الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• عن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما البيع عن تراض"(1).
• قال الشيخ ابن العثيمين - رحمه الله تعالى-:
يشترط التراخي من البائع والمشتري، لأننا لو لم نشترط التراضي لأصبح الناس يأكل بعضهم بعضًا فكل إنسان يرغب في سلعة عند شخص يذهب إليه ويقول له اشتريتها منك بكذا، وهذا يؤدى إلى الفوضى والشغب والعداوة والبغضاء. فلا يصح البيع من مكره للاحق.
• والمكره هو الملجأ إلى البيع: أي المغصوب على البيع، فلا يصح من المكره إلا بحق، فلو أن سلطانًا جائرًا أرغم شخصًا على أن يبيع هذه السلعة لفلان فباعها فإن البيع لا يصح، لأنها صدرت عن غير تراض، ومثل ذلك ما لو علمت أن هذا البائع باع عليك حياءً وخجلًا فإنه لا يجوز لك أن تشتري منه ما دمت تعلم أنه لولا الحياء والخجل لم يبع عليك، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: يحرم قبول هدية إذا علم أن الرجل أهداها له على سبيل الحياء والخجل، لأن هذا وإن لم يصرح بأنه غير راضي، لكن دلالة الخال على أنه غير راض.
أما إذا كان الإنسان مكرهًا على البيع بحق فإن هذا إثبات للحق وليس ظلمًا وعدوانًا.
• مثال ذلك: شخص رهن بيته لإنسان في دين عليه وحل الدين فطالب الدائن بدينه، ولكن الراهن الذي عليه الدين أبي، ففى هذا الحال يجبر الراهن على بيع بيته، لأجل أن يستوفى صاحب الحق حقه فيرغم على ذلك (2).
رابعًا: البيوع المحرمة لذاتها
• وهذا النوع من البيوع يشمل كل ما لم تكن له قيمة في الشرع وقد حرمها الله تعالى وحرمها رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن أمثلة ذلك:
• (1) و (2)، و (3) و (4): بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام:
• قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ
…
} الآية (3).
(1) صحيح: أخرجه ابن ماجة (2185) وغيره.
(2)
الشرح الممتع على زاد المستقنع (8/ 120 - 122).
(3)
سورة المائدة: 3.
• وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1).
• عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى إذا حرم شيئًا حرم ثمنه"(2).
• عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو بمكة عام الفتح: "إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام". فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يُطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال: "لا، هو حرام". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: "قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه"(3).
• قال الإِمام البغوي -رحمه الله تعالى-:
في تحريم بيع الخمر (4) والميتة دليل على تحريم بيوع الأعيان النجسة وإن كان منتفعًا بها في أحوال الضرورة.
وفيه دليل أن بيع جلد الميتة قبل الدباغ لا يجوز لنجاسة عينه، وأما بعد الدباغ فيجوز عند أكثر أهل العلم، لقوله عليه الصلاة والسلام:"أيما أهاب دبغ فقد طهر" وقال مالك: لا يجوز.
واختلفوا في عظم ما لا يؤكل لحمه، وفي عظام الميتة، فذهب قوم إلى نجاستها، وتحريم التصرف فيها، وهو قول الشافعي، وذهب قوم إلى أنها لا حياة فيها، ولا يحلُّها الموت، وهي طاهرة بعد زوال الزهومة عنها، وقالوا بطهارة العاج (ناب الفيل) وهو قول أصحاب الرأى.
وتحريم بيع الخنزير دليل على هذا أيضًا، وعلى أن ما لا ينتفع به من الحيوانات لا يجوز بيعها مثل الأسد والقرد والدب والحية والعقرب والفأرة والحدأة والرخمة والنسر، وحشرات الأرض ونحوها.
(1) سورة المائدة: 90.
(2)
صحيح: أخرجه أحمد (1/ 322)، وأبو داود (3488)، والدارقطني واللفظ له (3/ 7) وغيرهم.
(3)
أخرجه البخاري (2236)، ومسلم (1581) وغيرهما.
(4)
والخمر هو كل ما خامر العقل: فيلحق بها الحشيش والأفيون والهيروين والكوكايين والبانجو والبيرة وغير ذلك من الأسماء الحديثة.
وفيه دليل على أن من أراق خمرًا لنصراني، أو قتل خنزيرًا له أنه لا غرامة عليه، لأنه لا ثمن لهما في حق الدين.
وفي تحريم بيع الأصنام دليل على تحريم بيع الصور المتخذة من الخشب والحديد والذهب والفضة وغيرها، وعلى تحريم بيع جميع آلات اللهو والباطل مثل الطنبور والمزمار والمعازف كلها، فإذا طمست الصور، وغيرت آلات اللهو عن حالتها، فيجوز بيع جواهرها، وأصولها، فضة كانت أو حديدًا أو خشبًا أو غيرها. انتهى باختصار (1).
• فقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-:
قال جمهور العلماء: العلة في منع بيع الميتة والخمر والخنزير النجاسة فيتعدى ذلك إلى كل نجاسة، ولكن المشهور عند مالك طهارة الخنزير. والعلة في منع بيع الأصنام عدم المنفعة المباحة، فعلى هذا إن كانت بحيث إذا كسرت ينتفع برضاضها جاز بيعها عند بعض العلماء من الشافعية وغيرهم، والأكثر على المنع حملًا للنهي على ظاهره، والظاهر أن النهي عن بيعها للمبالغة في التنفير عنها، ويلتحق بها في الحكم الصلبان التي تعظمها النصارى ويحرم نحت جميع ذلك وصنعته (2).
(5)
و (6) بيع الكلب والدم والسِّنَّور (القط):
• عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي، وحلوان الكاهن"(3).
• عن أبي جحيفة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب الأمة ولعن الواشمة والمستوشمة، وأكل الربا وموكله، ولعن المصور"(4).
• قال الحافظ ابن حجر: ظاهر النهي تحريم بيع الكلب، وهو عام في كل كلب معلمًا كان أو غيره مما يجوز اقتناؤه أو لا يجوز ومن لازم ذلك أن لا قيمة على متلفه وبذلك قال الجمهور.
والعلة في تحريم بيعه عند الشافعي نجاسته مطلقًا وهي قائمة في المعلم وغيره (5).
(1)"شرح السنة"(8/ 27، 28).
(2)
"فتح البارى"(4/ 497).
(3)
أخرجه البخاري (2237)، ومسلم (1567).
(4)
أخرجه البخاري (2238).
(5)
"فتح الباري"(4/ 499).
• وقوله "نهى عن ثمن الدم": قال الحافظ ابن حجر: المراد تحريم بيع الدم كما حرم بيع الميتة والخنزير، وهو حرام إجماعًا أعنى بيع الدم وأخذ ثمنه" (1).
• وقال الإِمام أحمد رحمه الله: بيع الدم لا يجوز، لأنه نجس (2).
• وقال ابن حزم رحمه الله: وقد حرم الله تعالى الخنزير والخمر، والميتة، والدم فحرم ملك كل ذلك وشربه والانتفاع به وبيعه، ولا يحل بيع كلب أصلًا لا كلب صيد ولا كلب ماشية ولا غيرهما فإن اضطر إليه ولم يجد من يعطيه إياه فله ابتياعه وهو حلال للمشتري حرام على البائع ينتزع منه الثمن متى قدر عليه كالرشوة في دفع الظلم (3).
• أما بالنسبة للسنور أو الهر أو القط فقد جاء النهي عن بيعه أيضًا.
• عن أبي الزبير، قال: سألت جابرًا عن ثمن الكلب والسِّنَّور؟ قال: زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك (4).
• عن جابر رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب والسَنَّور"(5).
قوله (زجر): قال ابن حزم رحمه الله:
الزجر: أشد النهي.
ولا يحل بيع الهر فمن اضطر إليه لأذى الفأر فواجب على من عنده منها فضل عن حاجته أن يعطيه منها ما يدفع به الله تعالى عنه الضرر (6).
7 -
بيع الصُّوَر:
• عن سعيد بن أبي الحسن قال: "كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما إذ أتاه رجل فقال: يا أبا عباس إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي، وإني أصنع هذه التصاوير، فقال ابن عباس: لا أحدثك إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول: "من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ فيها
(1)"فتح البارى"(4/ 499).
(2)
شرح السنة (8/ 25).
(3)
"المحلى"(9/ 8 ، 9).
