الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ} [القصص: 41].
* * *
* قوله: "وهم الطائفة المنصورة":
* يعني: أن
أهل السنة والجماعة هم الطائفة المنصورة
التي نصرها الله عز وجل؛ لأنهم داخلون في قوله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51]؛ فهم منصورون، والعاقبة لهم.
* ولكن لا بد قبل النصر من معاناة وتعب وجهاد؛ لأن النصر يقتضي منصورًا ومنصورًا عليه؛ إذًا؛ فلا بد من مغالبة، ولا بد من محنة، ولكن؛ كما قال ابن القيم رحمه الله:
الحَقُّ مَنْصورٌ وَمُمْتَحَنٌ فَلا
…
تَعْجَبْ فَهذي سُنَّةُ الرَّحْمنِ
فلا يلحقك العجز والكسل إذا رأيت أن الأمور لم تتم لك بأول مرة، بل اصبر وكرر مرة بعد أخرى، واصبر على ما يقال فيك من استهزاء وسخرية؛ لأن أعداء الدين كثيرون.
لا يثني عزمك أن ترى نفسك وحيدًا في الميدان؛ فأنت الجماعة وإن كنت واحدًا، ما دمت على الحق، ولهذا ثق بأنك منصور إما في الدنيا وإما في الآخرة.
* ثم إن النصر ليس نصر الإنسان بشخصه، بل النصر الحقيقي أن ينصر الله تعالى ما تدعو إليه من الحق، أما إذا أصيب الإنسان بذل في الدنيا؛ فإن ذلك لا ينافي النصر أبدًا؛ فالنبي عليه
الصلاة والسلام أوذي إيذاء عظيمًا، لكن في النهاية انتصر على من آذاه، ودخل مكة منصورًا مؤزرًا ظافرًا بعد أن خرج منها خائفًا.
* قوله: "الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة؛ لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم، حتى تقوم الساعة"".
* هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم (1) بنحو ما ساقه المؤلف عن عدد من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
* قوله: "لا تزال": هذا من أفعال الاستمرار، وأفعال الاستمرار أربعة، وهي: فتئ، وانفك، وبرح، وزال؛ إذا دخل عليها النفي أو شبهه.
* فقوله: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق"؛ يعني: تستمر على الحق.
* وهذه الطائفة غير محصورة بعدد ولا بمكان ولا بزمان، يمكن أن تكون بمكان تنصر فيه في شيء من أمور الدين، وفي مكان آخر تنصر فيه طائفة أخرى، وبمجموع الطائفتين يكون الدين باقيًا منصورًا مظفرًا.
* وقوله: "لا يضرهم"، ولم يقل: لا يؤذيهم؛ لأن الأذية قد تحصل، لكن لا تضر، وفرق بين الضرر والأذى، ولهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري
(1) رواه: البخاري (7311)، ومسلم (1920).
فتضروني" (1)، وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [الأحزاب: 57]، وفي الحديث القدسي: "يؤذيني ابن آدم؛ يسب الدهر، وأنا الدهر" (2)؛ فأثبت الأذى ونفى الضرر، وهذا ممكن، ألا ترى الرجل يتأذى برائحة البصل ونحوه، ولا يتضرر بها.
* وفي قوله: "حتى تقوم الساعة": إشكال؛ لأنه قد ثبت في الصحيح أنها "لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله، الله"(3)؛ أي: حتى يمحى الإسلام كله، ولا يبقى من يعبد الله أبدًا؛ فكيف قال هنا:"حتى تقوم الساعة"؟!
وأجاب عنه العلماء بأحد جوابين:
- إما أن يكون المراد حتى قرب قيام الساعة، والشيء قد يعبر به عما قرب منه إذا كان قريبًا جدًّا، وكأن هؤلاء المنصورون إذا ماتوا؛ فإن الساعة تكون قريبة جدًّا.
- أو يقال: إن المراد بالساعة ساعتهم.
ولكن القول الأول أصح؛ لأنه إذا قال: "حتى تقوم الساعة"؛ فقد تقوم ساعتهم قبل الساعة العامة بأزمنة طويلة، وظاهر الحديث
(1) رواه مسلم (2577)؛ عن حديث أبي ذر رضي الله عنه.
(2)
رواه: البخاري (7491)، ومسلم (2246)؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
رواه مسلم (148)؛ عن أنس رضي الله عنه.
أن هذا النصر سيمتد إلى آخر الدنيا؛ فالصواب أن المراد بذلك إلى قرب قيام الساعة. والله أعلم.
* * *