الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بمواشيهم، فيأتيهم الفقير ذو الحاجة فيقولون له: ارجع إلينا غدًا ليعطوه "فيبيتهم الله" أي يهلكهم ليلًا، ويوقع الجبل ويدكه عليهم، ويمسخ أقوامًا منهم قردة وخنازير، أعاذنا الله من ذلك والمسلمين.
• عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف"، فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله ومتى ذاك؟ قال: "إذا ظهرت القينات (المغنيات) والمعازف وشربت الخمور"(1).
• عن أبي أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبيعوا القينات (المُغَنِّيات) ولا تستروهن، ولا تعلموهن، ولا خير في تجارة فيهن، وثمنهن حرام". في مثل هذا أنزلت هذه الآية {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (2)(3).
• ذهب جمهور الفقهاء إلى تحريم بيع آلات اللهو المحرمة والمعازف إلا ما جاز استعماله منها وصرحوا بعدم صحة بيعها (4).
خامسًا: البيوع المحرمة لغيرها
1 -
البيع عند أذان الجمعة:
• أمر الله تعالى بترك البيع عند النداء (الأذان) يوم الجمعة فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (5).
• والأمر بترك البيع نهى عنه.
• ولم يختلف الفقهاء في أن هذا البيع محرم لهذا النص.
• قال صديق حسن خان:
والمراد بالآية ترك ما يذهل عن ذكر الله من شواغل الدنيا وإنما خص البيع من بينها لأن يوم الجمعة يتكاثر فيه البيع والشراء عند الزوال فقيل لهم: بادروا تجارة
(1) صحيح: أخرجه الترمذي (2212) وغيره. انظر: "الصحيحة"(1604).
(2)
سورة لقمان: 6.
(3)
حسن: أخرجه الترمذي (1282 - 3195) وغيره. انظر: "الصحيحة"(2922).
(4)
الموسوعة الفقهية الكويتية (9/ 157).
(5)
سورة الجمعة: 9.
الآخرة واتركوا تجارة الدنيا واسعوا إلى ذكر الله الذي لا شىء أنفع منه وأربح وذروا البيع الذي نفعه يسير. قال في الكشاف: عامة العلماء على أن ذلك لا يوجب الفساد، لأن البيع لم يحرم لعينه بل لما فيه من التشاغل عن الصلاة فهو كالصلاة في الأرض المغصوبة (1).
• قيود تحريم هذا البيع:
1 -
أن كون المشتغل بالبيع ممن تلزمه الجمعة، فلا يحرم البيع على المرأة والصغير والمريض.
2 -
أن يكون المشتغل بالبيع عالمًا بالنهى.
3 -
انتفاء الضرورة للبيع، كبيع المضطر ما يأكله، وبيع كفن من خيف تغيره بالتأخير.
4 -
أن يكون البيع بعد الشروع في أذان الخطبة (2).
2 -
البيع في المسجد:
• عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيع والاشتراء في المسجد (وفي رواية) عن الشراء والبيع في المسجد، وأن ينشد فيه الأشعار، وأن تنشد فيه الضالة، وعن الحِلق يوم الجمعة قبل الصلاة"(3).
• عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك"(4).
• قال الشوكاني: الحديثان يدلان على تحريم البيع والشراء، وإنشاد الضالة، وإنشاد الأشعار والتحلق يوم الجمعة قبل الصلاة (5).
• عن عطاء بن يسار: "كان إذا مر عليه من يبيع في المسجد دعاه فسأله ما معك؟ وما تريد؟ فإن أخبره أنه يريد أن يبيعه، قال: عليك بسوق الدنيا، وإنما هذا سوق الآخرة"(6).
(1)"فتح البيان في مقاصد القرآن"(14/ 139، 140).
(2)
راجع الموسوعة الفقهية الكويتية (9/ 225).
(3)
حسن: أخرجه أحمد (2/ 179 - 212)، وأبو داود (1079)، والترمذي (322) وغيرهم.
(4)
صحيح: أخرجه الترمذي (1321) وغيره. انظر: "الإرواء"(1495).
(5)
"نيل الأوطار"(2/ 271).
(6)
"موطأ مالك"(1/ 174) بلاغًا.
