الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في كرامات الأولياء
كرامات الأولياء مسألة هامة ينبغي أن يعرف الحق فيها من الباطل؛ هل هي حقيقة ثابتة، أو هي من باب التخيلات؟
فبين المؤلف رحمه الله قول أهل السنة فيها بقوله:
* "ومن أصول أهل السنة: التصديق بكرامات الأولياء":
* فمن هم الأولياء؟
والجواب: أنّ الله بيّنهم بقوله: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 63].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "من كان مؤمنًا تقيًّا؛ كان لله وليًّا".
ليست الولاية بالدعوى والتمني، الولاية إنَّما هي بالإيمان والتقوى؛ فلو رأينا رجلًا يقول: إنه ولي! ولكنه غير متق لله تعالى؛ فقوله مردود عليه.
* أما الكرامات؛ فهي جمع كرامة، والكرامة أمر خارق للعادة، يجريه الله تعالى على يد ولي؛ تأييدًا له، أو إعانة، أو تثبيتًا، أو نصرًا للدين.
- فالرجل الذي أحيا الله تعالى له فرسه، وهو صلة بن أشيم، بعد أن ماتت، حتَّى وصل إلى أهله، فلما وصل إلى أهله؛ قال لابنه: ألق السرج عن الفرس؛ فإنَّها عرية! فلما ألقى السرج عنها؛ سقطت ميتة (1). فهذه كرامة لهذا الرجل إعانة له.
- أما التي لنصرة الإسلام؛ فمثل الذي جرى للعلاء بن الحضرمي رضي الله عنه في عبور ماء البحر، وكما جرى لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في عبور نهر دجلة، وقصتهما مشهورة في التاريخ.
فالكرامة أمر خارق للعادة.
أما ما كان على وفق العادة؛ فليس بكرامة.
* وهذا الأمر إنَّما يجريه الله على يد ولي؛ احترازًا من أمور السحر والشعوذة؛ فإنَّها أمور خارقة للعادة، لكنها تجري على يد غير أولياء الله، بل على يد أعداء الله؛ فلا تكون هذه كرامة.
* وقد كثرت هذه الكرامات التي تدعى أنها كرامات في هؤلاء المشعوذين الذين يصدون عن سبيل الله؛ فالواجب الحذر
(1)"صفة الصفوة"(3/ 217)، "الزهد" لابن المبارك (295)؛ إلّا أنهما ذكرًا ذهاب بغلته وليس موتها.
منهم ومن تلاعبهم بعقول النَّاس وأفكارهم.
* فالكرامة ثابتة بالقرآن والسنة والواقع، سابقًا ولاحقًا.
- فمن الكرامات الثابتة بالقرآن والسنة لمن سبق قصة أصحاب الكهف، الذين عاشوا في قوم مشركين، وهم قد آمنوا بالله، وخافوا أن يغلبوا على أمرهم، فخرجوا من القرية مهاجرين إلى الله عز وجل، فيسر الله لهم غارًا في جبل، وجه هذا الغار إلى الشمال، فلا تدخل الشّمس عليهم فتفسد أبدانهم ولا يحرمون منها، إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين، وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال، وهم في فجوة منه، وبقوا في هذا الكهف ثلاث مئة سنين وازدادوا تسعًا، وهم نائمون، يقلبهم الله ذات اليمين وذات الشمال، في الصيف وفي الشتاء، لم يزعجهم الحر، ولم يؤلمهم البرد، ما جاعوا وما عطشوا وما ملوا من النوم. فهذه كرامة بلا شك، بقوا هكذا حتَّى بعثهم الله وقد زال الشرك عن هذه القرية، فسلموا منه.
- ومن ذلك قصة مريم رضي الله عنها، أكرمها الله حيث أجاءها المخاض إلى جذع النخلة، وأمرها الله أن تهز بجذعها لتتساقط عليها رطبًا جنيًّا.
