الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
له وبين السلم إليه في مغل مضمون في ذمته مقدور في العادة على تسليمه. فالجمع بينهما كالجمع بين الميتة والمذكى والربا والبيع" (1).
ثانيًا: البيوع المحرمة بسبب الربا:
• وقد سبق تعريف الربا: لغة وشرعًا.
• وهي زيادة في شىء مخصوص.
بمعنى (2): ليس كل زيادة ربا في الشرع، وليس كل زيادة في بيع ربا، فإذا كان المبيعات مما تجوز فيه الزيادة فلا بأس، فلو بعت سيارة بسيارتين فلا بأس، وكتابًا بكتابين فلا بأس، لأنه ليس كل زيادة تكون ربا.
بل الزيادة التي تكون ربا هى: ما إذا وقع العقد بين شيئين يحرم بينهما التفاضل كالذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، ويقاس عليها ما يماثلها في العلة.
• وقد اختلف العلماء في العلة:
• فمذهب الحنفية والحنابلة: أن العلة في الأصناف الأربعة: الكيل، وفي الذهب والفضة: الوزن.
• وعند المالكية: العلة في الأصناف الأربعة: الاقتيات والادخار، وفي الذهب والفضة: العلة فيهما غلبة الثمنية، أو جوهر الثمنية، فالعلة قاصرة على الذهب والفضة.
• وعند شيخ الإِسلام في الاختيارات: العلة في الأصناف الأربعة: الطعم مع الكيل أو الوزن، وفي الذهب والفضة، مطلق الثمنية، وعليه فإن العلة متعدية إلى غيرهما كالفلوس والأوراق النقدية.
• وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -:
وأقرب شىء أن يقال: إن العلة في الذهب والفضة كونهما ذهبًا وفضة، سواءً كانا نقدين أو غير نقدين، والدليل على أن الربا يجرى في الذهب والفضة، وإن كانا غير نقدين: حديث القلادة الذي رواه فضالة بن عبيد "أنه اشترى قلادة فيها
(1) إعلام الموقعين (1/ 492).
(2)
راجع الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن العثيمين رحمه الله (8/ 387 - 391).
ذهب وخرز باثنى عشر دينارًا ففصلها فوجد فيها أكثر، فنهى النبى صلى الله عليه وسلم أن تباع حتى تفصل" (1).
• ومعلوم أن القلادة خرجت عن كونها نقدًا، وعلى هذا فيجرى الربا في الذهب والفضة مطلقًا سواء كانتا نقدًا، أم تبرا (2) أم حليًّا على أي حال كانت، ولا يجرى الربا في الحديد والرصاص والصفر (النحاس) والماس وغيرها من أنواع المعادن.
• أما العلة في الأربعة: كونها مكيلة مطعومة، يعني أن العلة مركبة من شيئين الكيل والطعم، إذ هذا هو الواقع فهي مكيلة مطعومة ويظهر أثر الخلاف في الأمثلة: فإذا باع صاعًا من دقيق بصاعين منه فإذا قلنا: إن العلة الكيل فلا يجوز، وإن قلنا: إن العلة الطعم جاز، وإن قلنا: العلة الكيل مع الطعم جاز أيضًا.
• وإذا باع فاكهة بجنسها متفاضلة فإن قلت: العلة الطعم فلا يجوز، وإن قلنا: العلة الكيل جاز، وإن قلنا: العلة الكيل مع الطعم جاز، فالأمثلة تبنى على الخلاف في تحديد العلة.
• فإن قال قائل: سلمنا أنها مطعومة في البر والشعير والتمر، لكن ما القول في الملح؟ أجاب عنه شيخ الإِسلام: بأن الملح يصلح به الطعام فهو تابع له، ولهذا يقال:"النحو في الكلام كالملح في الطعام" فالملح من توابع الطعام، وبناءً على هذا التعليل يجرى الربا في التوابل التي يصلح بها الطعام، لأنها تابعة له. انتهى.
• وليس القصد هنا ذكر أحكام الربا وشروطه ومسائله، بل القصد هنا التعرف على أحكام بعض البيوع الربوية، وهي التي ورد النهى عنها في السنة.
• ومن هذه البيوع ما يلي:
1 -
بيع العينة:
العينة لغة: السلف.
وشرعًا: هو أن يبيع البائع شيئًا من غيره بثمن مؤجل، ويسلم إلى المشترى ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن أقل مما باع به وينقده الثمن.
ومثاله: قول القائل أنا بعت على زيد سيارة بعشرين ألفًا إلى سنة، فهذا بيع نسيئة، ثم إنى اشتريتها من هذا الرجل بثمانية عشر ألفًا.
(1) أخرجه مسلم (1591).
