القَمَرُ آيَةٌ مِنْ آياتِ اللهِ مِنْ أصْغَرِ مَخْلوقاتِهِ، وَهُوَ مَوْضوعٌ في السَّماءِ، وَهُوَ مَعَ المُسافِرِ وَغَيْرِ المُسافِرِ أيْنَما كانَ".
* "بل": للإضراب الانتقالي.
* وهذا مثل ضربه المؤلف رحمه الله تقريبًا للمعنى وتحقيقًا لصحة كون الشيء مع الإنسان حقيقة مع تباعد ما بينهما، وذلك أن
القمر من أصغر المخلوقات، وهو في السماء، ومع المسافر وغيره أينما كان.
فإذا كان هذا المخلوق، وهو من أصغر المخلوقات؛ نقول: إنه معنا، وهو في السماء. ولا يعد ذلك تناقضًا، ولا يقتضي اختلاطًا؛ فلماذا لا يصح أن نجري آيات المعية على ظاهرها، ونقول: هو معنا حقيقة، وإن كان هو في السماء فوق كل شيء؟!
وكما قلنا سابقًا: لو فرض أن هذا ممتنع في الخلق؛ لكان في الخالق غير ممتنع، فالرب عز وجل هو في السماء حقيقة، وهو معنا حقيقة، ولا تناقض في ذلك، حتى وإن كان بعيدًا عز وجل في علوه؛ فإنه قريب في علوه.
وهذا الذي حققه شيخ الإسلام في كتبه، وقال: إنه لا حاجة إلى أن نؤول الآية، بل الآية على ظاهرها، لكن مع اعتقادنا بأن الله تعالى في السماء على عرشه؛ فهو معنا حقًّا، وهو على عرشه حقًّا؛ كما نقول: إنه ينزل إلى السماء الدنيا حقًّا، وهو في العلو، ولا أحد من أهل السنة ينكر هذا أبدًا؛ كل أهل السنة يقولون: هو ينزل حقًّا، متفقون على أنه في العلو؛ لأن صفات الخالق ليست مثل صفات المخلوق.
وقد عثرت على تقرير للشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله يبين هذا المعنى تمامًا؛ أي أن المعية حق على حقيقتها، ولا تستلزم أن يكون مختلطًا بالخلق، أو أنه في الأرض؛ قال جوابًا على قول بعض السلف:"معهم بعلمه":
"إذا جاءت هذه الكلمة؛ فهي تفسير للمعية بالمقتضى، ليس تفسيرًا لحقيقة الكلمة، والذي يحمل ويحدو على التفسير بهذا أن المنازع في هذا المبتدعة الذين يقولون: إنه مختلط بهم، فيأتي البعض من السلف بالمراد بالسياق، وهو أنه بكمال علمه، ولكن لا يريدون أن كلمة (مع) مدلولها بكل شيء عليم، بل اجتمعت معها في العلم، وزادت المعية في المعنى، وهو كونه معهم؛ فتفسيرها بالمقتضى لا يدل على أن معناها باطل؛ فالكل حق
…
".
إلى أن قال: "ولهذا؛ شيخ الإسلام في عقيدته الأخرى المباركة المختصرة؛ بين أن قوله معهم حق على حقيقته؛ فمن فسرها من السلف بالمقتضى؛ فلحاجة دعت إلى ذلك، وهو الرد على أهل الحلول الجهمية الذين ينكرون العلو كما تقدم، والقرآن يفسر بالمطابقة وبالمفهوم وبالاستلزام والمقتضى وغير ذلك من الدلالات، وهؤلاء العلماء الذين روي عنهم التفسير بالمقتضى لا ينكرون المعية، بل هي عندهم كالشمس" اهـ من "الفتاوى"؛ تقريرًا على الحموية (1).
* سؤال: هل يصح أن نقول: هو معنا بذاته؟
الجواب: هذا اللفظ يجب أن يبعد عنه؛ لأنه يوهم معنىً فاسدًا يحتج به من يقول بالحلول، ولا حاجة إليه؛ لأن الأصل أن كل شيء أضافه الله إلى نفسه؛ فهو له نفسه؛ ألا ترى إلى قوله
(1)"فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ"(1/ 212 - 213).
تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} ؛ هل يحتاج أن نقول: جاء بذاته؟! وإلى قوله صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا"(1)، هل يحتاج أن نقول: ينزل بذاته؟! إننا لا نحتاج إلى ذلك؛ اللهم إلا في مجادلة من يدعي أنه جاء أمره أو ينزل أمره، لرد تحريفه.
* * *
* قوله: "وهو سبحانه فوق عرشه، رقيب على خلقه، مهيمن عليهم، مطلع عليهم":
* يقول رحمه الله: "وهو سبحانه فوق عرشه": مع أنه مع الخلق، لكنه فوق عرشه.
* "رقيب على خلقه": يعني: مراقبًا حافظًا لأقوالهم وأفعالهم وحركاتهم وسكناتهم.
* "مهيمن عليهم"؛ أي: حاكم مسيطر على عباده، فله الحكم، وإليه يرجع الأمر كله، وأمره إذا أراد شيئًا أن يقول له: كن! فيكون.
* قوله: "إلى غير ذلك من معاني ربوبيته"؛ يعني بذلك ما تضمنه معنى الربوبية من ملك وسلطان وتدبير وغير ذلك، فإن معاني الربوبية كثيرة؛ لأن الرب هو الخالق المالك المدبر، وهذه تحمل معاني كثيرة جدًّا.
