الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: ويجاب عن استدلالهم بقوله تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} قال القرطبي: قال علماؤنا: المراد من الآية تحمل الثواب والعقاب دون أحكام الدنيا بدليل قوله في نفس الآية {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} .. اهـ.
• سببُ اختلافهم:
قال ابن رشد: وسبب الخلاف المسألة المشهورة: هل إذا ورد النهىُ على سبب حمل على سببه، أو يعم؟
قلت: وذهب الجمهور: "أن اللفظ العام إذا ورد على سبب خاص فهو على عمومه حتى يدل الدليل على إرادة القصر على السبب. فكل آية نزلت جوابًا لسؤال أو فصلًا في واقعة وكذا كل حديث ورد على نحو ذلك فلا تأثير لذلك السبب في إجراء الحكم على كل ما أفاده لفظ العموم، وذلك كنزول آيات اللعان في قصة عويمر العجلانى وهلال بن أمية، فحكمها عام للأمة بناء على هذا الأصل"(1).
وعلى هذا فحديث النهى عن بيع ما لا يملكه المرء عام فيشمل بيع الفضولي وغيره.
• القول الراجح في بيع الفضولي:
بعد العرض لأدلة الفريقين -القائلين بالجواز والقائلين بعدمه- يتبين لنا أن بيع الفضولي جائز مع وقوف نفاذه على إجازه المالك. والله أعلم.
القول في شراء الفضولي
(2)
اختلف العلماء في شرائه على ثلاثة أقوال:
الأول: شراؤه صحيح إن رضي المشترى له، وإلا لم يصح وبه قال مالك.
الثانى: أنه غير صحيح وبه قال الشافعي وأبو حنيفة.
الثالث: أنه لا يصح إلا إن اشترى في ذمته ونوى الشراء لشخص لم يسمه فيصح، سواء نقد الثمن من مال الغير أم لا وهذا قول الحنابلة. قلت: وهذا خارج عن بيع الفضولي لأنه لا يدل على أنه تصرف في ملك غيره. اهـ.
(1) تيسير علم أصول الفقه (ص 276).
(2)
الموسوعة الكويتية (جـ9)، وبداية المجتهد (2/ ص 270)، الشرح الممتع (8/ 147، 148) الإنصاف (4/ 272).
قلت: هذا حاصل أقوالهم في الجملة والذي يتبين لي أنه لا فرق بين البيع والشراء لأنه لا فرق بينهما لأن كلاهما يطلق ويراد به الآخر.
3 -
التراضى منهما، فلا يصح بيع المكره بغير حق (1): وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة.
قال تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (2).
وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما البيع عن تراض"(3).
• بيع المكره:
تعريف الإكراه (4):
لغة: حمل الإنسان على شيء يكره.
شرعًا: فعل يوجد من المكْرَه فيُحدث في المحل معنى يصير به مدفوعًا إلى الفعل الذي طلب منه.
• حُكْمه (5): الإكراه نوعان:
(أ) إكراه بحق: وهذا ينعقد، كما لو أكرهه الحاكم على بيع ما له لوفاء دينه، فإن هذا إكراه بحق.
(ب) إكراه بغير حق: وبه لا ينعقد البيع سواء كان إكراهًا ملجئًا أو غير ملجىء. لأن الإكراه يزيل الرضا الذي هو شرط في صحة هذه العقود قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (6).
وقال صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ما استكرهوا عليه"(7).
وقال: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق"(8). والإغلاق: الإكراه.
(1) الفقه الإِسلامى وأدلته (3355/ 3357/ 3362) والملخص الفقهى (2/ 8).
(2)
سورة النساء: 29.
(3)
صحيح: أخرجه ابن ماجة (2185) وابن حبان (4967).
(4)
الموسوعة الكويتية (9/ 62).
(5)
الفقه وأدلته (3323) وتيسير أصول الفقه (102).
(6)
سورة النساء: 29.
(7)
صحيح: أخرجه الطبراني كما في صحيح الجامع (5/ 35).
(8)
حسن: أخرجه أحمد (26238) وأبو داود (2193) وابن ماجة (2046).
وذهب إلى القول بعدم انعقاد بيع المكره وتصرفاته وبطلانها أئمة المذاهب الأربعة:
• بيع المضطر (1):
ومعناه: اضطرار شخص إلى بيع شيء من ماله، ولم يرض المشترى إلا بشرائه بدون ثمن المثل بغبن فاحش وكذلك في الشراء منه.
• حكمه على ثلاثة أقوال:
1 -
بيعه وشراؤه فاسد وبه قالت الحنفية واستدلوا: بحديث علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المضطر (2).
2 -
أنه صحيح مع كراهية شرائه على الصحيح من مذهب الحنابلة.
3 -
أجازه فقهاء آخرون للضرورة منهم الخطابى قال:
"إن عقد البيع مع الضرورة على هذا الوجه جائز في الحكم، ولا يفسخ إلا أن سبيله في حق الدين والمروءة أن لا يباع على هذا الوجه وأن لا يقتات عليه بماله، ولكن يعاون ويقرض ويستمهل له إلى الميسرة حتى يكون له ذلك بلاغ اهـ. بتغير يسير.