(2)
التِّبر: هو الذهب والفضة قبل أن يضربا دنانير ودراهم، فإذا ضربا كانا عينًا.
فهذا حرام لا يجوز، لأنه حيلة واضحة، لأن الرجل أعطى عينًا وأخذ عينًا، والعين النقد.
وهي محرمة لقول النبى صلى الله عليه وسلم: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم"(1).
إذًا هو محرم، بل من كبائر الذنوب (2).
• من مسائل العينة في زماننا:
• قال الشيخ ابن العثيمين - رحمه الله تعالى -:
ومن مسائل العينة أو من التحيل على الربا ما يفعله بعض الناس اليوم، يحتاج إلى سيارة، ويذهب إلى تاجر، ويقول أنا أحتاج السيارة الفلانية في المعرض الفلانى، فيذهب التاجر ويشتريها من المعرض بثمن، ثم يبيعها بأكثر من الثمن على هذا الذي احتاج السيارة إلى أجل، فهذا حيلة ظاهرة على الربا، لأن حقيقة الأمر أنه أقرضه ثمن السيارة الحاضرة بزيادة، لأنه لولا طلب هذا الرجل ما اشتراها ولا قرب إليها، وهذه حيلة واضحة، وإن كان مع الأسف كثير من الناس انغمس فيها، ولكن لا عبرة بعمل الناس، العبرة بتطبيق الأحكام على النصوص الشرعية.
وكذلك أيضًا انتشرت حيلة سابقة: يأتى الفقير إلى شخص فيقول أنا أحتاج ألف ريال، فيذهب التاجر إلى صاحب دكان عنده أكياس رز أو أي شىء فيشترى التاجر الأكياس من صاحب الدكان مثلًا بألف ريال، ثم يبيعها على المحتاج بألف ومائتين، ونحن نعلم أنه لا يجوز أن يباع قبل قبضه، فكيفية القبض عندهم أن يمسح على الأكياس بيده، مع أن النبى صلى الله عليه وسلم "نهى أن تباع السلع حيث تباع حتى يحوذها التجار إلى رحالهم"(3) فهل هذا قبض؟ هذا يسمى عَدًّا ولا يسمى قبضًا، لكن كانوا يفعلون هذا، بعد ذلك يأتى الفقير إلى صاحب الدكان الذي عنده هذه الأكياس، ويبيعها عليه بأقل مما اشتراها من التاجر، لأن الفقير يريد دراهم ولا يريد أكياس طعام، فمثلًا يبيعها على صاحب الدكان بألف إلا مائة ريال، فيؤكل
(1) صحيح: أخرجه أبو داود (3462) وغيره من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وانظر الصحيحة (11).
(2)
راجع الشرح الممتع لابن عثيمين رحمه الله تعالى (8/ 223).
(3)
حسن: أخرجه أبو داود (3499) وغيره.
المسكين الفقير من الجانبين، من جانب التاجر الأول ومن صاحب الدكان، فصاحب الدكان أخذ منه مائة ريال، والتاجر أخذ مائتين زائدًا على الألف، وهذه سماها شيخ الإسلام رحمه الله الحيلة الثلاثية، لأنها مكونة من ثلاثة أشخاص، ومسائل الربا لا تحل بالحيل (1). انتهى.
قلت (فؤاد): ومن مسائل العينة في عصرنا أيضًا ما يسميه بعض التجار "الحرق" أي حرق السلعة بمعنى أنه يبيع مثلًا الثلاجة للمشترى بمبلغ 1500 جنيه مؤجلًا على أقساط، ويشتريها منه نقدًا بمبلغ 1000 جنيه.
• ومنهم من يقوم ببناء البيت لشخص ما فيتكلف عليه عشرون ألفًا، ويبدأ يقبض من صاحب البيت مؤجلًا ثلاثين ألفًا، أو يعمل له عمرة للسيارة وغير ذلك من الحيل الربوبية، فانتهوا أيها المرابون حتى لا تصيبكم حرب الله تعالى، واعلم أن رزقك الذي كتب لك سوف يأتيك فاطلبه بالحلال ولا تستعجل فتطلبه بالحرام، ولو صبرت لجاءك بالحلال.