• قال الشيخ عبد الله البسام حول الحديث الثاني: حديث أبى هريرة ما يؤخذ من الحديث:
1 -
إنه يجب على من سمع من يبيع أو يشترى في المسجد أن يقول له جهرًا: لا أربح الله تجارتك، فإن المساجد لم تبن للبيع والشراء.
2 -
تحريم البيع والشراء في المسجد.
3 -
المساجد إنما بنيت لطاعة الله وعبادته، فيجب أن تجتنب أحوال الدنيا (1). انتهى باختصار.
وقال الخطابي: ويدخل في هذا كل أمر لم يبن له المسجد: من أمور معاملات الناس، واقتضاء حقوقهم، وقد كره بعض السلف المسألة في المسجد، وكان بعضهم لا يرى أن يتصدق على السائل المتعرض في المسجد (2).
3 -
بيع المصحف للكافر:
• اتفق الفقهاء على أن اليبع ممنوع وصرح جمهورهم بالحرمة، لأن فيه امتهان حرمة الإِسلام بملك المصحف. وقد قال تعالى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (3).
وأصل هذا التعليل يرجع إلى ما روى في الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو"(4).
• ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المسافرة بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن تناله أيديهم، فلا يجوز تمكينهم منه. ولأنه يمنع الكافر من استدامة الملك عليه، فمنع من ابتدائه كسائر ما لا يجوز بيعه، ولما في ملك الكافر للمصحف ونحوه من الإهانة (5).
• قال النووى: قوله "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو"
(1)"توضيح الأحكام"(1/ 529).
(2)
"شرح السنة"(2/ 375).
(3)
سورة النساء: 141.
(4)
أخرجه البخاري (2990)، ومسلم (1869)(92).
(5)
راجع الموسوعة الفقهية الكويتية (9/ 230 - 231).
وفي الرواية الأخرى "مخافة أن يناله العدو"(1)، وفي الرواية الأخرى:"فإني لا آمن أن يناله العدو"(2).
فيه النهي عن المسافرة بالمصحف إلى أرض الكفار للعلة المذكورة في الحديث وهي خوف أن ينالوه فينتهكوا حرمته، فإن أمنت هذه العلة بأن يدخل في جيش المسلمين الظاهرين عليهم فلا كراهة ولا منع منه حينئذ لعدم العلة، هذا هو الصحيح (3).
4 -
بيع السلاح في الفتنة:
• ولقد بوب الإِمام البخاري في صحيحه (باب: بيع السلاح في الفتنة وغيرها) وذكر تحته حديثًا.
• عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين فبعت الدرع فابتعت به مَخْرَفًا (4) في بني سلمة، فإنه لأول مال تأثلته (5) في الإِسلام"(6).
• قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعليقًا على باب بيع السلاح في الفتن المراد بالفتنة: ما يقع في الحروب بين المسلمين لأن في بيعه إذ ذاك إعانة لمن اشتراه، وهذا محله إذا اشتبه الحال، فأما إذا تحقق الباغى فالبيع للطائفة التي في جانبها الحق لا بأس به، قال ابن بطال: إنما كره بيع السلاح في الفتنة لأنه من باب التعاون على الإثم.
• وقال الحافظ أيضًا: ويحتمل أن المراد بإيراد هذا الحديث جواز بيع السلاح في الفتنة لمن لا يخشى منه الضرر لأن أبا قتادة باع درعه في الوقت الذي كان القتال فيه قائمًا بين المسلمين والمشركين وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، والظن به أنه لم يبعه ممن يعين على قتال المسلمين، فيستفاد منه جواز بيعه في زمن القتال لمن لا يخشى منه (7).
(1) أخرجه مسلم (1869)(93).
(2)
أخرجه مسلم (1869)(94).
(3)
"شرح صحيح مسلم"(6/ 310).
(4)
مخرفًا: المخرف هو البستان.
(5)
تأثلته: أي جعلته أصل مالى.
(6)
أخرجه البخاري (2100).
(7)
"فتح البارى"(4/ 378، 379).
• وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
لا يصح بيع سلاح في فتنة بين المسلمين، فلو حصل فتنة، وقتال بين المسلمين، وجاء رجل يشترى منك سلاحًا، وغلب على ظنك أنه اشترى منك السلاح ليقاتل المسلمين فإنه يحرم عليك أن تبيعه إياه. فإن قال صاحب السلاح: لعله اشتراه لأجل أن يصطاد به صيدا مباحًا فما الجواب؟
نقول: لا نمنع إلا إذا غلب على ظنك أنه اشتراه من أجل أن يقاتل المسلمين.
