الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* ومن غير الأسماء والصفات: التوسل إلى الله بصفات الله، والتحذير من شر النفوس، وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضي الله دينه ويغنيه من الفقر، وبيان ضعف الحديث الذي فيه سؤال النبي صلى الله عليه وسلم أن يحييه ربه مسكينًا (1).
* وفيه من الفوائد المسلكية: التحذير من شر النفس، وتعظيم شأن الدين، وأن يحرص على تلافي الدَّين بقدر الإمكان، ويقتصد في ماله طلبًا وتصرفًا، لأنه إذا اقتصد في ذلك، سلم غالبًا من الفقر والدين.
* * *
•
الحديث الخامس عشر: في إثبات قرب الله تعالى:
وهو قوله صلى الله عليه وسلم لمَّا رفع الصحابة أصواتهم بالذكر: "أيُّها النَّاسُ! أرْبَعُوا عَلى أنْفُسِكُمْ، فَإنكمْ لا تَدْعُون أصَمَّ وَلا غائِبًا؛ إنَّما تَدْعونَ سَميعًا بَصيرًا، إنَّ الذي تَدْعونَهُ أقْرَبُ إلى أحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ
(1) لما رواه الترمذي (2352) عن أنس، وابن ماجه (4126) عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اللهم أحيني مسكينًا وأمتني مسكينًا واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة"، وصححه الألباني في "الصحيحة"(308) و"الإرواء"(853).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وسواء صح لفظه أم لم يصح، فالمسكين المحمود هو المتواضع. "مجموع الفتاوى"(18/ 326)، وقال الحافظ في "التلخيص الحبير" (275): أسرف ابن الجوزي فذكر هذا الحديث في "الموضوعات"!
راحِلَتِهِ". متفق عليه (1)
الشرح:
* كان الصحابة رضي الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذا علوا نشزًا؛ كبروا، وإذا نزلوا واديًا؛ سبحوا (2)؛ لأن الإنسان إذا ارتفع؛ قد يتعاظم في نفسه، ويرى أنه مرتفع عظيم؛ فناسب أن يقول: الله أكبر! تذكيرًا لنفسه بكبرياء الله عز وجل، وأما إذا نزل؛ فهذا سفول ونزول، فيقول: سبحان الله! تذكيرًا لنفسه بتنزه الله عن السفل. فكان الصحابة رضي الله عنهم يرفعون أصواتهم بالذكر جدًّا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:
* "أيها الناس! اربعوا على أنفسكم"؛ يعني: هوّنوا عليها.
* "فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا"؛ لا تدعون أصم لا يسمع، ولا غائبًا لا يرى.
* "إنما تدعون سميعًا"؛ يسمع ذكركم، "بصيرًا"؛ يرى أفعالكم.
* "إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته": عنق الراحلة للراكب قريب جدًّا؛ فالله تعالى أقرب من هذا إلى الإنسان، ومع هذا؛ فهو فوق سماواته على عرشه.
(1) رواه: البخاري (6610)، ومسلم (2704)، والإمام أحمد في "المسند"(4/ 402)؛ عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(2)
تقدم تخريجه (1/ 359).
ولا منافاة بين القرب والعلو؛ لأن الشيء قد يكون بعيدًا قريبًا؛ هذا بالنسبة للمخلوق؛ فكيف بالخالق؟! فالرب عز وجل قريب مع علوه، أقرب إلى أحدنا من عنق راحلته.
* هذا الحديث فيه فوائد:
- فيه شيء من الصفات السلبية: نفي كونه أصم أو غائبًا؛ لكمال سمعه ولكمال بصره وعلمه وقربه.
- وفيه أيضًا أنه ينبغي للإنسان ألا يشقَّ على نفسه في العبادة؛ لأن الإنسان إذا شق على نفسه؛ تعبت النفس وملت، وربما يتأثر البدن، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"اكلفوا من العمل ما تطيقون؛ فإن الله لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا"(1).
فلا ينبغي للإنسان أن يشق على نفسه، بل ينبغي أن يسوس نفسه: إذا وجد منها نشاطًا في العبادة؛ عمل واستغلَّ النشاط، وإذا رأى فتورًا في غير الواجبات، أو أنها تميل إلى شيء آخر من العبادات؛ وجهها إليه.
حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر من نعس في صلاته أن ينام ويدع الصلاة؛ قال: "فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه"(2).
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم حتى يقول القائل: لا يفطر،
(1) رواه: البخاري (1151، 1970)، ومسلم (782)؛ عن عائشة رضي الله عنها.
(2)
رواه: البخاري (212)، ومسلم (786)؛ عن عائشة رضي الله عنها.
ويفطر حتى يقول القائل: لا يصوم (1)، وكذلك في القيام والنوم.
- وفيه أيضًا: أن الله قريب، وقد دل عليه قوله تعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقر ة: 186].
* ونستفيد من هذا الحديث من الناحية المسلكية:
- أنه لا ينبغي لنا أن نشق على أنفسنا بالعبادات، وأن يكون سيرنا إلى الله وسطًا؛ لا تفريط ولا إفراط.
- وفيه أيضًا: الحذر من الله؛ لأنه سميع وقريب وبصير، فنبتعد عن مخالفته.
- وفيه أيضًا من الناحية الحكمية: جواز تشبيه الغائب بالحاضر للإيضاح؛ حيث قال: "إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته".
- وفيه أيضًا أنه ينبغي أن يراعي الإنسان في المعاني ما كان أقرب إلى الفهم؛ لأن هؤلاء مسافرون، وكل منهم على راحلته، وإذا ضرب المثل بما هو قريب؛ فلا أحسن من هذا المثل الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام.
* * *
(1) كما جاء ذلك في "صحيح البخاري"(1972، 1973)، ومسلم (1157)؛ من حديث ابن عباس وأنس بن مالك رضي الله عنهم. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم".