الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما جعل للنبي محمد صلى الله عليه وسلم حوضًا يرده المؤمنون من أمته؛ كذلك يجعل لكل نبي حوضًا، حتى ينتفع المؤمنون بالأنبياء السابقين، لكن الحوض الأعظم هو حوض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
* * *
•
الأمر التاسع مما يكون يوم القيامة: الصراط:
وقد ذكره المؤلف بقوله: "وَالصِّراطُ مَنْصوبٌ عَلى مَتْنِ جَهَنَّمَ، وَهُوَ الجِسْرُ الذي بين الجنة والنار".
* وقد اختلف العلماء في كيفيته:
- فمنهم من قال: طريق واسع يمر الناس عليه على قدر أعمالهم؛ لأن كلمة الصراط مدلولها اللغوي هو هذا؛ ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه دَحْض ومَزِلة (1)، والدحض والمزلة لا يكونان إلا في طريق واسع، أما الضيق؛ فلا يكون دحضًا ومزلة.
- ومن العلماء من قال: بل هو صراط دقيق جدًّا؛ كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري الذي رواه مسلم بلاغًا (2)؛ أنه أدق من الشعر، وأحد من السيف.
* على هذا يرد سؤال: وهو: كيف يمكن العبور على طريق كهذا؟
(1) رواه: البخاري (7439)، ومسلم (183)؛ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2)
رواه مسلم (183).
والجواب: أن أمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا؛ فالله تعالى على كل شيء قدير، ولا ندري؛ كيف يعبرون؟! هل يجتمعون جميعًا في هذا الطريق أو واحدًا بعد واحد؟
وهذه المسألة لا يكاد الإنسان يجزم بأحد القولين؛ لأن كليهما له وجهة قوية.
* وقوله: "منصوب على متن جهنم"؛ يعني: على نفس النار.
* * *
* قوله: "يمر عليه الناس على قدر أعمالهم: فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالفرس الجواد، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يعدوا عدوًا، ومنهم من يمشي مشيًا، ومنهم من يزحف زحفًا، ومنهم من يخطف خطفًا ويلقى في جهنم؛ فإن الجسر عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم"(1).
* قوله: "يمر الناس": المراد بـ "الناس" هنا: المؤمنون؛ لأن الكفار قد ذهب بهم إلى النار.
فيمر الناس عليه على قدر أعمالهم؛ منهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ولمح البصر أسرع من البرق،
(1) لما رواه البخاري (7439)، ومسلم (183)؛ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
ومنهم من يمر كالريح؛ أي: الهواء، ولا شك أن الهواء سريع، لا سيما قبل أن يعرف الناس الطائرات، والهواء المعروف يصل أحيانًا إلى مئة وأربعين ميلًا في الساعة، ومنهم من يمر كالفرس الجواد، ومنهم من يمر كركاب الإبل، وهي دون الفرس الجواد بكثير، ومنهم من يعدو عدوًا؛ أي: يسرع، ومنهم من يمشي مشيًا، ومنهم من يزحف زحفًا؛ أي: يمشي على مقعدته، وكل منهم يريد العبور.
وهذا بغير اختيار الإنسان، ولو كان باختياره؛ لكان يحب أن يكون بسرعة، ولكن السير على حسب سرعته في قبول الشريعة في هذه الدنيا؛ فمن كان سريعًا في قبول ما جاءت به الرسل؛ كان سريعًا في عبور الصراط، ومن كان بطيئًا في ذلك؛ كان بطيئًا في عبور الصراط؛ جزاء وفاقًا، والجزاء من جنس العمل.
* وقوله: "ومنهم من يخطف"؛ أي: يؤخذ بسرعة، وذلك بالكلاليب التي على الجسر؛ تخطف الناس بأعمالهم.
* "ويلقى في جهنم": يفهم منه أن النار التي يلقى فيها العصاة هي النار التي يلقى فيها الكفار، ولكنها لا تكون بالعذاب كعذاب الكفار، بل قال بعض العلماء: إنها تكون بردًا وسلامًا عليهم كما كانت النار بردًا وسلامًا على إبراهيم، ولكن الظاهر خلاف ذلك، وأنها تكون حارة مؤلمة، لكنها ليست كحرارتها بالنسبة للكافرين.
ثم إن أعضاء السجود لا تمسها النار؛ كما ثبت ذلك عن
النبي عليه الصلاة والسلام في "الصحيحين"(1)، وهي الجبهة والأنف والكفان والركبتان وأطراف القدمين.
* قوله: "فمن مر على الصراط؛ دخل الجنة"؛ أي: لأنه نجا.
* * *
* قوله: "فإذا عبروا عليه؛ وُقِفوا على قنطرة بين الجنة والنار":
"القنطرة": هي الجسر، لكنها جسر صغير، والجسر في الأصل ممر على الماء من نهر ونحوه.
واختلف العلماء في هذه القنطرة؛ هل هي طرف الجسر الذي على متن جهنم أو هي جسر مستقل؟!
والصواب في هذا أن نقول: الله أعلم، وليس يعنينا شأنها، لكن الذي يعنينا أن الناس يوقفون عليها.
* قوله: "فيقتص لبعضهم من بعض": وهذا القصاص غير القصاص الأول الذي في عرصات القيامة، لأن هذا قصاص أخص؛ لأجل أن يذهب الغل والحقد والبغضاء التي في قلوب الناس، فيكون هذا بمنزلة التنقية والتطهير، وذلك لأن ما في القلوب لا يزول بمجرد القصاص.
(1) رواه: البخاري (7437)، ومسلم (182)؛ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.