الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال النووى: "يحرم الإقدام عليه (البيع) إلا بعد معرفة شرطه"(1).
قلت: لأن إقدامه على البيع والخوض في مضماره دون معرفة ما يستطيع التمييز به بين المباح والحرام ذريعة إلى أكل الحرام، فعلى كل عاقل قبل أن يدخل في هذا المجال أن يتعلم أحكامه. والله أعلم.
أركان البيع أو كيفية انعقاده أو صفة العقود
• للفقهاء في ذلك ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها لا تصح إلا بالصيغة (الإيجاب والقبول) وهو الأصل في العقود، سواء في ذلك البيع والإجارة والهبة والنكاح، والعتق، وغير ذلك. وهذا ظاهر قول الشافعي، وهو قول في مذهب أحمد وبه قطع الجمهور.
والأصل في انعقاد البيع عند أصحاب هذا القول: هو اللفظ، لأن الأصل في العقود -هو التراضى المذكور في قوله:"إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم" والمعانى التي في النفس لا تنضبط إلا بالألفاظ التي قد جعلت لإبانة ما في القلب.
وعليه: لا تصح عندهم المعاطاة في قليل أو كثير لأنها تحتمل وجوهًا كثيرة. وهو مذهب أهل الظاهر أيضًا (2).
القول الثاني: أن العقود تصح بالأفعال فيما كثر عقده بالأفعال كالمبيعات بالمعاطاة في المحقرات دون الأشياء النفيسة، وكالوقف في مثل من بني مسجدًا، وأَذِنَ للناس في الصلاة فيه، وكبعض أنواع الإجارة؛ كمن دفع ثوبه إلى غسال، أو خياط يعمل بالأجرة ونحو ذلك، وبه قال أبو حنيفة وابن سريج وهو قول في مذهب أحمد ووجه في مذهب الشافعي. وحجتهم:
1 -
أن هذه العقود لو لم تنعقد بالأفعال الدالة عليها لفسدت أمور الناس.
2 -
أن الناس من لدن النبي صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا ما زالوا يتعاقدون في مثل هذه الأشياء بلا لفظ بل بالفعل الدال على المقصود (3).
القول الثالث: أنها تنعقد بكل ما دل على مقصودها من قول أو فعل. فكل ما عدَّه الناس بيعًا وإجارة فهو بيع وإجارة؛ وإن اختلف اصطلاح الناس في
(1) المجموع للنووى (جـ1/ ص 50).
(2)
مجموع الفتاوى (15/ ص7)، واختيارات ابن قدامة الفقهية (جـ2/ ص13).
(3)
مجموع الفتاوى (15/ ص7) والمجموع للنووى (جـ6/ ص 154).
الألفاظ والأفعال، انعقد العقد عند كل قوم بما يفهمونه بينهم من الصيغ والأفعال، وليس لذلك حد مستمر لا في شرع ولا لغة بل يتنوع بتنوع اصطلاح الناس، كما تتنوع لغاتهم. وهذا هو الغالب على أصول مذهب مالك، وظاهر مذهب أحمد، ورواية عن أبي حنيفة، وقال به صاحب الشامل والمتولى والبغوى والرويانى من الشافعية وهذا القول هو الراجح.
واختاره ابن قدامة وشيخ الإِسلام ابن تيمية ورجحه ابن عثيمين رحم الله الجميع.
• فائدة: قال شيخ الإِسلام: وما ذكره بعض أصحاب مالك وأحمد - من أنه لا ينعقد (العقد) إلا بهذين اللفظين (الإيجاب والقبول) بعيد عن أصولهما (1).
• واستدلوا بأدلة منها:
1 -
أن الأصل في المعاملات الإباحة حتى يرد من الشرع ما ينقل عن ذلك ولم يرد.
2 -
أن الله تعالى أحل البيع ولم يبين كيفيته؛ فوجب الرجوع فيه إلى العرف: كالقبض المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: "من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه"(2).
3 -
أن الله تعالى اكتفى بالتراضى في البيع في قوله: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (3) وبطيب النفس في التبرع في قوله: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (4) ولم يشترط لفظًا معينًا، ولا فعلًا معَينًا يدل على التراضي، وعلى طيب النفس، ومعلوم بالاضطرار من عادات الناس أنهم يعلمون التراضى وطيب النفس بطرق متعددة.
4 -
عدم النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه مع كثرة وقوع البيع بينهم تحديد صيغة معينة.
5 -
أن البيع والشراء مما تعم به البلوى ويعظم خطره، فلو كان الإيجاب والقبول شرطًا لصحته لبينه صلى الله عليه وسلم بيانًا كافيًا لإفضاء إخفاء الحكم إلى أكل أموال الناس بالباطل (5).
(1) مجموع الفتاوى (15/ ص 10).
(2)
صحيح: أخرجه البخاري (2133) عن ابن عمر ومسلم (1525) وغيره عن ابن عباس.
(3)
سورة النساء: 29.
(4)
سورة النساء: 4.
(5)
ترجيحات ابن قدامة (جـ 2/ ص13، 14، 15)، فتاوى ابن تيمية (جـ15/ ص11، 12، 13) والمجموع (جـ9/ ص 154، 155) الشرح الممتع (جـ8/ ص114، 115).