(4)
أخرجه مسلم (1569).
(5)
صحيح: أخرجه أبو داود (3479)، والترمذي (1279)، وابن ماجة (2161).
(6)
"المحلى"(9/ 13).
أبدًا" فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهُهُ. فقال: "ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر، كل شىء ليس فيه روح" (1).
• عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الذين يصنعون هذه الصُّوَر يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم"(2).
• عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة المصورون"(3).
• عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه تماثيل أو تصاوير"(4) وفي رواية: "كلب ولا صورة"(5).
• قال الإِمام النووي: قال العلماء: تصوير صورة الحيوان (أو ذى الروح) حرام شديد التحريم، وهو من الكبائر، لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث، وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره، فصنعته حرام بكل حال، لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى، وسواء ما كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها، وأما تصوير غير ذى الروح كالشجر فليس بحرام. هذا حكم نفس التصور، وأما اتخاذ المصور وفيه صورة ذى روح فإن كان معلقًا في حائط أو ثوب مما لا يمتهن فهو حرام، وإن كان في بساط يداس أو مخدة ونحوهما مما يمتهن فليس بحرام ولا فرق في هذا كله بين ما له ظل وما لا ظل له. ولكن هل يمنع دخول ملائكة الرحمة هذا البيت؟ والأظهر أنه عام في كل كلب وكل صورة، وأنهم يمتنعون من الجميع لإطلاق الأحاديث. والله أعلم. انتهى باختصار (6).
• وقال ابن حزم رحمه الله: لا يحل بيع الصور إلا للعب الصبايا فقط. وحرام علينا تنفير الملائكة عن بيوتنا وهم رسل الله عز وجل والمتقرب إليه عز وجل بقربهم (7). انتهى باختصار.
(1) أخرجه البخاري (2225)، ومسلم (2110) وغيرهما.
(2)
أخرجه البخاري (5951)، ومسلم (2108) وغيرهما.
(3)
أخرجه البخاري (5950)، ومسلم (2109) وغيرهما.
(4)
أخرجه مسلم (2112).
(5)
أخرجه البخاري (3322).
(6)
راجع شرح صحيح مسلم للنووى (6/ 745) د. قلعجي، وشرح صحيح مسلم للأُبّي (7/ 252، 253)
(7)
"المحلى"(9/ 25، 26).
8 -
بيع آلات اللهو والمعازف والطرب:
• من المعلوم لكل من اطلع على كتب الأئمة، اتفاقهم على تحريم الغناء الذي تصحبه آلات الطرب والمعازف، ولا عبرة بقول من شذ وخالف. وإليك بعض الأدلة في ذلك.
• قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود -وهو أحد السابقين الأولين، ومن كبار علماء الصحابة والمفتين فسر هذه الآية بالغناء، كما روى ذلك عنه أبو الصهباء البكرى أنه سمع عبد الله بن مسعودِ وهو يُسأل عن هذه الآية {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} فقال عبد الله:"الغناء، والذي لا إله إلا هو" يرددها ثلاث مرات (2).
• عن أبي مالك أو أبي عامر الأشعرى أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخَمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم -جبل- يروح عليهم بسَارحة لهم -أي ماشية- يأتيهم -يعني الفقير- لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غدًا، فيبيتهم الله ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة"(3).
• في هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيكون أقوام من أمته "يستحلون الحِرَ" وهو الفرج، وهو كناية عن الزنا، والحرير والخمر والمعازف، وقوله "يستحلون" صريحة في أن المذكورات ومنها "المعازف" هى في الشرع محرمة، فيستحلها أولئك القوم.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قرن المعازف مع المقطوع بحرمته وهو "الزنا والخمر" ولو لم تكن محرمة ما قرنها معها، ثم أخبر عن أقوام من هؤلاء المستحلين لهذه المحرمات أنهم ينزلون إلى "جنب علم" وهو: الجبل العالي، وعندهم الراعي يسرح
(1) سورة لقمان: 6، 7.
(2)
حسن: أخرجه ابن جرير الطبرى في تفسيره، وابن أبي شيبة في المصنف (4/ 373)، والحاكم (2/ 411)، والبيهقي في السنن (10/ 223).
(3)
أخرجه البخاري (5590).