الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه خمسة شروط؛ إذا تمت؛ صحت التوبة.
* ولكن؛
هل يشترط لصحة التوبة أن يتوب من جميع الذُّنوب
؟!
فيه خلاف، ولكن الصحيح أنه ليس بشرط، وأنها تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره (1)، لكن هذا التائب لا يصدق عليه وصف التائبين المطلق؛ فيقال: تاب توبة مقيدة، لا مطلقة.
فلو كان أحد يشرب الخمر ويأكل الربا، فتاب من شرب الخمر؛ صحت توبته من الخمر، وبقي إثمه في أكل الربا، ولا ينال منزلة التائبين على الإطلاق؛ لأنه مصرٌّ على بعض المعاصي.
* رجل تمَّت الشروط في حقِّه، وعاد إلى الذنب مرة أخرى؛ فلا تنتقض توبته الأولى؛ لأنه عزم على أن لا يعود، ولكن سوَّلت له نفسه، فعاد؛ إنما يجب عليه أن يتوب مرة ثانية
…
وهكذا، كلما أذنب، يتوب
…
وفضل الله واسع.
* * *
•
الحديث الثالث في إثبات الضحك
، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"يَضْحَكُ اللهُ إلى رَجُلَيْنِ، يَقْتُلُ أحَدُهُما الآخَرَ، كِلاهُما يَدْخُلُ الجَنَّةَ"(2).
وفي بعض النسخ: "يدخلان"، وهي صحيحة؛ لأن (كلا)
(1) وهما روايتان للإمام أحمد، انظر كتاب "مدارج السالكين" لابن القيم (1/ 273).
(2)
رواه: البخاري (2826)، ومسلم (1890)؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه.
يجوز في خبرها -سواء كان فعلًا أو اسمًا- مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى، وقد اجتمعا في قول الشاعر يصف فرسين:
كِلاهُما حِينَ جَدَّ الجَرْيُ بَيْنَهُما
…
قَدْ أقْلَعا وَكِلا أنْفَيْهِما رَابِي
* الحديث يخبر فيه النبي عليه الصلاة والسلام أن الله يضحك إلى رجلين؛ عند ملاقاتهما يقتل أحدهما الآخر؛ كلاهما يدخلان الجنة، وأحدهما لم يقتل الآخر إلا لشدة العداوة بينهما، ثم يدخلان الجنة بعد ذلك، فتزول تلك العداوة؛ لأن أحدهما كان مسلمًا، والآخر كان كافرًا، فقتله الكافر، فيكون هذا المسلم شهيدا، فيدخل الجنة، ثم منَّ الله على هذا الكافر، فأسلم، ثم قُتِلَ شهيدًا، أو مات بدون قتل؛ فإنه يدخل الجنة، فيكون هذا القاتل والمقتول كلاهما يدخل الجنة، فيضحك الله إليهما.
* ففي هذا إثبات الضحك لله عز وجل، وهو ضحك حقيقي، لكنه لا يماثل ضحك المخلوقين؛ ضحك يليق بجلاله وعظمته، ولا يمكن أن نمثِّله؛ لأننا لا يجوز أن نقول: إن لله فمًا أو أسنانًا أو ما أشبه ذلك، لكن نثبت الضحك لله على وجه يليق به سبحانه وتعالى.
* فإذا قال قائل: يلزم من إثبات الضحك أن يكون الله مماثلًا للمخلوق!!
فالجواب: لا يلزم أن يكون مماثلًا للمخلوق؛ لأن الذي قال: "يضحك ": هو الذي أُنزِل عليه قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
ومن جهة أخرى؛ فالنبي عليه الصلاة والسلام لا يتكلم في مثل هذا إلا عن وحي؛ لأنه من أمور الغيب، ليس من الأمور الاجتهادية التي قد يجتهد فيها الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم يقرُّه الله على ذلك أو لا يقرُّه، ولكنه من الأمور الغيبية التي يتلقَّاها الرسول عليه الصلاة والسلام عن طريق الوحي.
* لو قال قائل: المراد بالضحك الرضى؛ لأن الإنسان إذا رضي عن الشيء؛ سُرَّ به وضحك، والمراد بالرضى الثواب أو إرادة الثواب؛ كما قال ذلك أهل التعطيل.
فالجواب أن نقول: هذا تحريف للكَلِم عن مواضعه؛ فما الذي أدراكم أن المراد بالرضى الثواب؟!
فأنتم الآن قلتم على الله ما لا تعلمون من وجهين:
الوجه الأول: صرفتم النص عن ظاهره بلا علم.
الثاني: أثبتُّم له معنى خلاف الظاهر بلا علم.
ثم نقول لهم: الإرادة؛ إذا قلتم: إنها ثابتة لله عز وجل؛ فإنه تنتقض قاعدتكم؛ لأن للإنسان إرادة؛ كما قال تعالى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران: 152]؛ فللإنسان إرادة، بل للجدار إرادة؛ كما قال تعالى:{فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 77]؛ فأنتم إما أن تنفوا الإرادة عن الله عز وجل كما نفيتم ما نفيتم من الصفات، وإما إن تثبتوا لله عز وجل ما أثبته لنفسه، وإن كان للمخلوق نظيره في