• قال الشيخ ابن العثيمين رحمه الله:
واعلم: أنه كلما احتال الإنسان على محرم لم يزدد إلا خبثًا، فالمحرم خبيث، فإذا احتلت عليه صار أخبث، لأنك جمعت بين حقيقة المحرم وبين خداع الرب عز وجل، والله سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية "وإنما الأعمال بالنيات"(2) ولولا الزيادة الربوية ما عرفت هذا الرجل، والعجيب أن الشيطان يغر ابن آدم فيقول: نحن نفعل هذا رحمة بالفقير من أجل أن تتيسر أحواله، ولولا هذا ما تيسرت، لكن أقول لكم كلما كان أفقر صارت الزيادة عليه أكثر، فهذه نقمة وليست رحمة، فمثلًا: يأتى إنسان متوسط الحال يستدين من هذا الرجل فيبيع عليه ما يساوى ألفًا بألف ومائتين، ويأتى إنسان آخر يستدين من أجل أن يأكل هو وأهله فيبيع عليه ما يساوى ألفًا بألف وخمسمائة، فيقول: لأن هذا لا يفى، ومتى يفى؟ فأين الرحمة؟ ولو كان غرضه الرحمة بالفقير لكان هذا الثاني أولى بالرحمة من الأول المتوسط الحال، لكن الشيطان يلعب على ابن آدم (3). انتهى.
(1) الشرح الممتع (8/ 224 - 225).
(2)
أخرجه البخاري، ومسلم وغيرهما.
(3)
الشرح الممتع (8/ 226).
• وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى -:
فيا سبحان الله! أيعود الربا الذي عظَّم الله شأنه في القرآن، وأوجب محاربة مستحله، ولعن آكله وشاهديه وكاتبه، وجاء فيه من الوعيد ما لم يجىء في غيره إلى أن يستحل نوعاه بأدنى حيلة لا كلفة فيها أصلًا إلا بصورة عقد هى عبث ولعب يضحك منها ويستهزأ بها؟ (1).
2 -
بيع المزابنة والرخصة في العرايا:
المزابنة: مأخوذة من الزَبْن.
وهو في اللغة: الدفع لأنها تؤدى إلى النزاع والمدافعة.
وفي الاصطلاح الفقهى: المزابنة: هى كل شىء من الجزاف الذي لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده، ابتيع بشىء مسمى من الكيل، والوزن، والعدد ظنًا وتقديرًا، وذلك بأن يقدر مثلًا الرطب على النخل بمقدار مائة صاع، فيبيع بقدره من التمر.
• عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة: أن يبيع ثمر حائطة، إن كانت نخلًا، بتمر كيلًا، وإن كان كرمًا، أن يبيعه بزبيب كيلًا، وإن كان زرعًا، أن يبيعه بكيل طعام، نهى عن ذلك كله"(2).
• عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة والمحاقلة"(3).
• عن سهل بن أبي حثمة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر (بالتمر) وقال: "ذلك الربا، تلك المزابنة" إلا أنه رخص في بيع العريَّة النخلة والنخلتين يأخذها أهل البيت يخرصها تمرًا، يأكلونها رطبًا"(4).
• والعريَّة: مفرد العرايا.
• وهي بيع الرطب على النخل بتمر في الأرض.
• اتفق العلماء على تحريم بيع المزابنة لأنها ربا، لأنه بيع مكيل بمكيل من جنس مع عدم المساواة بينهما بالكيل أو لعدم العلم بالمماثلة فيهما.
• قال صديق حسن خان رحمه الله:
(1) إعلام الموقعين (3/ 295).
(2)
أخرجه البخاري (2205) ومسلم (1542) وغيرهما.
(3)
أخرجه البخاري (2381) ومسلم (1543) وغيرهما.
(4)
أخرجه البخاري (2383) ومسلم (1540) وغيرهما.
والذي أخبرنا بتحريم الربا، ومنعنا من المزابنة هو الذي رخص لنا في العرايا، والكل حق وشريعة واضحة وسنة قائمة ومن منع ذلك فقد تعرض لرد الخاص بالعام ولرد الرخصة بالعزيمة ولرد السنة بمجرد الرأى، وهكذا من منع من البيع وجوز الهبة: كما روى عن أبي حنيفة رحمه الله ولكن هذه الرخصة مقيدة بأن يكون الشراء بالوسق والوسقين والثلاثة والأربعة كما وقع في حديث جابر (1). فلا يجوز الشراء بزيادة على ذلك (2).
• قال ابن المنذر: ادعى الكوفيون أن بيع العرايا منسوخ بنهيه صلى الله عليه وسلم من بيع الثمر بالتمر وهذا مردود لأن الذي روى النهى عن بيع الثمر بالتمر هو الذي روى الرخصة في العرايا فأثبت النهى والرخصة معًا (3).
• وعند الحنابلة: (لا تجوز العريَّة إلا لحاجة صاحب الحائط إلى البيع أو لحاجة المشترى إلى الرطب. والله أعلم)(4).
3 -
بيع المحاقلة:
المحاقلة في اللغة:
مأخوذة من الحقل: وهو الحرث، وموضع الزرع.
• وفي الاصطلاح: بيع الحنطة في سنبلها بحنطة صافية بالظن والتقدير. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة"(5).