- ومن ذلك قصة الرجل الذي أماته الله مئة عام ثم بعثه؛ كرامة له، ليتبين له قدرة الله تعالى، ويزداد ثباتًا في إيمانه.
- أما في السنة؛ فالكرامات كثيرة، وراجع (كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل) في "صحيح البُخاريّ"، وكتاب
"الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشَّيطان" لشيخ الإسلام ابن تيمية.
- وأمَّا شهادة الواقع بثبوت الكرامات؛ فظاهر، يعلم به المرء في عصره: إما بالمشاهدة، وإما بالأخبار الصادقة.
فمذهب أهل السنة والجماعة التصديق بكرامات الأولياء.
* وهناك مذهب مخالف لمذهب أهل السنة، وهو مذهب المعتزلة ومن تبعهم؛ حيث إنهم ينكرون الكرامات، ويقولون: إنك لو أثبت الكرامات؛ لاشتبه الساحر بالولي والولي بالنبي؛ لأنَّ كل واحد منهم يأتي بخارق.
فيقال: لا يمكن الالتباس؛ لأنَّ الكرامة على يد ولي، والولي لا يمكن أن يدعي النبوة، ولو ادعاها؛ لم يكن وليًّا. آية النَّبيِّ تكون على يد نبي، والشعوذة والسحر على يد عدو بعيد من ولاية الله، وتكون بفعله باستعانته بالشياطين، فينالها بكسبه؛ بخلاف الكرامة؛ فهي من الله تعالى، لا يطلبها الولي بكسبه.
* قال العلماء: كل كرامة لولي؛ فهي آية للنبي الذي اتبعه؛ لأنَّ الكرامة شهادة من الله عز وجل أن طريق هذا الولي طريق صحيح.
وعلى هذا؛ ما جرى من الكرامات للأولياء من هذه الأمة؛ فإنَّها آيات لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
* ولهذا قال بعض العلماء: ما من آية لنبي من الأنبياء
السابقين؛ إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم مثلها.
- فأورد عليهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يلق في النار فيخرج حيًّا؛ كما حصل ذلك لإبراهيم.
فأجيب بأنه جرى ذلك لأتباع الرسول عليه الصلاة والسلام؛ كما ذكره المؤرخون عن أبي مسلم الخولاني (1)، وإذا أكرم أتباع الرسول عليه الصلاة والسلام بجنس هذا الأمر الخارق للعادة؛ دلَّ ذلك على أن دين النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حق؛ لأنَّه مؤيد بجنس هذه الآية التي حصلت لإبراهيم.
- وأورد عليهم أن البحر لم يفلق للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد فلق لموسى!
فأجيب بأنه حصل لهذه الأمة فيما يتعلق في البحر شيء أعظم ممَّا حصل لموسى، وهو المشي على الماء؛ كما في قصة العلاء بن الحضرمي؛ (2) حيث مشوا على ظهر الماء، وهذا أعظم ممَّا حصل لموسى؛ لأنَّ موسى مشى على أرض يابسة.
- وأورد عليهم أن من آيات عيسى إحياء الموتى، ولم يقع
(1)"صفة الصفوة"(4/ 208) لابن الجوزي، وقال: إن الأسود العنسي المتنبي طرح أبا مسلم الخولاني في النَّار، فلم تضره، فكان يشبه بالخليل عليه السلام.
(2)
لما رواه أبو نعيم في "الحلية"(1/ 7)؛ عن سهم بن منجاب قال: غزونا مع العلاء ابن الحضرمي، فسرنا حتَّى أتينا دارين، والبحر بيننا وبينهم، فقال: يا عليم، يا حليم، يا عليّ، يا عظيم، إنا عبيدك، وفي سبيلك نقاتل عدوك، اللَّهم فاجعل لنا إليهم سبيلًا فنقتحم البحر، فخضنا ما يبلغ لبودنا الماء.