الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يرد هذا الإنسان إلى مكانه؛ ابتلاه، حتى يرجع إلى الله، وشاهد هذا قوله تعالى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41].
وأنت أيها الإنسان إذا فكرت هذا التفكير الصحيح في تقديرات الله عز وجل؛ عرفت ما له سبحانه وتعالى من الحكمة فيما يقدره من خير أو شر، وأن الله سبحانه وتعالى يخلق ما يكرهه ويقدر ما يكرهه لمصالح عظيمة، قد تحيط بها، وقد لا تحيط بها ويحيط بها غيرك، وقد لا يحيط بها لا أنت ولا غيرك.
* فإن قيل: كيف يكون الشيء مكروهًا لله ومرادًا له؟
فالجواب: أنه لا غرابة في ذلك، فها هو الدواء المر طعمًا الخبيث رائحة يتناوله المريض وهو مرتاح، لما يترتب عليه من مصلحة الشفاء، وها هو الأب يمسك بابنه المريض ليكويه الطبيب، وربما كواه هو بنفسه، مع أنه يكره أشد الكره أن يحرق ابنه بالنار.
* * *
* قوله: "وَ
العِبادُ فاعِلونَ حَقيقَةً، وَاللهُ خالِقُ أفْعالِهِم
".
* هذا صحيح؛ فالعبد هو المباشر لفعله حقيقة، والله خالق فعله حقيقة، وهذه عقيدة أهل السنة، وقد سبق تقريرها بالأدلة.
* وخالفهم في هذا الأصل طائفتان:
الطائفة الأولى: القدرية من المعتزلة وغيرهم؛ قالوا: إن العباد فاعلون حقيقة، والله لم يخلق أفعالهم.
الطائفة الثانية: الجبرية من الجهمية وغيرهم؛ قالوا: إن الله خالق أفعالهم، وليسوا فاعلين حقيقة، لكن أضيف الفعل إليهم من باب التجوز، وإلا؛ فالفاعل حقيقة هو الله.
وهذا القول يؤدي إلى القول بوحدة الوجود، وأن الخلق هو الله، ثم يؤدي إلى قول من أبطل الباطل؛ لأن العباد منهم الزاني ومنهم السارق ومنهم شارب الخمر ومنهم المعتدي بالظلم؛ فحاشا أن تكون هذه الأفعال منسوبة إلى الله!! وله لوازم باطلة أخرى.
* وبهذا تبين أن في قول المؤلف: "والعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم": ردًّا على الجبرية والقدرية.
* قوله: "وَالعَبْدُ هُوَ المُؤْمِنُ وَالكافِرُ، وَالبَرُّ وَالفاجِرُ، وَالمُصَلّي وَالصّائِمُ".
* يعني: أن الوصف بالإيمان والكفر والبر والفجور والصلاة والصيام وصف للعبد، لا لغيره؛ فهو المؤمن، وهو الكافر، وهو البار، وهو الفاجر، وهو المصلي، وهو الصائم
…
وكذلك هو المزكي، وهو الحاج، وهو المعتمر
…
وهكذا، ولا يمكن أن يوصف بما ليس من فعله حقيقة.
* وهذه الجملة تتضمن الرد على الجبرية.