• قال النووى رحمه الله:
اتفق العلماء على تحريم بيع الرطب بالتمر في غير العرايا، وأنه ربا، وأجمعوا أيضًا على تحريم بيع العنب بالزبيب، وأجمعوا أيضًا على تحريم بيع الحنطة في سنبلها بحنطة صافية، وهي المحاقلة (6).
(1) عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أذن للعرايا أن يبيعوها يخرصها يقول: "الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة" وهو حديث صحيح: أخرجه أحمد (3/ 360) وابن حبان (5008) وغيرهما.
(2)
الروضة الندية (2/ 239).
(3)
فتح البارى (4/ 453).
(4)
فتح البارى (4/ 459).
(5)
أخرجه البخاري (2381) ومسلم (1543).
(6)
شرح صحيح مسلم (5/ 197).
• ولا يختلف الفقهاء في أن بيع المحاقلة غير جائز، وهو فاسد عند الحنفية، باطل عند غيرهم، وذلك لحديث جابر السابق ذكره، ولأنه بيع مكيل بمكيل من جنسه، فلا يجوز خرصا (ظنًّا وتقديرًا) لأن فيه شبهة الربا الملحقة بالحقيقة في التحريم.
ولعدم العلم بالمماثل، والجهل بالتساوى كالعلم بالتفاضل وأيضًا تزيد المحاقلة -كما قال الشافعية على المزابنة- فإن المقصود من المبيع فيها مستور بما ليس من صلاحه فانتفت الرؤيا أيضًا (1).
4 -
بيع اللحم بالحيوان:
عن سعيد بن المسيب: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان"(2).
• قال أبو عمر ابن عبد البر:
وقد اختلف الفقهاء في القول بهذا الحديث وفي معناه، فكان مالك يقول: المراد من هذا الحديث تحريم التفاضل في الجنس الواحد، وهو عنده من باب المزابنة والغرر، لأنه لا يدرى هل في الحيوان مثل اللحم الذي أعطى أو أقل أو أكثر.
• وبيع اللحم باللحم لا يجوز متفاضلًا، فكذلك بيع الحيوان باللحم إذا كانا من جنس واحد، والجنس الواحد عنده. الإبل والبقر والغنم وسائر الوحش وذوات الأربع المأكولات، هذا كله عنده جنس واحد؛ لا يجوز بيع لحمه بلحمه إلا مثلًا بمثل.
• ولحوم الطير كلها صنف واحد: الإوز، والبط، والدجاج، والحمام واليمام، ولا يجوز لحم شىء منه بشىء من الجنس المذكور، إلا مثلًا بمثل، ويجوز على التحرى. قال ابن عبد الحكم: لا يجوز التحرى إلا فيما قل مما يدرك ويلحقه التحرى، وأما ما كثر، فلا يجوز فيه التحرى، لأنه لا يحاط بعلمه انتهى باختصار (3).
(1) راجع الموسوعة الفقهية الكويتية (9/ 138).
(2)
أخرجه مالك في الموطأ (2/ 655)، قال ابن عبد البر: لا أعلم هذا الحديث يتصل من وجه ثابت من الوجوه عن النبى صلى الله عليه وسلم وأحسن أسانيده مرسل سعيد بن المسيب هذا. التمهيد (12/ 135) وقال الإمام البغوي: حديث ابن المسيب وإن كان مرسلًا، لكنه يتقوى بعمل الصحابة، واستحسن الشافعي مرسل ابن المسيب. شرح السنة (8/ 77).
(3)
التمهيد بترتيب الشيخ المغراوى (12/ 136، 140).
5 -
بيع الأشياء بجنسها وبينهما فضل، أو بغير جنسها نسيئة كان ربا:
عن عبادة بن الصامت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق، ولا البُرَّ بالبُرِّ، ولا الشعير بالشعير، ولا التمر بالتمر، ولا الملح بالملح، إلا سواء بسواء، عينًا بعين يدًا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ولكن بيعوا الذهب بالورق، والورق بالذهب، والبر بالشعير، والشعير بالبر، والتمر بالملح، والملح بالتمر يدًا بيد كيف شئتم، وأما نسيئة فلا"(1).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدينار بالدينار لا فضل بينهما، والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما"(2).
عن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه قال: جاء بلال إلى النبى صلى الله عليه وسلم بتمر بَرْنىٍّ، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم:"من أين هذا؟ " قال بلال: كان عندي تمر ردىء، فبعت منه صاعين بصاع لنطعم النبى صلى الله عليه وسلم. فقال النبى صلى الله عليه وسلم عند ذلك:"أوّه، أوّه، عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشترى فبع التمر ببيع آخر ثم اشتر به"(3).
