الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذهب الشافعية إلى وجوب القضاء.
ونقل عن الحنابلة القضاء وعدمه. والمذهب عندهم عدم وجوب القضاء.
فإن كان على المرتد الذي تاب صلاة فائتة، قبل ردته أو صوم أو زكاة فهل يلزمه القضاء؟
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى وجوب القضاء؛ لأن ترك العبادة معصية، والمعصية تبقى بعد الردة.
وخالف المالكية في ذلك، وحجتهم أن الإسلام يجب ما قبله، وهو بتوبته أسقط ما قبل الردة.
تأثير الردة على الوضوء:
ذهب المالكية والحنابلة إلى أن الوضوء ينتقض بالردة، ولم يذكر الحنفية ولا
الشافعية الردة من بين نواقض الوضوء.
ذبائح المرتد:
ذبيحة المرتد لا يجوز أكلها، لأنه لا ملة له، ولا يقر على دين انتقل إليه، حتى ولو كان دين أهل الكتاب. إلا ما نقل عن الأوزاعي، وإسحاق، من أن المرتد إن تَدَيَّنَ بدين أهل الكتاب حلت ذبيحته.
التَّعْزير
تعريف التعزير (1):
التعزير لغة: اللوم، ويطلق على الضرب دون الحد، وعلى أشد الضرب، ويراد به التضخيم والتعظيم والإعانة.
والتعزير شرعًا: العقوبة المشروعة على جناية لا حدَّ فيها ولا قصاص، كمن سرق ما دون النصاب، أو وطئ أجنبية دون الفرج، أو أتى امرأته في دبرها، أو سبَّ دون القذف، أو أفطر في رمضان، وما أشبه ذلك مما ليس فيه عقوبة مقدَّرة شرعًا، فللإمام أن يؤدِّبه ويعاقبه على نحو ما سيأتي بيانه.
أصل مشروعيته:
لا شك أن الشريعة مبنية على تحصيل المصالح وتقليل المفاسد، ولذا فقد شرع
(1)«القاموس المحيط» ، و «المغني» (9/ 176)، ط. مكتبة القاهرة.
التعزير فيما لا حدَّ فيه ولا قصاص لتحقيق هذه الغاية، وتحقيقًا لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فجاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل المثال لا الحصر:
1 -
أمره صلى الله عليه وسلم بضرب الأولاد على الصلاة لعشر سنين.
2 -
همّه صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت من لا يشهد صلاة الجماعة.
3 -
تحريقه رحل الغالِّ من الغنيمة.
4 -
أمره بقطع رأس التمثال ليصير كالشجرة، وقطع الستر فيجعل منه وسادة.
5 -
أمره بكسر دنان الخمر وشق ظروفها.
6 -
أمره عبد الله بن عمر بحرق الثوبين المعصفرين.
7 -
تضعيفه الغرامة على من سرق بغير حرز، وسارق ما لا قطع فيه من الثمر وكاتم الضالة.
8 -
أمره بأخذ شطر مال مانع الزكاة.
9 -
حبسه ناسًا في تهمة.
وكل هذه الأمثلة وغيرها ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم بعضها يأتي ذكر الحديث فيه في هذا الفصل، وبعضها مبثوث في ثنايا الكتاب تقدم إيراده أو تأخر.
والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم لقد عزَّر المسيء، وشرع لأصحابه وخلفائه العمل به، فقال:«لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حدٍّ من حدود الله تعالى» (1).
وعزَّر خلفاؤه رضي الله عنهم من بعده فيما لا حدَّ فيه ولا قصاص،
والآثار عنهم كثيرة جدًّا يأتي بعضها في موضعه.
ومن ذلك ما جاء عن عليٍّ رضي الله عنه في الرجل يقول للرجل: يا خبيث، يا فاسق، قال:«ليس عليه حد معلوم، يعزِّر الوالي بما رأى» (2).
ليس لأقل التعزير حدٌّ بالاتفاق (3): بل هو بكل ما فيه إيلام للإنسان من قول، وفعل، وترك قول وفعل، فقد يعزَّر بوعظه، وتوبيخه، والإغلاظ عليه، أو بهجرة، وترك السلام عليه حتى يتوب، أو بعزله عن ولايته، أو بترك استخدامه
(1) صحيح: أخرجه البخاري، ومسلم.
