الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بما شاهدوه قطعًا؛ لكن إذا كان غائبًا عنهم، ولم يعلموا به إلا عن طريق الخبر؛ صار من باب الإيمان بالغيب.
*
تنبيه:
قول المؤلف رحمه الله: "فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان؛ لصعق"؛ إنما ورد قوله: "يسمعها كل شيء إلا الإنسان
…
" إلخ في قول الجنازة إذا احتملها الرجال على أعناقهم؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن كانت صالحة؛ قالت: قدموني! وإن كانت غير صالحة؛ قالت: يا ويلها! أين يذهبون بها؟! يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعه؟ لصعق" (1). أما الصيحة في القبر؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين"؛ أخرجه البخاري بهذا اللفظ (2)، والمراد بالثقلين: الإنس والجن.
* * *
* قوله: "ثم بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما عذاب":
* "ثم": هذه لمطلق الترتيب، وليست للتراخي؛ لأن الإنسان يعذب أو ينعم فورًا؛ كما سبق أنه إذا قال: لا أدري! يضرب بمرزبة، وأن ذاك الذي أجاب بالصواب؛ يفتح له باب إلى الجنة، ويوسع له في قبره.
(1) رواه البخاري (1316 و 1380) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2)
رواه البخاري (1374) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
* وهذا النعيم أو العذاب؛ هل هو على البدن أو على الروح أو يكون على البدن والروح جميعًا؟
نقول: المعروف عند أهل السنة والجماعة أنه في الأصل على الروح، والبدن تابع لها؛ كما أن العذاب في الدنيا على البدن، والروح متابعة له، وكما أن الأحكام الشرعية في الدنيا على الظاهر، وفي الآخرة بالعكس؛ ففي القبر يكون العذاب أو النعيم على الروح، لكن الجسم يتأثر بهذا تبعًا، وليس على سبيل الاستقلال، وربما يكون العذاب على البدن والروح تتبعه، لكن هذا لا يقع إلا نادرًا؛ إنما الأصل أن العذاب على الروح والبدن تبع، والنعيم للروح والبدن تبع.
* وقوله: "إما نعيم وإما عذاب": فيه إثبات النعيم والعذاب في القبر، وقد دل على ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بل لنا أن نقول: وإجماع المسلمين:
- أما من كتاب الله؛ فالثلاثة أصناف التي في آخر الواقعة ظاهرة في ثبوت عذاب القبر ونعيمه.
وهذا أمر مشاهد؛ يسمع المحتضر يرحب بالقادمين عليه من
الملائكة (1)، ويقول: مرحبًا! وأحيانًا يقول: مرحبًا؛ اجلس هنا! كما ذكره ابن القيم في كتاب "الروح"، وأحيانًا يحس بأن هذا الرجل أصيب بشيء مخيف، فيتغير وجهه عند الموت إذا نزلت عليه ملائكة العذاب والعياذ بالله.
ومن أدلة القرآن قوله تعالى في آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} ، وهذا قبل قيام الساعة؛ بدليل قوله:{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46].
ومن أدلة القرآن أيضًا قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ} ، وهم شاحون بأنفسهم، لا يريدونها أن تخرج؛ لأنهم قد بشروا بالعذاب والعقوبة؛ فتجد الروح تأبى الخروج، ولهذا قال:{أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [الأنعام: 93]: {الْيَوْمَ} : (الـ): للعهد الحضوري؛ كقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]؛ يعني: اليوم الحاضر.
وكذلك {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ} : (الـ) للعهد الحضوري، والمراد
(1) لما رواه البراء بن عازب في قصة خروجه مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار. أخرجه الإِمام أحمد (4/ 287 و 288 و 295 و 296)، وأبو داود (4753)، والآجري في "الشريعة"(367)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 37)؛ وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي، ووافقهما الألباني في "أحكام الجنائز" (159). وقال الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" (4/ 369): هذا الحديث حديث حسن.