(1) سبق تخريجه (1/ 94)، وهو في "الصحيحين".
* قوله: "وَكُلُّ هذا الكَلامِ الذي ذَكَرَهُ اللهُ مِنْ أنَّهُ فَوْقَ العَرْشِ وَأنَّهُ مَعَنا: حَقٌّ على حَقِيقَتِهِ، لا يَحْتاجُ إلى تَحْريفٍ":
* هذه الجملة تأكيد لما سبق، وإنما كرر معنى ما سبق لأهمية الموضوع؛ فبين رحمه الله أن ما ذكره الله من كونه فوق العرش حق على حقيقته، وكذلك ما ذكره من كونه معنا حق على حقيقته، لا يحتاج إلى تحريف.
* يعني: لا يحتاج أن نصرف معنى الفوقية إلى فوقية القدر كما ادعاه أهل التحريف والتعطيل، بل هي فوقية ذات وقدر، كما لا يحتاج أن نصرف معنى المعية عن ظاهرها، بل نقول: هي حق على ظاهرها، ومن فسرها بغير حقيقتها، فهو محرف؛ لكن ما ورد من تفسيرها بلازمها ومقتضاها، وارد عن السلف لحاجة دعت إلى ذلك، وهو لا ينافي الحقيقة، لأن لازم الحق حق.
* ثم استدرك المؤلف رحمه الله، فقال: -ولكن يصان عن الظنون الكاذبة- "مِثْلَ أنْ يُظَنَّ أنَّ ظاهِرَ قَوْلِهِ: {فِي السَّمَاءِ} [الملك: 17]: أن السَّماءَ تُقِلُّهُ أوْ تُظِلُّهُ، وَهذا باطِلٌ بِإجْماعِ أهْلِ العِلْمِ وَالإيْمانِ".
* الظنون الكاذبة هي الأوهام التي ليس لها أساس من الصحة؛ فيجب أن يصان عنها كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
* مثال ذلك أن يُظَنَّ أن ظاهر قوله: {فِي السَّمَاءِ} ؛ أن السماء تُقِلُّه؛ أي: تحمله كما يحمل سقف البيت من كان على ظهره. "أو تُظِلُّهُ"؛ يعني: تكون فوقه؛ كالسقف على الإنسان.
إذا ظن الإنسان هذا؛ فهو ظن كاذب، يجب صون الأدلة الدالة على أن الله في السماء عن ذلك.
* قال المؤلف: "وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان".
تنبيه:
قد يقول قائل: كان على المؤلف أن يقول: ومثل أن يظن أن ظاهر قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد: 4]؛ أنه مختلط بالخلق؛ لأن هذا الظن كاذب أيضًا.
وجوابه أن نقول: إن المؤلف رحمه الله ذكر ذلك سابقًا في قوله: "وليس معنى قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ}؛ أنه مختلط بالخلق".
* * *
* قوله: "فإن الله قد {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة: 255] ".
* "الكرسي": كما يروى عن ابن عباس: موضع القدمين (1).
* {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} ؛ يعني: أحاط بالسماوات والأرض؛ السماوات السبع والأرضين السبع.
فكيف يظنُّ ظانٌّ أن السماء تظل الله أو تقلُّه؟!
فإذا كان قد وسع كرسيه السماوات والأرض؛ فلا يظن أحد أبدًا هذا الظن الكاذب، وهو أن السماء تقلُّه أو تظلُّه.
(1) سبق تخريجه (1/ 172).
* قوله: "وهو الذي {يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} [فاطر: 31] ":
* يمسكهما أن تزولا عن أماكنهما، ولولا إمساك الله لهما؛ لاضطربتا ومادتا وزالتا، ولكن الله عز وجل بقدرته وقوته يمسك السماوات والأرض أن تزولا، بل قال تعالى:{وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 41]؛ ما أمسكهما أحد بعد الله أبدًا.
لو تزول نجمة من النجوم؛ لا يستطيع أحد أن يمسكها؛ فكيف لو زالت السماوات والأرض؟! ما يمسكهما إلا الله الذي خلقها، الذي يقول للشيء: كن! فيكون. سبحانه وتعالى، بيده ملكوت السماوات والأرض.
* قوله: " {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إلا بِإِذْنِهِ} [الحج: 65] ".
السماء فوق الأرض، ووالله؛ لولا إمساك الله لها؛ لوقعت على الأرض؛ لأنها أجرام عظيمة؛ كما قال تعالى:{وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا} [الأنبياء: 32]، وقال:{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: 47]؛ فلولا أن الله يمسكها؛ لوقعت على الأرض، وإذا وقعت على الأرض؛ أتلفتها.
فالذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه؛ هل يتصور متصور أن السماء تقلُّه أو تظلُّه؟!
لا أحد يتصور ذلك.
* قوله: " {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ} [الروم: 25] ":
* {وَمِنْ آيَاتِهِ} ؛ يعني: من العلامات الدالة على كماله عز وجل من كل وجه:
* {أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ} : الكوني والشرعي؛ لأن أمره مبني على الحكمة والرحمة والعدل والإحسان؛ {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [المؤمنون: 71]، والأهواء فساد للسماوات والأرض، وهي مخالفة للأمر الشرعي.
إذًا؛ فالسماوات والأرض تقوم بأمر الله الكوني والشرعي، ولو أن الحق اتبع أهواء الخلق؛ لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن، ولهذا قال العلماء في قوله تعالى:{وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: 56]؛ أي: "لا تفسدوا فيها بالمعاصي".
* * *