الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يستغنون به عن الكرامات؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان بين أظهرهم، وأمَّا التابعون؛ فإنهم دون ذلك، ولذلك كثرت الكرامات في زمنهم تأييدًا لهم وتثبيتًا ونصرًا للحق الذي هم عليه.
* * *
* قوله: "وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات": "خوارق": جمع خارق.
* و"العادات": جمع عادة.
والمراد بـ "خوارق العادات": ما يأتي على خلاف العادة الكونية.
* وهذه
الكرامات لها أربع دلالات:
أولًا: بيان كمال قدرة الله عز وجل؛ حيث حصل هذا الخارق للعادة بأمر الله.
ثانيًا: تكذيب القائلين بأن الطبيعة هي التي تفعل؛ لأنَّه لو كانت الطبيعة هي التي تفعل؛ لكانت الطبيعة على نسق واحد لا يتغير؛ فإذا تغيرت العادات والطبيعة؛ دل على أن للكون مدبرًا وخالقًا.
ثالثًا: أنها آية للنبي المتبوع كما أسلفنا قريبًا.
رابعًا: أن فيها تثبيتًا وكرامة لهذا الولي.
* * *
* قوله: "في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات"، يعني: أن الكرامة تنقسم إلى قسمين: قسم يتعلق بالعلوم والمكاشفات، وقسم آخر يتعلق بالقدرة والتأثيرات.
- أما العلوم؛ فأن يحصل للإنسان من العلوم ما لا يحصل لغيره.
- وأمَّا المكاشفات؛ فأن يظهر له من الأشياء التي يكشف له عنها ما لا يحصل لغيره.
- مثال الأول -العلوم-: ما ذكر عن أبي بكر: أن الله أطلعه على ما في بطن زوجته -الحمل-؛ أعلمه الله أنَّه أنثى (1).
- ومثال الثَّاني -المكاشفات-: ما حصل لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين كان يخطب النَّاس يوم الجمعة على المنبر، فسمعوه يقول: يا سارية! الجبل! فتعجبوا من هذا الكلام، ثم سألوه عن ذلك؟ فقال: إنه كشف له عن سارية بن زنيم -وهو أحد قواده في العراق-، وأنه محصور من عدوه، فوجهه إلى الجبل، وقال له: يا سارية! الجبل! فسمع سارية صوت عمر، وانحاز إلى الجبل، وتحصن به (2)!
(1) رواه اللالكائي في "كرامات الأولياء"(63)، وأوردها ابن حجر في "الإصابة"(4/ 261).
(2)
رواه البيهقي في "دلائل النبوة"، وذكره ابن كثير في "البداية" (7/ 131) وقال: إسناده حسن جيد. وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة"(1110).
هذه من أمور المكاشفات؛ لأنه أمر واقع، لكنه بعيد.
- أما القدرة والتأثيرات؛ فمثل ما وقع لمريم من هزها لجذع النخل وتساقط الرطب عليها. ومثل ما وقع للذي عنده علم من الكتاب؛ حيث قال لسليمان: أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك.
* * *
* قوله: "والمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر فرق الأمة".
الكرامات موجودة فيما سبق من الأمم، ومنها قصة أصحاب الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة (1)، وموجودة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كقصة أسيد بن حضير (2)، وتكثير الطعام عند بعض الصحابة (3)، وموجودة في التابعين؛ مثل قصة صلة بن أشيم الَّذي أحيا الله له فرسه (4).
يقول شيخ الإسلام في كتاب "الفرقان": "وهذا باب واسع،
(1) قصة أصحاب الغار؛ رواها البخاري (3465)، ومسلم (2743)؛ عن ابن عمر رضي الله عنه.
(2)
أسيد بن حضير؛ رواها البخاري (5018)، ومسلم (796)؛ من حديث أبي سعيد الخدري عن أُسيد بن حضير رضي الله عنه.
(3)
رواها البخاري (602)، ومسلم (2057)؛ من حديث عبد الرحمن بن أبي، بكر رضي الله عنهما.
(4)
انظر: (2/ 298).
قد بسط الكلام على كرامات الأولياء في غير هذا الموضع، وأما ما نعرفه نحن عيانًا ونعرفه في هذا الزمان؛ فكثير".
* * *
* قوله: "وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة".
* والدليل على أنها موجودة إلى يوم القيامة: سمعي وعقلي:
- أما السمعي، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر في قصة الدجال أنَّه يدعو رجلًا من الناس من الشباب، يأتي، ويقول له: كذبت! إنما أنت المسيح الدجال الَّذي أخبرنا عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأتي الدجال، فيقتله قطعتين، فيجعل واحدة هنا وواحدة هنا رمية الغرض (يعني: بعيد ما بينهما)، ويمشي بينهما، ثم يدعوه، فيقوم يتهلل، ثم يدعوه ليقر له بالعبودية، فيقول الرجل: ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم! فيريد الدجال أن يقتله؛ فلا يسلط عليه (1).
فهذه (أي: عدم تمكن الدجال من قتل ذلك الشاب) من الكرامات بلا شك.
- وأما العقلي؛ فيقال: ما دام سبب الكرامة هي الولاية؛ فالولاية لا تزال موجودة إلى قيام الساعة.
* * *
(1) رواه: البخاري (7132)، ومسلم (2938)؛ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.