الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- والوعيدية بالعكس؛ نظروا إلى نصوص الوعيد، فأخذوا بها، وغفلوا عن نصوص الوعد.
فلهذا اختل توازنهم لما نظروا من جانب واحد.
* وأهل السنة والجماعة أخذوا بهذا وهذا، وقالوا: نصوص الوعيد محكمة؛ فنأخذ بها، ونصوص الوعد محكمة؛ فنأخذ بها. فأخذوا من نصوص الوعد ما ردوا به على الوعيدية، ومن نصوص الوعيد ما ردوا به على المرجئة، وقالوا: فاعل الكبيرة مستحق لدخول النار؛ لئلا نهدر نصوص الوعيد؛ غير مخلَّد فيها؛ لئلا نهدر نصوص الوعد.
فأخذوا بالدليلين ونظروا بالعينين.
* * *
•
الأصل الرابع: أسماء الإيمان والدين:
قال المؤلف: "وفي باب أسماءِ الإيمانِ والدِّينِ بَيْنَ الحَرُورِيَّةِ وَالمُعْتَزِلَةِ، وَبَيْنَ المُرْجِئَةِ الجَهمِيَّة".
الشرح:
* هذا في باب الأسماء والدين، وهو غير باب الأحكام الذي هو الوعد والوعيد؛ ففاعل الكبيرة ماذا نسميه؟! أمؤمن أم كافر؟!
* وأهل السنة وسط فيه بين طائفتين: الحرورية والمعتزلة من وجه، والمرجئة الجهمية من وجه:
- فالحرورية والمعتزلة أخرجوه من الإيمان، لكن الحرورية قالوا: إنه كافر يحل دمه وماله، ولهذا خرجوا على الأئمة، وكفَّروا الناس.
- وأما المرجئة الجهمية؛ فخالفوا هؤلاء، وقالوا: هو مؤمن كامل الإيمان!! يسرق ويزني ويشرب الخمر ويقتل النفس ويقطع الطريق؛ ونقول له: أنت مؤمن كامل الإيمان!! كرجل فعل الواجبات والمستحبات وتجنَّب المحرمات!! أنت وهو في الإيمان سواء!!
فهؤلاء وأولئك على الضد في الاسم وفي الحكم.
وأما المعتزلة؛ فقالوا: فاعل الكبيرة خرج من الإيمان، ولم يدخل في الكفر؛ فهو في منزلة بين منزلتين؛ لا نتجاسر أن نقول: إنه كافر! وليس لنا أن نقول: إنه مؤمن؛ وهو يفعل الكبيرة؛ يزني ويسرق ويشرب الخمر! وقالوا: نحن أسعد الناس بالحق!
حقيقة أنهم إذا قالوا: إن هذا لا يتساوى مع مؤمن عابد؛ فقد صدقوا.
لكن كونهم يخرجونه من الإيمان، ثم يحدثون منزلة بين منزلتين: بدعة ما جاءت لا في كتاب الله ولا في سنة رسوله!!
كل النصوص تدل على أنه لا يوجد منزلة بين منزلتين:
كقوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24].
وقوله: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلا الضَّلَالُ} [يونس: 32].
وقوله: {فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [التغابن: 2].
وفي الحديث: "القرآن حجة لك أو عليك"(1).
فأين المنزلة بين المنزلتين؟!
وفي باب الوعيد ينفذون عليه الوعيد، فيوافقون الخوارج في أن فاعل الكبيرة مخلَّد في النار، أما في الدنيا؛ فقالوا: تجرى عليه أحكام الإسلام؛ لأنه هو الأصل؛ فهو عندهم في الدنيا بمنزلة الفاسق العاصي.
فيا سبحان الله! كيف نصلي عليه، ونقول: اللهمَّ! اغفر له.
وهو مخلَّد في النار؟!
فيجب عليهم أن يقولوا في أحكام الدنيا: إنه يُتَوَقَّف فيه! لا نقول: مسلم، ولا: كافر، ولا نعطيه أحكام الإسلام، ولا أحكام الكفر!! إذا مات؛ لا نصلي عليه، ولا نكفنه، ولا نغسله، ولا يدفن مع المسلمين، ولا ندفنه مع الكفار؛ إذًا؛ نبحث له عن مقبرة بين مقبرتين!!
- وأما أهل السنة والجماعة؛ فكانوا وسطًا بين هذه الطوائف؛ فقالوا: نسمي المؤمن الذي يفعل الكبيرة مؤمنًا ناقص الإيمان، أو نقول: مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته، وهذا هو العدل؛ فلا يعطى الاسم المطلق، ولا يسلب مطلق الاسم.