• قال ابن عبد البر: الربا عند جماعة العلماء في المصنف الواحد يدخله من جهتين، وهما: النساء والتفاضل، فلا يجوز شىء من الأنواع الستة بمثله إلا يدًا بيد مثلًا بمثل على ما نص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا اختلف الجنس جاز فيه التفاضل، ولم يجيز فيه النساء. وقاسوا عليها ما أشبهها وما كان في معناها (4).
• قال الإِمام البغوي - عن حديث "لا تبيعوا الذهب بالذهب" الحديث.
- في الحديث بيان تحريم الفضل والنساء في الصرف عند اتفاق الجنس.
- وفي الحديث دليل على أنه لو باع حُليًّا من ذهب بذهب لا يجوز إلا متساويين في الوزن، ولا يجوز طلب الفضل للصنعة، لأنه يكون بيع ذهب بذهب مع الفضل.
وفيه دليل على أنه لو باع مال الربا بجنسه ومعهما، أو مع أحدهما شىء آخر، مثل أن باع درهمًا ودينارًا بدينارين أو بدرهمين، أو باع درهمًا وثوبًا بدرهمين، أو بدرهم وثوب، لا يجوز، لأن اختلاف الجنس في أحد شقى الصفقة
(1) أخرجه مسلم (1587) وأبو داود (3349) والبغوي في شرح السنة (8/ 2056) وغيرهم.
(2)
أخرجه مسلم (1588) وغيره.
(3)
أخرجه البخاري (2312) ومسلم (1594) وغيرهما.
(4)
راجع التمهيد بترتيب الشيخ المغراوى (12/ 51).
يوجب توزيع ما في مقابلتهما عليهما باعتبار القيمة وعند التوزيع يظهر الفضل، أو يوجب الجهل بالتماثل حالة العقد، والجهل بالتماثل في بيع مال الربا بجنسه بمنزلة يقين التفاضل في إفساد البيع، وإلى هذا ذهب بعض أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، وهذا قول شريح، وابن سيرين، وإبراهيم النخعى، وإليه ذهب ابن المبارك، والشافعى، وأحمد، وإسحاق (1).
• ومن ذلك لا يجوز إبدال الذهب القديم بالجديد مع إعطاء الفرق بمعنى أن المرأة تعطى الصائغ 100 جم من الذهب القديم وتستبدله بوزن 200 جم وتدفع الفرق من الجنيهات مثلًا. وهذه صورة من صور الربا المحرم.
• وقد سئل الشيخ ابن العثيمين - رحمه الله تعالى - عن ذلك فقال: لا يجوز أن تبدل ذهبًا رديئًا بذهب طيب وتعطى الفرق. هذا محرم ولا يجوز ويدل لذلك ما يثبت في الصحيحين وغيرهما في قصة بلال رضي الله عنه: جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم بتمر جيد فقال له: "من أين هذا" قال بلال: كان عندنا تمر ردىء فبعت منه صاعين بصاع ليطعم النبى صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوه لا تفعل عين الربا عين الربا"(2).
فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن زيادة ما يجب فيه التساوى من أجل اختلاف الوصف أنها هى عين الربا وأنه لا يجوز للمرء إن يفعله ولكن سول الله صلى الله عليه وسلم كعادته أرشده إلى الطريق المباح فأرشده النبى صلى الله عليه وسلم إلى أن يبيع الردىء بدراهم ثم يشترى بالدراهم تمرًا جيدًا وعلى هذا فنقول إذا كان لدى المرأة ذهب ردىء أو ذهب ترك الناس لبسه فإنها تبيعه بالسوق ثم تأخذ الدراهم وتشترى بها ذهبًا طيبًا تختار هذه الطريقة التي أرشد إليها نبينا صلى الله عليه وسلم (3).
ومن الأخطاء أيضًا بيع الذهب بالأجل، فلابد أن يكون يدًا بيد أي خذ وهات بمعنى ادفع الثمن حالًا وخذ ذهبك وزنًا أما إذا أخذ الذهب ودفع نصف المبلغ أو تبقى من المبلغ شىء لو يسيرًا أعطاه بعد يوم أو أكثر فهذا لا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: "بيعوا الذهب بالذهب
…
يدًا بيد كيف شئتم، وأما نسيئة فلا".
(1) شرح السنة (8/ 65، 66).
(2)
سبق تخريجه قريبًا.
(3)
فقه وفتاوى البيوع (ص: 386، 387) جمعها: أشرف عبد المقصود.
والنسيئة هى التأخير عن الدفع حالًا.
وكذلك لا يجوز بيع الذهب بالشيكات، وذلك لأن الشيكات ليست قبضًا، وإنما هى وثيقة حوالة فقط (1).
وكذلك لا يجوز بيع العملة بأجل، فتأخير أحدهما من ربا النسأ، وهو حرام مطلقًا (2).