• وممن قال بصحة بيع المضطر ابن حزم واستدل:
1 -
وجدنا كل من يبتاع قوت نفسه وأهله للأكل واللباس، فإنه مضطر إلى ابتياعه بلا شك، فلو بطل ابتياع هذا المضطر لبطل بيع كل من لا يصيب القوت من ضيعته، وهذا باطل بلا خلاف،
…
وقد ابتاع النبي صلى الله عليه وسلم أصواعًا من شعير لقوت أهله، ومات عليه السلام، ودرعه مرهونة في ثمنها (3)، فصح أن بيع المضطر إلى قوته وقوت أهله، وبيعه ما يبتاعه به القوت بيع صحيح لازم.
2 -
أنه بيع عن تراض ولم يجبره أحد عليه فهو صحيح بنص القرآن. وغير ذلك.
• القول الراجح:
قلت: لما كان الدافع للمضطر هو الحاجة لا الإكراه دل ذلك على أن بيعه صحيح لحصول التراضي والله أعلم.
(1) إعلاء السنن (14/ 241) الفقه وأدلته (5/ 3325) الإنصاف (4/ 253).
(2)
ضعيف: أخرجه أبو داود (3380).
(3)
صحيح: أخرجه البخاري.
• بيع التلجئة (1): وسماه الشافعية: (بيع الأمانة). وهو يشبه (بيع الهازل) كما في البدائع.
• تعريفه لغة: تأتى بمعنى الإكراه والاضطرار.
واصطلاحًا: يرجع معناها إلى معنى الإلجاء وهو الإكراه التام أو الملجئ.
• وصورته: أن يظهرا بيعًا لم يرداه باطنًا بل خوفًا من ظالم (ونحوه) وفعاله. (كأن يخاف إنسان اعتداء ظالم على بعض ما يملك، فيتظاهر هو ببيعه لثالث فرارًا منه، ويتم العقد مستوفيًا أركانه وشروطه).
• حكمه:
اختلف فيه على قولين:
الأول: أنه عقد باطل غير صحيح. لأن العاقدين ما قصدا البيع فلم يصح منهما كالهازلين وبه قالت الحنابلة وأبو يوسف ومحمد.
الثاني: أنه بيع صحيح، لأن البيع تم بأركانه وشروطه، وأتى باللفظ مع قصد واختيار خاليًا عن مقارنة مفسد، فصح كما لو اتفقا على شرط فاسد، ثم عقد البيع بغير شرط، وأما عدم رضاه بوقوعه فهو كظنه أنه لا يقع، لا أثر له لخطأ ظنه. وبه قالت الحنفية والشافعية.
• بيع الهازل (2):
• تعريفه: هو الذي يتكلم بكلام البيع لا على إرادة حقيقته.
• الفرق بينه وبين بيع التلجئة: أن بيع التلجئة الدافع فيه الإكراه.
• وجه الاتفاق بينهما: أن كلاهما يتلفظ بصيغة البيع، وهو في الحقيقة لا يريد البيع.
• حكمه:
للعلماء فيه أقوال:
• لا ينعقد بيعه لأنه لم يقصد بيعًا وهذا أحد قولى الشافعية والحنابلة وبه قالت الحنفية
(1) الموسوعة الكويتية (19) الإنصاف للمروادى (4/ 254) رد المختار (7/ 421، 423) الفقه وأدلته (5/ 3325).
(2)
الإنصاف (4/ 254)، المجموع (9/ 164)، رد المختار (7/ 14).
• ينعقد عملًا باللفظ، ولا مبالاة بالقصد والله أعلم وهو القول الثاني للشافعية والحنابلة
• يقبل بقرينة وهو قول في مذهب أحمد
• القول الراجح:
أقول: الظاهر انعقاده عملًا باللفظ، ولا مبالاة بالقصد، لأننا لا ندرى أهو صادق في قصده أم لا. والله أعلم.
ثانيًا: الشروط المتعلقة بالمعقود عليه (1):
1 -
أن يكون المبيع -المعقود عليه- موجودًا ليتمكن البائع والمشترى من معرفته: لأن بيع المعدوم لا ينعقد لما فيه من الجهالة، والجهالةُ غرر، والغرر منهى عنه وبه قالت الشافعية والحنابلة والمالكية والحنفية.
ومن أمثلته: بيع الحمل، وبيع الثمر قبل انعقاد شيء منه على الشجرة، وبيع اللبن في الضرع. وغير ذلك من البيوع المنهي عنها كما سيأتى.
2 -
أن يكون المعقود عليه في البيع من ثمن ومثمن مقدور التسليم عند العقد:
لأن ما لا يقدر على تسليمه لا يصح بيعه لأنه معدوم. وبه قالت المالكية والشافعية والحنابلة والحنفية ومن أمثلته: بيع الحيوان الشارد، وبيع الطير في الهواء، والسمك في البحر.
3 -
أن يكون مما يباح الانتفاع به لغير ضرورة: وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة والحنفية:
فلا يصح بيع ما يحرم الانتفاع به؛ كالخمر، والخنزير، وآلة اللهو، والميتة وغير ذلك مما سيأتى.
وقلنا (لغير ضرورة): احترازًا من الميتة والمحرمات التي تباح في حال الضرورة.
(1) رد المحتار (7/ 11)، الإنصاف (4/ 258)، العدة على إحكام الأحكام لابن دقيق - للصنعانى (3/ 486) الفقه الإِسلامى وأدلته (3350: 3366)، الملخص الفقهى للفوزان (2/ 9).