الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في قرب الله تعالى وإجابته وأن ذلك لا ينافي علوه وفوقيته
الشرح:
* قوله: "وقد دخل في ذلك"؛ يعني: فيما وصف به نفسه:
* "الإيمان بأنه قريب من خلقه مجيب": الإيمان بأنه قريب في نفسه، ومجيب؛ يعني: لعباده.
* ودليل ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186].
في هذه الآية ستة ضمائر تعود على الله، وعلى هذا؛ فيكون القرب قربه عز وجل، ولكن نقول في {قَرِيبٌ} كما قلنا في المعية؛ أنه لا يستلزم أن يكون في المكان الذي فيه الإنسان.
* وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: "إنه أقرب
إلى أحدكم من عنق راحلته" (1)، ولا يلزم أن يكون الله عز وجل نفسه في الأرض بينه وبين عنق راحلته.
وإذا كان قول الرسول عليه الصلاة والسلام: "فإن الله قبل وجه المصلي"(2): لا يستلزم أن يكون الله بينه وبين الجدار، إن كان يصلي إلى الجدار، ولا بينه وبين الأرض إن كان ينظر إلى الأرض.
فكذلك لا يلزم من قربه أن يكون في الأرض؛ لأن الله ليس كمثله شيء في جميع صفاته، وهو محيط بكل شيء.
* واعلم أن من العلماء من قسم قرب الله تعالى إلى قسمين؛ كالمعية، وقال: القرب الذي مقتضاه الإحاطة قرب عام، والقرب الذي مقتضاه الإجابة والإثابة قرب خاص.
* ومنهم من يقول: إن القرب خاص فقط؛ مقتضٍ لإجابة الداعي وإثابة العابد، ولا ينقسم.
- ويستدل هؤلاء بقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم:"أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"(3)، وأنه لا يمكن أن يكون الله تعالى قريبًا من الفجرة الكفرة.
(1) سبق تخريجه (2/ 54).
(2)
سبق تخريجه (1/ 289) وهو في "الصحيحين".
(3)
رواه مسلم (482) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى.
- ولكن أورد على هذا القول قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)} [ق: 16] فالمراد بـ {الْإِنْسَانَ} : كل إنسان، ولهذا قال في آخر الآية: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ
…
} إلى أن قال: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} [ق: 22 - 23]؛ فهو شامل.
- وأورد عليه أيضًا قوله تعالى: {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ} [الواقعة: 83 - 85]، ثم قسم هؤلاء الذين بلغت أرواحهم الحلقوم إلى ثلاثة أقسام، ومنهم الكافر.
- وأجيب عن ذلك بأن قوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16]؛ يعني: بملائكتنا، واستدل لذلك بقوله:{إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ} [ق: 17]؛ فإن {إِذْ} ظرف متعلق بـ {أَقرَبُ} يعني: ونحن أقرب إليه حين يتلقى المتلقيان، وهذا يدل على أن المراد بقربه تعالى قرب ملائكته.
وكذلك قوله في المحتضر: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} : المراد: قرب الملائكة، ولهذا قال:{وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ} [الواقعة: 85]، وهذا يدل على أن هذا القريب موجود عندنا، لكن لا نبصره، وهذا يمتنع غاية الامتناع أن يكون المراد به الله عز وجل؛ لأن الله في السماء.
وما ذهب إليه شيخ الإسلام؛ فهو عندي أقرب، ولكنه ليس في القرب بذاك.
* * *
* قوله: "كَمَا جَمَعَ بَيْنَ ذلِكَ في قَوْلهِ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، وَقَوْلهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الذي تَدْعونَهُ أقْرَبُ إلى أحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ راحِلَتِهِ (1) ".
* قوله: "كما جمع بين ذلك": المشار إليه القرب والإجابة.
* * *
* قال المؤلف: "وَمَا ذُكِرَ في الكِتابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ قُرْبِهِ وَمَعِيَّتِهِ لا يُنافي ما ذُكِرَ مِنْ عُلُوِّهِ وَفَوْقِيَّتِهِ؛ فإنهُ سُبْحانَهُ لَيْسَ كمِثْلِهِ شَيْءٌ في جَميعِ نُعوتِهِ، وَهُوَ عَلِيٌّ في دُنُوِّهِ، قَريبٌ في عُلُوِّهِ".
* "نعوته"؛ يعني: صفاته. هو علي مع أنه دانٍ، قريب مع أنه عال، ولا تناقض في ذلك، وقد سبق بيان ذلك قريبًا في الكلام على المعية.
* * *
(1) سبق تخريجه (2/ 54).