(2)
حسنه الألباني: أخرجه البيهقي (8/ 253)، وانظر «الإرواء» (2393).
(3)
«مراتب الإجماع» (ص 136)، و «مجموع الفتاوى» (28/ 108، 344)، وانظر:«ابن عابدين» (4/ 60)، و «فتح القدير» (5/ 516)، و «المغني» (10/ 348 - مع الشرح).
في الجند، أو قطع أجره، أو بحبسه، أو تسويد وجهه وإركابه على دابة مقلوبة، وغير ذلك مما يرى الإمام أن فيه ردًّا للمسيء عن إساءته وحضَّه على المعروف.
وهل الأكثر التعزير حدٌّ:
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: لا يزاد على عشر جلدات، وهو منصوص أحمد وقول إسحاق والليث وابن حزم وأصحابه (1) وحجتهم حديث أبي بردة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: «لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله» (2).
قال ابن حزم: ومن أتى منكرات جمة، فللحاكم أن يضربه لكل منكر منها
عشر جلدات فأقل بالغًا ذلك ما بلغ. اهـ.
القول الثاني: التعزير دون أقل حدٍّ، والقائلون بهذا مختلفون على أوجه، منها:
(أ) أن لا يبلغ أدنى حدٍّ مشروع مطلقًا: وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في رواية (3).
وعليه يكون أكثر التعزير تسعة وثلاثون سوطًا (عند الشافعي؛ لأن حد الخمر عنده أربعون) وتسعة وسبعون (عند أبي حنيفة).
(ب) أن لا يبلغ بكل جناية الحدَّ المشروع في جنسها: وهذه رواية ثالثة في مذهب أحمد، وقد وافقه ابن تيمية في هذه الجزئية كما سيأتي:
وحجة هذا القول ما يلي:
1 -
ما يروى مرفوعًا: «من بلغ حدًّا في غير حدٍّ، فهو من المعتدين» (4) وهو ضعيف لا يثبت!!
2 -
وعن ابن المسيب في جارية كانت بين رجلين فوقع عليها أحدهما؟ قال: «يضرب تسعة وتسعين سوطًا» (5).
(1)«الإنصاف» (10/ 244)، و «كشاف القناع» (6/ 123)، و «المحلي» (11/ 403).
(2)
صحيح: تقدم قريبًا، وهو متفق عليه.
(3)
«الهداية» (2/ 117)، و «البدائع» (7/ 64)، و «روضة الطالبين» (10/ 174)، و «نهاية المحتاج» (8/ 22)، و «المغني» (10/ 347 - مع الشرح الكبير).
(4)
ضعيف: أخرجه البيهقي (8/ 327)، وقال: المحفوظ مرسل. اهـ.
(5)
إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة، وانظر «الإرواء» (2398).
وهو مروي عن عمر رضي الله عنه، رواه الأشرم واحتج به أحمد، قال الألباني: لم أقف على إسناده. اهـ.
3 -
ولأن العقوبة على قدر الإجرام والمعصية، والمعاصي المنصوص على حدودها أعظم من غيرها، لا يجوز أن يبلغ في أهون الأمرين عقوبة أعظمهما، فلا يجوز أن يضرب من قبَّل امرأة حرامًا أكثر من حد الزنا؛ لأن الزنا مع عظمه وفحشه، لا يجوز أن يزاد على حده، فما دونه أولى.
القول الثالث: يزاد على الحدِّ إذا رأى الإمام المصلحة في ذلك، وهذا قول مالك وأحمد أقوال أبي يوسف، وقول أبي ثور وطائفة من أصحاب الشافعي وهو أحد الوجوه عندهم والطحاوي من الحنفية ووافقهم شيخ الإسلام في الجرائم التي لا حد في جنسها (1).
واحتج أصحاب هذا القول بما يلي:
1 -
ما روي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه: أنه رُفع إليه رجل غشى جارية امرأته، فقال:«لأقضين فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن كانت أحلَّتها لك جلدتُك مائة، وإن كانت لم تحلَّها لك رجمتك» (2) وهو حديث ضعيف!.