ولا يجوز بيع العملات من الجنس الواحد متفاضلة فمثلًا نجد بعض الناس يشترى فئة عشرة جنيهات القديمة بفئة عشرين جنيهًا، بزعم قد أصبحت عُملة أثرية. فهذا لا يجوز للحديث السابق ذكره.
"الدينار بالدينار لا فضل بينها
…
".
إذ الجنس الواحد لابد فيه من التقابض والتساوى في بيع بعضه ببعض، وهذا المعنى لا يقتصر على العملات الورقية فقط، بل كل الأجناس الربوية تأخذ نفس الحكم لعموم الأدلة السابقة.
6 -
بيع الكالئ بالكالئ (الدَّين بالدين):
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم: "نهى عن بيع الكالئ بالكالئ، يعني الدَّين بالدَّين"(3).
على ضعف هذا الحديث. أجمعت الأمة على عدم جواز بيع الدين بالدين.
• وفي ذلك يقول الإِمام أحمد رحمه الله:
ليس في هذا حديث يصح، لكن إجماع الناس على أنه لا يجوز بيع دين بدين (4).
• وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن بيع الدين بالدين لا يجوز (5).
(1) المصدر السابق (ص 389، 391).
(2)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (13/ 441 - 443).
(3)
إسناده ضعيف: أخرجه الحاكم (2/ 57) والدارقطنى (3/ 71، 72) والبيهقي (5/ 290 - 291) والطبرانى في الكبير (4/ 267) وغيرهم وقال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام رواه إسحاق والبزار بإسناد ضعيف. وانظر تلخيص الحبير (3/ 62) رقم (1209)، وإرواء الغليل (5/ 1382).
(4)
تلخيص الحبير (3/ 62).
(5)
الإجماع لابن المنذر (ص 56) والمغنى (6/ 106).
• ومعنى الكالئ بالكالئ: أي النسيئة بالنسيئة، وذلك أن يشترى الرجل شيئًا إلى أجل، فإذا حل الأجل لم يجد ما يقضى به، فيقول: بعنيه إلى أجل آخر بزيادة شىء، فيبيعه منه ولا يجرى بينهما تقابض (1).
- وهذه الصورة محرمة بإجماع الأمة، لما فيها من الربا الحرام تطبيقًا لقاعدة "زدنى في الأجل وأزيدك في القدر".
ولكن لبيع الدين صور أخرى منها ما هو جائز ومنها ما هو حرام.
فمثلًا: بيع الدين على الغير: فلا يجوز أن يباع بالدين بل ولا بالعين.
مثال ذلك: إنسان في ذمته لشخص مائة صاع بُر فجعل هذا الرجل يطلبه يقول أعطنى يا فلان وهو يماطل به، فقيل للرجل الذي له الحق نعطيك عنها مائة درهم، ونحن نأخذها من المطلوب فلا يجوز، حتى وإن كان بعين فإنه لا يجوز، فلو قيل: لهذا الرجل الذي له مائة صاع في ذمة فلان سوف نعطيك عنها مائة ريال تأخذها نقدًا فإنه لا يجوز، لأنه يشبه أن يكون غير مقدور على تسليمه، وإذا كان كذلك فإنه يكون فيه غرر إذ إن المطلوب قد يوفى كاملًا وقد لا يوفى فلا يصح. لكن لو كان الذي اشترى دين فلان قادرًا على أخذه منه كرجل له سلطة يستطيع أن يأخذ هذا المال الذي في ذمة الرجل في ساعة فالصحيح: أنه يجوز، لأن العلة عن نهى بيع ما في الذمم إنما هى الخوف من الغرر، وعدم الاستلام فإذا زالت العلة زال المعلول وزال الحكم.
ولكن إذا قلنا يجوز إذا كان قادرًا على أخذه لابد أن يكون المدين قد أقر بالدين، أما إذا كان منكرًا، وجاء إنسان وقال أنا أريد أن أشترى دين فلان الذي هو لك وهو منكر ولم يقر، ولكن قال أخاطر فأشتريه وأطالبه عند القاضى فلا يجوز، لأنه مخاطرة، لكن كلامنا فيما إذا باع دينًا في ذمة مقر على شخص قادر على استخراجه، فالصواب أنه جائز.
ومن صوره بيع الدين على من هو في ذمته.
مثاله: أنا أطلب شخصًا مائة صاع بُر فجاء إلىَّ وقال: أنا ليس عندي بُر، ولكن أنا أعطيك عن المائة صاع مائتى ريال، فهنا بيع دين بدين ففيه تفصيل.
إن كان باعه بسعر وقته فلا بأس وإن باعه بأكثر فإنه لا يجوز.
(1) النهاية لابن الأثير (4/ 194).
والدليل: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "كنا نبيع الإبل بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير ونبيع بالدنانير فنأخذ عنها الدراهم" فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شىء"(1) فاشترط النبى صلى الله عليه وسلم شرطين:
الشرط الأول: أن تأخذها بسعر يومها.