(1) قطعة من حديث رواه مسلم في "صحيحه"(223)، عن ابن مالك الأشعري.
ويترتَّب على هذا: أن الفاسق لا يجوز لنا أن نكرهه كرهًا مطلقًا، ولا أن نحبه حبًّا مطلقًا، بل نحبه على ما معه من الإيمان، ونكرهه على ما معه من المعصية.
* * *
• الأصل الخامس: في الصحابة رضي الله عنهم:
قال المؤلف: "وَفي أصْحابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الرَّافِضَةِ وَالخَوارِجِ".
الشرح:
* "أصحاب": جمع صاحب، والصحب اسم جمع صاحب، والصاحب: الملازم للشيء.
والصحابي: هو الذي اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به ومات على ذلك.
وهذا خاص في الصحابة، وهو من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، أن الإنسان يكون من أصحابه، وإن لم يجتمع به إلا لحظة واحدة؛ لكن بشرط أن يكون مؤمنًا به (1).
* وأهل السنة والجماعة وسط فيهم بين الرافضة والخوارج.
- فالرافضة: هم الذين يسمَّون اليوم: شيعة، وسموا رافضة، لأنهم رفضوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي
(1) انظر: "فتح الباري"(7/ 4) لابن حجر.
طالب رضي الله عنه، الذي ينتسب إليه الآن الزيدية؛ رفضوه لأنهم سألوه: ما تقول في أبي بكر وعمر؟ يريدون منه أن يسبهما ويطعن فيهما! ولكنه رضي الله عنه قال لهم: نعم الوزيران وزيرا جدي. يريد بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأثنى عليهما، فرفضوه، وغضبوا عليه، وتركوه! فسموا رافضة (1)!!
هؤلاء الروافض -والعياذ بالله- لهم أصول معروفة عندهم، ومن أقبح أصولهم: الإمامة التي تتضمن عصمة الإمام، وأنه لا يقول خطأ، وأن مقام الإمامة أرفع من مقام النبوة؛ لأن الإمام يتلقى عن الله مباشرة، والنبي بواسطة الرسول، وهو جبريل، ولا يخطئ الإمام عندهم أبدًا، بل غلاتهم يدعون أن الإمام يخلق؛ يقول للشيء: كن. فيكون!!
وهم يقولون: إن الصحابة كفار، وكلهم ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ حتى أبو بكر وعمر عند بعضهم كانا كافرين وماتا على النفاق والعياذ بالله، ولا يستثنون من الصحابة إلا آل البيت، ونفرًا قليلًا ممن قالوا: إنهم من أولياء آل البيت.
وقد قال صاحب كتاب "الفصل": "إن غلاتهم كفروا علي بن أبي طالب؛ قالوا: لأن عليًّا أقر الظلم والباطل حين بايع أبا بكر وعمر، وكان الواجب عليه أن ينكر بيعتهما، فلما لم يأخذ بالحق والعدل، ووافق على الظلم؛ صار ظالمًا كافرًا".
(1) انظر سبب تسميتهم بالرافضة كتاب: "منهاج السنة" لشيخ الإسلام (1/ 34).
- أما الخوارج؛ فهم على العكس من الرافضة؛ حيث إنهم كفروا علي بن أبي طالب، وكفروا معاوية بن أبي سفيان، وكفروا كل من لم يكن على طريقتهم، واستحلوا دماء المسلمين، فكانوا كما وصفهم النبي عليه الصلاة والسلام:"يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرَّمِيَّة"(1)، وإيمانهم لا يتجاوز حناجرهم.
فالشيعة غلوا في آل البيت وأشياعهم، وبالغوا في ذلك، حتى إن منهم من ادعى ألوهية علي، ومنهم من ادعى أنه أحق بالنبوة من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخوارج بالعكس.
- أما أهل السنة والجماعة؛ فكانوا وسطًا بين الطائفتين؛
قالوا: نحن ننزل آل البيت منزلتهم، ونرى أن لهم حقين علينا: حق الإسلام والإيمان، وحق القرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقالوا: قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لها الحق علينا، لكن من حقها علينا أن ننزلها منزلتها، وأن لا نغلو فيها. ويقولون في بقية أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم: لهم الحق علينا بالتوقير والإجلال والترضي، وأن نكون كما قال الله تعالى:{يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10]، ولا نعادي أحدًا منهم أبدًا؛ لا آل البيت، ولا غيرهم؛ فكل منهم نعطيه حقه؛ فصاروا وسطًا بين جفاة وغلاة.
* * *
(1) رواه: البخاري (6930)، ومسلم (1066)؛ عن علي رضي الله عنه.