2 -
ما رُوي: أن معن بن زائدة عمل خاتمًا على نقش خاتم بيت المال، ثم جاء به صاحب بيت المال فأخذ منه مالًا، فبلغ عمر رضي الله عنه ذلك فضربه مائة وحبسه، فكلم فيه فضربه مائة أخرى، فكلم فيه من بعد فضربه مائة ونفاه».
3 -
ما روي «أن عليًّا رضي الله عنه أتى بالنجاشي، قد شرب خمرًا في
رمضان، فجلده ثمانين ثم أمر به إلى السجن ثم أخرجه من الغد فضربه عشرين ثم قال إنما جلدتك هذه العشرين لإفطارك في رمضان وجرأتك على الله» (3).
4 -
ما روي: أن عمر ضرب صبيغًا - لما رأى بدعته - ضربًا كثيرًا لم يعدَّه.
(1)«المحلي» (11/ 403)، و «الكافي» لابن عبد البر (2/ 1073)، و «الخرشي» (8/ 110)، و «روضة الطالبين» (10/ 174)، و «الإنصاف» (10/ 243)، و «المغني» (10/ 347 - مع الشرح).
(2)
ضعيف: أخرجه أبو داود (4458)، والترمذي (1451)، والنسائي (6/ 123)، وابن ماجة (2551).
(3)
حسنه الألباني: أخرجه الطحاوي (2/ 88)، وانظر «الإرواء» (2399)، قلت: وبنحوه عند البيهقي (321)، والنجاشي هنا غير نجاشي الحبشة المشهور.
الترجيح:
أقول: أما القول الأول فالقائلون به تعلقوا بحديث أبي بردة في منع الضرب فوق عشرة أسواط «إلا في حد من حدود الله» وحملوا «الحد» على العقوبة المقدرة في الجرائم الحدية، والآخرون حملوه على أنَّ المراد: حق من حقوق الله وإن لم يكن من المعاصي المقدر حدودها؛ لأن المعاصي كلها من حدود الله، قلت: وهو الأصوب؛ وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن المراد بحدود الله: ما حرم لحق الله، قال: فإن الحدود في لفظ الكتاب والسنة يراد بها الفصل بين الحلال والحرام، مثل آخر الحلال وأول الحرام، فيقال في الأول:{تلك حدود الله فلا تعتدوها} (1) ويقال في الثاني: {تلك حدود الله فلا تقربوها} (2).
وتسمية العقوبة المقدرة حدًّا عرف حادث، فيكون مراد الحديث: أن من ضرب لحق نفسه كضرب الرجل امرأته في النشوز لا يزيد على عشر جلدات (3).
قلت: ومما يدل على جواز الزيادة في التعزير على عشر جلدات ما سيأتي قريبًا
من تعدد صور التعزير التي لا تقتصر على الجلد والضرب، وهذا واضح ولله الحمد.
وأما من قال لا يبلغ التعزير أقل الحدود، فلا أرى له حجة يدان بمثلها، فالذي يبدو لي أنه أعدل الأقوال أن يقال: يجوز الزيادة على الحد في التعزير في الجرم الذي ليس في جنسه حدٌّ، وأما ما في جنسه حدٌّ فلا يزاد فيه على الحد وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
هل يجوز التعزير بالقتل؟ (4)
وقع في كلام الحنفية والمالكية والحنابلة في بعض الجزئيات جواز التعزير بالقتل، وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله قال: ومن لم يندفع فساده في الأرض إلا بالقتل قُتِل، مثل الفرق لجماعة المسلمين، والداعي إلى البدع في
(1) سورة البقرة: 229.
(2)
سورة البقرة: 187.
(3)
انظر: «السياسة الشرعية» (ص 55، 56).
(4)
«ابن عابدين» (4/ 62)، و «تبصرة الحكام» لابن فرحون (2/ 206)، و «الإنصاف» (10/ 249)، و «روضة الطالبين» (10/ 174)، و «الأحكام السلطانية» (ص 236)، و «مجموع الفتاوى» (28/ 108، 109).