الشرط الثاني: أن لا يتفرقا وبينهما شىء.
فالعلة في الشرط الأول: إذ إنه إذا أخذها بأكثر فقد ربح فيما لم يدخل في ضمانه.
وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم: "عن ربح ما لم يضمن"(2).
مثاله: الدينار يساوى عشرة فقال: أنا آخذ منك: بأحد عشر فهذا لا يجوز، لأن الذي أخذ بأحد عشر بدل الدينار ربح درهمًا فربح في شىء لم يدخل في ضمانه، لأن الدنانير في ضمان من هو في ذمته، ولم يدخل عليه إلى الآن.
والمعنى: أن ربح ما لم يضمن: هو أن يبيعه سلعة قد اشتراها ولم يكن قبضها نهى من ضمان البائع الأول ليس من ضمانه فهذا لا يجوز بيعه حتى يقبضه فيكون في ضمانه.
أما العلة في الشرط الثاني: لأنه سيأخذ عن الدنانير دراهم وبيع الدنانير بالدراهم لابد فيها من القبض في مجلس العقد، وحينئذ لو لم يقبض لبطل العقد، كما لو باع دنانير بدراهم ولم يقبض فإنه يبطل العقد (3).
والخلاصة: أن الأصل عدم جواز بيع الدين في الصرف، لأنه يؤدى إلى الربا.
وأما في غير الصرف والسلم فبيع الدين إذا كان من المدين نفسه فجائز في أكثر صوره لحصول القبض من قبل، وإذا كان لغير المدين فإن كان بثمن عين فيجوز في أكثر صوره، بشرط كون الدين مستقرًا، وكون المدين مليا ومقرا، لإمكان التسليم والقبض، وعدم الغرر والضرر، وأما بيع الدين لغير المدين بالدين
(1) حسن: أخرجه أحمد (2/ 83) وأبو داود (3354) وغيرهما.
(2)
صحيح: أخرجه أحمد (2/ 174) وأبو داود (3504) وغيرهما.
(3)
راجع الشرح الممتع (8/ 432 - 436).
فإنه لا يجوز في أكثر صوره، لما فيه من الغرر والجهالة والنهى الوارد في ذلك من عدم جواز بيع الكالئ بالكالئ (1).
7 -
بيعتين في بيعة وهل يلحق بهذا النوع البيع بالتقسيط؟
• عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة"(2).
• عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: "من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا"(3).
• واختلف العلماء في معنى بيعتين في بيعة:
قال الترمذى رحمه الله:
والعمل على هذا عند أهل العلم.
وقد فسَّر بعض أهل العلم، قالوا: بيعتين في بيعة، أن يقول: أبيعك هذا الثوب بنقد بعشرة، وبنسيئة بعشرين، ولا يفارقه على أحد البيعين، فإذا فارقه على أحدهما، فلا بأس إذا كانت العقدة على أحد منهما.
قال الشافعي: ومن معنى نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة، أن يقول: أبيعك دارى هذه بكذا. على أن تبيعنى غلامك بكذا.
فإذا وجب لي غلامك وجب لك دارى، وهذا يفارق عن بيع بغير ثمن معلوم، ولا يدرى كل واحد منهما على ما وقعت عليه صفقته (4).
• قال الخطابى رحمه الله في معالم السنن تعليقًا على حديث "من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا":
لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال بظاهر هذا الحديث أو صحح البيع بأوكس الثمنين، إلا شىء يحكى عن الأوزاعى وهو مذهب فاسد، وذلك لما تتضمنه هذه العقدة من الغرر والجهل. انتهى.
• وتعقبه الشوكانى رحمه الله في نيل الأوطار فقال: ولا يخفى أن ما قاله هو ظاهر الحديث، لأن الحكم له بالأوكس يستلزم صحة البيع به. انتهى.
(1) مجلة الشريعة والدراسات الإِسلامية الكويتية العدد (35)(ص 329).
(2)
حسن: أخرجه الترمذى (1231) وغيره. وراجع إرواء الغليل (5/ 149).
(3)
حسن: أخرجه أبو داود (3461) وغيره. وراجع إرواء الغليل (5/ 149 - 150).
(4)
سنن الترمذى (3/ 533)، بعد الحديث رقم (1231).
• وقال أيضًا الخطابى في معالم السنن باختصار:
وإنما المشهور عن أبي هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم: "أنه نهى عن بيعتين في بيعة" فأما على الوجه الذي ذكره أبو داود، (المقصود حديث
…
فله أوكسهما أو الربا) فيشبه أن يكون ذلك في حكومة في شىء بعينه، كأنه أسلفه دينارًا في قفيزين إلى شهر، فهذا بيع ثانٍ قد دخل على البيع الأول فصار بيعتين في بيعة، فيردان إلى أوكسهما وهو الأصل، فإن تبايعا المبيع الثاني قبل أن يتقابضا الأول كانا مُرْبيين.
