الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاسم لا في الحقيقة.
* والفائدة المسلكية من هذا الحديث: هو أننا إذا علمنا أن الله عز وجل يضحك؛ فإننا نرجو منه كل خير.
ولهذا قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! أوَيضحك ربنا؟ قال: "نعم". قال: لن نعدم من رب يضحك خيرًا (1).
إذا علمنا ذلك؛ انفتح لنا الأمل في كل خير؛ لأن هناك فرقًا بين إنسان عبوس لا يكاد يُرى ضاحكًا، وبين إنسان يضحك.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم دائم البِشر كثير التبسُّم عليه الصلاة والسلام.
* * *
•
الحديث الرابع: في إثبات العجب وصفات أخرى
.
وهو قوله: "عَجِبَ رَبُّنا مِنْ قُنوطِ عِبادِه وقُرب غِيَرِهِ؛ يَنْظُرُ إِلَيْكُمْ أَزِلينَ قَنِطينَ، فَيَظَلُّ يَضْحَكُ؛ يَعْلَمُ أنَّ فرَجَكُمْ قَرِيبٌ". حديث حسن (2).
(1) لما رواه وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، قال: قلت يا رسول الله! أويضحك الرب عز وجل قال: نعم، قال: لن نعدم من رب يضحك خيرًا"، رواه أحمد (4/ 11، 12)، وابن ماجه (181)، والبيهقي في "الأسماء والصفات"(987)، والآجري في "الشريعة"(279)، وابن أبي عاصم في "السنة"(1/ 244)، والحديث حسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة"(2810) مخطوط، كما نقله عنه الأخ علي الحلبي في تحقيقه لـ "العقيدة الواسطية"(ص 41)، وانظر ما بعده.
(2)
من حديث أبي رزين عند ابن كثير في تفسيره، لقوله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا =
* العجب: هو استغراب الشيء، ويكون ذلك لسببين:
السبب الأول: خَفاء الأسباب على هذا المستغرب للشيء المتعجَّب منه؛ بحيث يأتيه بغتة بدون توقع، وهذا مستحيل على الله تعالى؛ لأن الله بكل شيء عليم، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
والثاني: أن يكون السبب فيه خروج هذا الشيء عن نظائره وعمّا ينبغي أن يكون عليه، بدون قصور من المتعجب؛ بحيث يعمل عملًا مستغربًا لا ينبغي أن يقع من مثله.
وهذا ثابت لله تعالى؛ لأنه ليس عن نقص من المتعجِّب، ولكنه عجب بالنظر إلى حال المتعجَّب منه.
* قوله: "عَجِبَ ربُّنا من قنوط عباده": القنوط: أشد اليأس. يعجب الرب عز وجل من دخول اليأس الشديد على قلوب العباد.
"وقُربِ غِيَرِه": الواو بمعنى (مع)، يعني: مع قرب غيره.
و (الغير): اسم جمع غِيَرَة، كطِيَر: اسم جمع طِيَرَة، وهي اسم بمعنى التغيير، وعلى هذا؛ فيكون المعنى: وقرب تغييره.
فيعجب الرب عز وجل، كيف نقنط وهو سبحانه وتعالى
= الجنة
…
} [البقرة: 214]، ولفظه: "عجب ربك
…
" الحديث. وبدل "غيره" "غيثه".
قريب التغيير، يغير الحال إلى حال أخرى بكلمة واحدة، وهي: كُنْ. فيكون.
* وقوله: "ينظر إليكم أَزِلين"؛ أي: ينظر الله إلينا بعينه.
* "أزِلين قَنِطين": الأزِل: الواقع في الشدة. و"قنطينَ": جمع قانط، والقانط: اليائس من الفرج وزوال الشدة.
فذكر النبي صلى الله عليه وسلم حال الإنسان وحال قلبه، حاله أنه واقع في شدة، وقلبه قانط يائس مستبعد للفَرَجِ.
* "فيظل يضحك": يظل يضحك من هذه الحال العجيبة الغريبة؛ كيف تقنط من رحمة أرحم الراحمين الذي يقول للشيء: كنْ. فيكون؟
* "يعلم أن فرجكم قريب"، أي: زوال شدتكم قريب.
* في هذا الحديث عدة صفات:
-أولًا: العجب، لقوله:"عجب ربنا من قنوط عباده".
وقد دلَّ على هذه الصفة القرآن الكريم، قال الله تعالى:{بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [الصافات: 12]؛ على قراءة ضم التاء.
- وفيه أيضًا بيان قدرة الله عز وجل، لقوله:"وقرب غِيَره"، وأنه عز وجل تام القدرة، إذا أراد؛ غيَّر الحال من حال إلى ضدها في وقت قريب.
- وفيه أيضًا إثبات النظر، لقوله:"ينظر إليكم".
- وفيه إثبات الضحك، لقوله:"فيظل يضحك".
- وكذلك العلم، "يعلم أن فرجكم قريب".
- والرحمة؛ لأن الفرج من الله دليل على رحمة الله بعباده.
وكل هذه الصفات التي دلَّ عليها الحديث يجب علينا أن نثبتها لله عز وجل حقًّا على حقيقتها، ولا نتأول فيها.
* والفائدة المسلكية في هذا: أن الإنسان إذا علم ذلك من الله سبحانه وتعالى، حذر من هذا الأمر، وهو القنوط من رحمة الله، ولهذا، كان القنوط من رحمة الله من الكبائر:
قال الله تعالى: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إلا الضَّالُّونَ} [الحجر: 56].
وقال تعالى: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87].
فالقنوط من رحمة الله، واستبعاد الرحمة: من كبائر الذنوب، والواجب على الإنسان أن يحسن الظن بربه؛ إن دعاه؛ أحسن الظن به بأنه سيجيبه، وإن تعبَّد له بمقتضى شرعه؛ فليحسن الظن بأن الله سوف يقبل منه، وإن وقعت به شدة؛ فليحسن الظن بأن الله سوف يزيلها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا"(1).
(1) قطعة من الحديث الذي رواه الإمام أحمد (1/ 307)، والترمذي (2518)، وقال حديث حسن صحيح، وأبو يعلى (2556) عن ابن عباس. قال الحافظ ابن رجب =