الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واحد، بل يلزم أن يكون الإيجاب من شخص، والقبول من شخص آخر، إلا الأب ووصيه والقاضى والرسول من الجانبين، يكون كل منهم بائعًا ومشتريًا بنفسه هذا شرط لا دليل عليه.
قال الشوكاني: "وقد عرفناك أن المناط هو الرضا، فيصح أن يتولى ذلك واحد وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه تولى عقد النكاح للزوجين. [فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "أترضى أن أزوجك فلانة؟ " قال: نعم، وقال للمرأة: "أترضين أن أزوجك فلانًا؟ " قالت: نعم، فزوج أحدهما صاحبهُ. . . . الحديث] (1) والحاصل أن الأصل عدم المانع، فمن ادعى وجوده فعليه البيان (2).
قلت: ونحوه ما علقه البخاري بصيغة الجزم "أن أم حكيم بنت قارظ قالت لعبد الرحمن بن عوف أنه خطبني غير واحد فزوجني أيهم رأيت، قال: وتجعلين أمرك إليَّ، قالت: نعم. قال: قد تزوجتك" قال ابن أبي ذئب: فجاز نكاحه (3).
بيع الفضولي
(*)
• تعريف الفضولي:
لغة: من يشتغل بما لا يعنيه.
اصطلاحًا: هو من لم يكن وليًا ولا أصيلًا ولا وكيلًا في العقد أو من يتصرف في حق غيره بغير إذن شرعى خرج به: الوكيل والوصى ونحوهما.
ولفظ الفضولى عند الفقهاء: يتناول كل من يتصرف بلا ملك ولا ولاية ولا وكالة، كالغاصب إذا تصرف في المغصوب بالبيع أو غيره
…
وكالزوج يبيع ما تملكه زوجته دون إذنها.
• حكمه التكليفى:
- من قال ببطلانه ذهب إلى القول بحرمة الإقدام عليه.
(1) المجموع (جـ9/ ص 287).
(2)
المحلى (جـ8/ ص 342).
(3)
السيل للشوكاني (2/ 11).
(*) الموسوعة الفقهية (جـ 9/ 115: 123) بداية المجتهد (2/ ص270، 271) حاشية ابن عابدين (7/ 231) الإنصاف (4/ 271) المجموع (9/ 247: 251)، فتح البارى (6/ ص 697)، تفسير القرطبي (7/ ص 154)، إعلاء السنن (4/ ص 181، 454) نيل الأوطار (5/ 332، 333) الفقه الإِسلامى وأدلته (5/ 3339).
- ومن قال بصحته -وهم الحنفية والمالكية- فقد صرح المالكية بحرمته إذا لم يكن لمصلحة، وإن كان لمصلحة -كخوف تلف أو ضياع- فغيرُ حرام، بل ربما كان مندوبًا، وأما الحنفية فلم نجد لهم تصريحًا بحكمه.
• ابتداءً اتفق الفقهاء على صحة بيع الفضولي، إذا كان المالك حاضرًا أو أجاز البيع، لأن الفضولي حينئذ يكون كالوكيل واتفقوا أيضًا على عدم صحة بيع الفضولي. إذا كان المالك غير أهل للإجازة كما إذا كان صبيًا وقت البيع.
• محل الخلاف:
هل يصح بيع الفضولي إذا كان المالك أهلًا للتصرف وبيع ماله وهو غائب، أو كان حاضرًا وبيع ماله وهو ساكت أو لا يصح؟
• هل السكوت يدل على الرضا؟
سيأتي في باب التراضي.
• تنقيح أقوال الفقهاء في هذه المسألة:
اختلف الفقهاء في بيع الفضولي على قولين من حيث الجملة:
الأول: جواز بيعه مع وقوف نفاذه على إجازة المالك وهو مروى عن جماعة من السلف منهم علي وابن عباس وابن مسعود وابن عمر وهو قول الحنفية والمالكية وبه قال القرطبي وابن عثيمين وأحمد في إحدى الروايتين وإسحاق والشافعي في القديم والجديد وقواه النووي في الروضة ومال إليه البخاري حيث بوب: باب: إذا اشترى شيئًا لغيره بغير إذنه فرضى. واستدلوا:
1 -
بعموم الأدلة القرآنية الدالة على مشروعية البيع. مثل قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (1) وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (2). والفضولي كامل الأهلية، فإعمال العقد أولى من إهماله، وربما كان في العقد مصلحة للمالك، وليس فيه أي ضرر بأحد.
2 -
وبقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (3) وفي هذا إعانة لأخيه المسلم.
3 -
وبحديث عروة بن أبي الجعد البارقى وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارًا
(1) سورة البقرة: 275.
(2)
سورة النساء: 29.
(3)
سورة المائدة: 2.
