الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بل قد قال الله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5، 6]، ولن يغلب عسر يسرين، كما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما.
* * *
•
الحديث الخامس: في إثبات الرجل أو القدم:
وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال جهَنَّمُ يُلْقى فيها، وهيَ تَقولُ: هَلْ مِنْ مَزيدٍ، حتّى يَضَعَ رَبُّ العِزَّةِ فيها رِجْلَهُ (وفي رواية: عليها قَدَمَهُ)، فيَنْزَوي بَعْضُها إلى بَعْضٍ، فَتَقولُ: قَطْ قَطْ". متفق عليه (1).
* قوله: "لا تزال جهنمُ يُلْقى فيها": هذا يوم القيامة، يعني: يُلقى فيها الناس والحجارة، لأن الله تعالى يقول:{فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة: 24]، وقد يقال: يُلقى فيها الناس فقط، وأن الحجارة لم تزل موجودة فيها، والعلم عند الله.
* "يُلْقَى فيها": في هذا دليل على أن أهلها -والعياذ بالله- يُلْقَون فيها إلقاء لا يدخلون مكرَّمين، بل يدَعُّون إلى نار جهنم دَعًّا، {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} [الملك: 8].
* قوله: "وهي تقول: هل من مزيد؟ ": (هل): للطلب؛
= في شرحه لهذا الحديث في "جامع العلوم والحكم"(1/ 460): وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة، وأصح الطرق كلها طريق حنش الصنعاني التي خرجها الترمذي.
(1)
رواه: البخاري (7384)، ومسلم (2848)؛ عن أنس رضي الله عنه.
يعني: زيدوا". وأبعد النجعة من قال: إن الاستفهام هنا للنفي، والمعنى على زعمه: لا مزيد على ما فيَّ، والدليل على بطلان هذا التأويل:
* قوله: "حتى يضع رب العزة فيها رجله (وفي رواية: عليها قدمه) ": لأن هذا يدل على أنها تطلب زيادة، وإلا، لما وضع الله عليها رجله حتى ينزوي بعضها إلى بعض؛ فكأنها تطلب بشوق إلى من يلقى فيها زيادة على ما فيها.
* قوله: "حتى يضع رب العزة": عَبَّر برب العزة؛ لأن المقام مقام عزَّة وغلبة وقهر.
وهنا (رب)؛ بمعنى: صاحب، وليست بمعنى خالق، لأن العزة صفة من صفات الله، وصفات الله تعالى غير مخلوقة.
* وقوله: "فيها رجله"، وفي رواية:"عليها قدمه": (في) و (على): معناهما واحد هنا، والظاهر أن (في) بمعنى (على)؛ كقوله:{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71]؛ أي: عليها.
أما الرجل والقدم؛ فمعناهما واحد، وسميت رجل الإنسان قدمًا؛ لأنها تتقدم في المشي؛ فإن الإنسان لا يستطيع أن يمشي برجله إلا إذا قدمها.
* قوله: "فينزوي بعضها إلى بعض"؛ يعني: ينضم بعضها إلى بعض من عظمة قدم الباري عز وجل.
* قوله: "فتقول: قط قط"، بمعنى: حسبي حسبي؛ يعني:
لا أريد أحدًا.
* في هذا الحديث من الصفات:
أولًا: إثبات القول من الجماد؛ لقوله: "وهي تقول"، وكذلك:"فتقول: قط قط"، وهو دليل على قدرة الله الذي أنطق كل شيء.
ثانيًا: التحذير من النار؛ لقوله: "لا تزال جهنم يُلْقَى فيها، وهي تقول: هل من مزيد؟ ".
ثالثًا: إثبات فضل الله عز وجل؛ فإن الله تعالى تكفَّل للنار بأن يملأها كما قال: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: 119]؛ فإذا في دخلها أهلها، وبقي فيها فضل، وقالت: هل من مزيد؟ وضع الله عليها رجله، فانزوى بعضها إلى بعض، وامتلأت بهذا الانزواء.
وهذا من فضل الله عز وجل؛ وإلا؛ فإن الله قادر على أن يخلق أقوامًا ويكمل ملأها بهم، ولكنه عز وجل لا يعذب أحدًا بغير ذنب؛ بخلاف الجنة، فيبقى فيها فضل عمن دخلها من أهل الدنيا، فيخلق الله أقوامًا يوم القيامة ويدخلهم الجنة بفضله ورحمته.
رابعًا: أن لله تعالى رجلًا وقدمًا حقيقية، لا تماثل أرجل المخلوقين، ويسمي أهل السنة مثل هذه الصفة: الصفة الذاتية الخبرية؛ لأنها لم تعلم إلا بالخبر، ولأن مسماها أبعاض لنا
وأجزاء، لكن لا نقول بالنسبة لله: إنها أبعاض وأجزاء؛ لأن هذا ممتنع على الله عز وجل.
وخالف الأشاعرة وأهل التحريف في ذلك، فقالوا:"يضع عليها رجله"؛ يعني: طائفة من عباده مستحقين للدخول، والرجل تأتي بمعنى الطائفة؛ كما في حديث أيوب عليه الصلاة والسلام (1)؛ أرسل الله إليه رجل جراد من ذهب؛ يعني: طائفة من جراد.
وهذا تحريف باطل؛ لأن قوله: "عليها": يمنع ذلك.
وأيضًا؛ لا يمكن أن يضيف الله عز وجل أهل النار إلى نفسه؛ لأن إضافة الشيء إلى الله تكريم وتشريف.
وقالوا في القدم: قدم؛ بمعنى: مقدم؛ أي: يضع الله تعالى عليها مقدمه؛ أي: من يقدمهم إلى النار.
وهذا باطل أيضًا؛ فإن أهل النار لا يقدمهم الباري عز وجل، ولكنهم {يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} [الطور: 13]، ويلقون فيها إلقاء؛ فهؤلاء المحرفون فروا من شيء ووقعوا في شرًّ منه؛ فروا من تنزيه الله عن القدم والرجل، لكنهم وقعوا في السفه ومجانبة الحكمة في أفعال الله عز وجل.
والحاصل أنه يجب علينا أن نؤمن بأن لله تعالى قدمًا، وإن شئنا؛ قلنا: رجلًا؛ على سبيل الحقيقة؛ مع عدم المماثلة، ولا نكيِّف الرجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن لله تعالى رجلًا أو قدمًا،
(1) رواه البخاري (3391، 7493) عن أبي هريرة رضي الله عنه.