وكذلك لو اشترى رجل سلاحًا ليصطاد به صيدًا في الحرم بأن تعرف أن هذا الرجل من أهل الصيد، وهو الآن في الحرم واشترى منك السلاح لأجل أن يصطاد به صيدًا في الحرم، فهذا حرام ولا يصح البيِع لأنه من باب التعاون علي الإثم والعدوان، وتأمل القرآن الكريم في قوله {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (1).
يدخل فيها آلاف المسائل لأنها كلمة عامة تشمل التعاون على الإثم والعدوان في العقود والتبرعات والمعاوضات والأنكحة وغير ذلك، فكل ما فيه التعاون على الإثم والعدوان فإنه حرام (2).
5 -
تحريم بيع العصير ممن يتخذه خمرًا وكل بيع أعان على معصية:
• عن بريدة الأسلمى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه من يهودي أو نصراني أو ممن يتخذه خمرًا فقد تقحم النار على بصيرة"(3).
• قال الصنعانى رحمه الله:
والحديث دليل على تحريم بيع العنب ممن يتخذه خمرًا لوعيد البائع بالنار وهو مع القصد محرم إجماعًا وأما مع عدم القصد فقال الهادوية يجوز البيع مع الكراهة ويؤول بأن ذلك مع الشك في جعله خمرًا وأما إذا علمه فهو محرم ويقاس على ذلك ما كان يستعان به في معصية وأما ما لا يفعل إلا لمعصية كالمزامير والطنابير
(1) سورة المائدة: 2.
(2)
"الشرح الممتع"(8/ 206 - 207).
(3)
أخرجه الطبراني في "الأوسط"(5352)، وقال ابن حجر في "بلوغ المرام"(770) إسناده حسن.
ونحوها فلا يجوز بيعها ولا شراؤها إجماعًا وكذلك بيع السلاح والكراع من الكفار والبغاة إذا كانوا يستعينون بها على ضرب المسلمين فإنه لا يجوز (1).
• قال موسى بن أحمد الحجاوي القدسي صاحب "زاد المستقنع": "ولا يصح بيع عصير ممن يتخذه خمرًا".
• وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله شرحًا لهذه الفقرة فقال: قوله "ولا يصح بيع عصير ممن يتخذه خمرًا"(ممن) أي على من، فلا يصح بيع العصير على إنسان يريد أن يتخذه خمرًا، والعصير معروف كعصير عنب أو تين أو برتقال أو غيره اشتراه إنسان وهو عصير طازج، لأجل أن يخمره، ويتخذه خمرًا فإن البيع لا يصح.
والدليل قول الله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (2).
فإن قال قائل: ما الذي يدريني أن هذا الرجل اشترى العصير ليتخذه خمرًا أو ليشربه في الوقت الحاضر؟
نقول: إذا غلب على ظنك أن هذا من القوم الذين يشترون العصير ليتخذوه خمرًا كفى ذلك وصار هذا حرامًا، لأنه من باب التعاون على الإثم والعدوان، والله سبحانه وتعالى قد نهى عن ذلك. وإلا فالأصل الصحة، وعدم المنع.
وكذلك لا يصح بيع أواني لمن يستقي بها الخمر: بأن أعرف أن صاحب هذا المطعم يأتيه الناس يشربون الخمر عنده، وأتى إليَّ ليشتري أواني يسقي بها الخمر، فهذا غير جائز، لأن هذا من باب التعاون على الإثم والعدوان (3).
• قال شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله:
ولا يصح بيع ما قصد به الحرام، كعصير يتخذه خمرًا إذا علم ذلك، كمذهب أحمد وغيره، أو ظن، وهو أحد القولين، ويؤيده أن الأصحاب قالوا: لو ظن المؤجر أن المستأجر يستأجر الدار لمعصية، كبيع الخمر ونحوه، لم يجز له أن يؤجره تلك الدار ولم تصح الإجارة، والبيع والإجارة سواء (4).
(1)"سبل السلام"(3/ 55).
(2)
سورة المائدة: 2.
(3)
"الشرح الممتع على زاد المستقنع"(8/ 205 - 207).
(4)
الاختيارات الفقهية (ص 180) طبعة دار العاصمة.