ليشترى له به شاة، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار، فجاء بدينار وشاة فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح (1) فيه"، وبدعائه له بالبركة وفيه: أن شراء الشاة الثانية وبيعها لم يكن بإذن النبي صلى الله عليه وسلم وهو عمل فضولى جائز بدليل إقراره صلى الله عليه وسلم.
4 -
وبحديث حكيم بن حزام أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ليشترى له أضحية بدينار، فاشترى أضحية، فأربح فيها دينارًا، فاشترى أخرى مكانها، فجاء بالأضحية والدينار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"ضحِّ بالشاة وتصدق بالدينار"(2) فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز هذا البيع ولو كان باطلًا لرده وأنكر على من صدر منه.
5 -
وبحديث ابن عمر في قصة الثلاثة أصحاب الغار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الثالث: اللهم استأجرتُ أجراء فأعطيتهم"(3).
الثاني: عدم جوازه، وإن أجازه صاحب الشأن بعد وقوع البيع:
وهذا هو قول الشافعية والحنابلة والظاهرية وسعيد بن زيد أخو حماد بن زيد واستدلوا:
1 -
بأن تصرف الفضولي تصرف فيما لا يملك، وتصرف الإنسان فيما لا يملكه منهى عنه شرعًا، والنهى يقتضى عدم المشروعية، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام "لا تبع ما ليس عندك"(4) أي ما ليس مملوكًا لك، وسبب النهى اشتمال العقد على الغرار الناشيء عن عدم القدرة على التسليم وقت العقد، وما يترتب عليه من النزاع.
قلت: وحديث حكيم لا حجة فيه من وجوه:
(أ) أن صفة بيع حكيم تختلف عن صفة بيع الفضولي فالأول: يأتيه المشترى ويطلب منه سلعة معينة ليست عنده فيقوم بكتابة العقد ثم يذهب يشترى له السلعة من السوق، وأما الثاني: فهو يشترى فقط من غير أن يطلب منه.
(ب) أن حكيم يشترى بماله أو بمال صاحب السلعة إن كان أعطاه ثمنها، وأما الفضولي فهو يشترى بمال غيره أو يبيع.
(1) صحيح: أخرجه البخاري.
(2)
ضعيف: أخرجه أبو داود (3386) والترمذي (1257).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري.
(4)
صحيح: أخرجه النسائي (4632) أبو داود (3461) والترمذي (1231).
(جـ) أن حكيم له حالان في الصفقة الواحدة (بائع ومشترى) بخلاف الفضولي وعلى هذا فبيع الفضولي خلاف بيع حكيم تمامًا والله أعلم.
2 -
وبحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طلاق إلا فيما تملك، ولا عتق إلا فيما تملك، ولا بيع إلا فيما تملك"(1).
وبقوله تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} (2).
وأجابوا: عن حديث عروة البارقى أو حكيم بن حزام "إنه محمول على أنه كان وكيلًا مطلقًا عن النبي صلى الله عليه وسلم ويدل عليه أنه باع الشاة وسلمها".
3 -
وعن حديث ابن عمر -قصة أصحاب الغار- أن ذلك كان فيمن قبلنا ولا تلزمنا شرائعهم.
قلت: وهذا ليس فيه مخالفة لشرعنا والقول الصواب في هذه المسألة -إن شاء الله- أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد في شرعنا ما يخالفه.
4 -
وعن احتجاجهم بالآية الكريمة {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} ليس هذا من البر والتقوى، بل هو من الإثم والعدوان.
5 -
وعن حديث حكيم بجوابين:
الأول: أنه حديث ضعيف للجهالة في سند أبى داود وللانقطاع في سند الترمذي.
والثاني: أنه محمول على أنه كان وكيلًا للنبى صلى الله عليه وسلم وكالة مطلقة. يدل على أنه باع الشاة وسلمها واشترى. وبمثله أجابوا عن حديث عروة.
وأجاب من قال بالجواز: بأن النهى الوارد في حديث حكيم "لا تبيع ما ليس عندك" محمول على بيعه لنفسه لا لغيره. قالوا: والدليل على ذلك أن النهى إنما ورد في حكيم بن حزام وقضيته مشهورة، وذلك أنه كان يبيع لنفسه ما ليس عنده.
قلت (أبو الحسن): سنسلم جدلًا أن هذا خاص بحكيم فهل ما ورد في حديث عمرو بن شعيب (ولا بيع إلا فيما تملك) خاص به أيضًا إن القول بالخصوصية -دون دليل- بعيد تمام البعد لأن الخصوصية لا تكون إلا بدليل وليس ثمَّ، وسيأتى أن الراجح -وهو قول الجمهور- أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فكل من باع مثل بيع حكيم فهو داخل في حديثه والله أعلم.
(1) أخرجه النسائي (4611) والترمذي (1234) وأبو داود (3504).
(2)
سورة الأنعام: 164.