الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يجري بينه وبين ربه عز وجل أن يفتضح بين يدي الله إذا كلمه تعالى بذنوبه، فيقلع عن الذنوب، ويخاف من الله عز وجل.
* * *
•
الحديث الثامن: في إثبات العلو لله وصفات أخرى:
وهو قوله صلى الله عليه وسلم في رُقْيَةِ المريض: "رَبَّنا اللهُ الذي في السَّماءِ! تَقَدَّسَ اسْمُكَ، أمْرُكَ في السَّماءِ والأرْضِ؛ كما رَحْمَتُكَ في السَّماءِ؛ اجْعَلْ رَحْمَتَكَ في الأرْضٍ، اغْفِرْ لَنا حُوبَنا وخَطايانا، أنتَ رَبُّ الطَّيِّبينَ، أنْزِلْ رَحْمَةً مِنْ رَحْمَتِكَ وَشِفاءً مِنْ شفائِكَ على هذا الوَجِع؛ فَيَبْرَأ". حديث حسن، رواه أبو داود وغيره (1).
الشرح:
* قوله: "في رُقْيَة المريض": من باب إضافة المصدر إلى المفعول؛ يعني: في الرقية إذا قرأ على المريض.
* قوله: "ربنا الله الذي في السماء": تقدم الكلام على قوله: "في السماء" في الآيات.
* وقوله: "تقدَّس اسمُك"؛ أي: طهر، والاسم هنا مفرد،
(1) رواه أبو داود (3892)، وأحمد (6/ 20)، واللالكائي (648)، والحاكم (1/ 344)، وصححه ابن عدي في "الكامل"(3/ 1054)، والبيهقي في "الأسماء والصفات"(892)، وابن قدامة في "العلو"(ص 48)، والدارمي في "الرد على الجهمية (70)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" كما في "تحفة الأشرف" (8/ 230).
لكنه مضاف، فيشمل كل الأسماء؛ أي: تقدست أسماؤك من كل نقص.
* "أمرك في السماء والأرض": أمر الله نافذ في السماء والأرض؛ كما قال تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ} [السجدة: 5]، وقال:{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54].
* وقوله: "كما رحمتك في السماء؛ اجعل رحمتك في الأرض ": الكاف هنا للتعليل، والمراد بها التوسُّل؛ توسل إلى الله تعالى بجعل رحمته في السماء أن يجعلها في الأرض.
فإن قلت: أليس رحمة الله في الأرض أيضًا؟!
قلنا: هو يقرأ على المريض، والمريض يحتاج إلى رحمة خاصة يزول بها مرضه.
* وقوله: "اغفر لنا حُوبنا وخطايانا": الغفر: ستر الذنب والتجاوز عنه. والحوب: كبائر الإثم. والخطايا: صغائره. هذا إذا جمع بينهما، أما إذا افترقا؛ فهما بمعنى واحد؛ يعني: اغفر لنا كبائر الإثم وصغائره؛ لأن في المغفرة زوال المكروب وحصول المطلوب، ولأن الذنوب قد تحول بين الإنسان وبين توفيقه؛ فلا يوفَّق ولا يُجاب دعاؤه.
* قوله: "أنت رب الطَّيِّبين": هذه ربوبية خاصة، وأما الربوبية العامة؛ فهو رب كل شيء، والربوبية قد تكون خاصة وقد تكون عامة.
واستمع إلى قول السحرة الذين آمنوا: {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الأعراف: 121 - 122]؛ حيث عموا ثم خصوا.
واستمع إلى قوله تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} [النمل: 91]، فـ {رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ}: خاص، {وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ}: عام.
* والطيبون: هم المؤمنون؛ لأكل مؤمن، فهو طيب، وهذا من باب التوسل بهذه الربوبية الخاصة، إلى أن يستجيب الله الدعاء ويشفي المريض.
* قوله: "أنزل رحمةً من رحمتك وشفاءً من شفائك على هذا الوجع": هذا الدعاء وما سبقه من باب التوسل.
* "أنزل رحمة من رحمتك": الرحمة نوعان:
- رحمة هي صفة الله؛ فهذه غير مخلوقة وغير بائنة من الله عز وجل؛ مثل قوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} [الكهف: 58]، ولا يطلب نزولها.
- ورحمة مخلوقة، لكنها أثر من آثار رحمة الله؛ فأطلق عليها الرحمة؛ مثل قوله تعالى في الحديث القدسي عن الجنة:"أنت رحمتي أرحم بك من أشاء"(1).
(1) سبق تخريجه (1/ 344)، وهو في "الصحيحين".