ثم قال: وتفسير ما نهى عنه من بيعتين في بيعة على وجهين:
أحدهما: أن يقونا بعتك هذا الثوب نقدًا بعشرة ونسيئة بخمسة عشر، فهذا لا يجوز لأنه لا يدرى أيهما الثمن الذي يختاره منهما فيقع به العقد، وإذا جهل الثمن بطل البيع.
والوجه الآخر: أن يقول: بعتك هذا العبد بعشرين دينارًا على أن تبيعنى جاريتك بعشرة دنانير، فهذا أيضًا فاسد لأنه جعل ثمن العبد عشرين دينارًا وشرط عليه أن يبيعه جاريته بعشرة دنانير، وذلك لا يلزمه، وإذا ألزمه سقط بعض ثمنه، وإذا سقط بعضه صار الباقي مجهولًا.
- ومن هذا الباب أن يقول: بعتك هذا الثوب بدينارين على أن تعطينى بهما دراهم صرف عشرين أو ثلاثين بدينار، فأما إذا باعه شيئين بثمن واحد، كدار وثوب، أو عبد وثوب فهذا جائز وليس من باب البيعتين بالبيعة الواحدة، وإنما هى صفقة واحدة جمعت شيئين بثمن معلوم وعقد البيعتين في بيعة واحدة على الوجهين اللذين ذكرناهما عند أكثر الفقهاء فاسد. انتهى.
- وقوله: "فله أوكسهما" قال الشوكانى رحمه الله: يدل على أنه باع الشىء الواحد بيعتين، بيعة بأقل وبيعة بأكثر. وقيل في تفسير ذلك هو أن يسلفه دينارًا في قفيز حنطة إلى شهر فلما حل الأجل وطالبه بالحنطة قال: بعنى القفيز الذي لك علىَّ إلى شهرين بقفيزين، فصار ذلك بيعتين في بيعة، لأن البيع الثاني قد دخل على الأول فيرد إليه أوكسهما وهو الأول. كذا في شرح السنن لابن رسلان (1).
(1) راجع معالم السنن للخطابى على هامش سنن أبى داود (3/ 739، 740) ونيل الأوطار للشوكانى (6/ 287) وعون المعبود شرح سنن أبى داود (9/ 238) وعارضة الأحوذى لابن العربى (5/ 191، 192).
- وفسره الحنابلة بأن يشترط أحد المتبايعين على الآخر عقدًا آخر، كسلف وقرض، وبيع وإجارة وشركة ونحو ذلك، كقول البائع للمشترى:
بعتك كذا بكذا على أن تؤجرنى دارك بكذا ونحو ذلك، فهذا الشرط يبطل العقد عندهم من أصله.
وحكمه البطلان، لأنه إذا فسد الشرط وجب رد ما يقابله من الثمن، وهو مجهول فيصير الثمن مجهولًا.
وفسره بعضهم بأن يقول البائع: بعتك هذه السلعة بألفين نسيئة، وبألف نقدًا، فأيهما شئت أخذت به.
• أما ابن القيم فيقول: (البيعتان في بيعة) أن يبيعه السلعة بمائة مؤجلة، ثم يشتريها منه بثمانين حالة، فقد باع بيعتين في بيعة، فإن أخذ بالثمن الزائد أخذ بالربا، وإن أخذ بالناقص أخذ بأوكسهما، وهذا من أعظم الذرائع إلى الربا.
وهذا هو المعنى المطابق للحديث، فإنه إذا كان مقصوده الدراهم العاجلة بالآجلة فهو لا يستحق إلا رأس ماله، وهو أوكس الثمنين فإن أخذه أخذ أوكسهما، وإن أخذ الثمن الأكثر فقد أخذ الربا، فلا محيد له عن أوكس الثمنين أو الربا، ولا يحتمل الحديث غير هذا المعنى.
أما أخذه بمائة مؤجلة أو بثمانين حالة، فليس في هذا ربا ولا جهالة، وإنما خيره بأى الثمنين شاء.
• قال الشيخ عبد الرحمن السعدى: الذي يدخل في النهى عن بيعتين في بيعة مسألة العينة وعكسها، لأن فيه محذور الربا وحيلة الربا.
- وأما تفسير الحديث بأن يقول: بعتك هذا البعير بمائة على أن تبيعنى الشاة بعشرة، فلا تدخل لأنه لا محذور في ذلك (1).
(1) توضيح الأحكام من بلوغ المرام للشيخ/ عبد الله البسام (7/ 449، 450).