الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: «من قتل متعمدًا دُفع إلى أولياء المقتول فإن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا أخذوا الدية، وهي ثلاثون حُقَّة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة، وما صولحوا عليه فهو لهم» وذلك لتشديد العقل (1).
استيفاء القصاص
1 -
زمان الاستيفاء (2)؟
إذا ثبت القصاص بشروطه، جاز للولي استيفاؤه فورًا من غير تأخير؛ لأنه حقُّه، لكنه لا يكون مستحقًّا له حتى يموت المجني عليه، فإذا جُرح جرحًا نافذًا لم يُقتص من الجاني حتى يموت المجني عليه؛ لأنه ربما شفي فلا يُقتل الجاني.
وقد نصَّ الفقهاء على أن القاتل إذا كان امرأة حاملًا: يؤخر القصاص حتى تلد، حفاظًا على سلامة الجنين وحقه في الحياة، بل إنها تُنظر إلى الفطام أيضًا إذا لم يوجد غيرها لإرضاعه.
2 -
مكان الاستيفاء (3):
ليس للقصاص في القتل مكان معين، لكن إذا التجأ الجاني إلى الحرم فقد اختلف الفقهاء فيه:
فذهب المالكية والشافعية - وأبو يوسف من الحنفية - إلى أنه يخرج منه ويُقتل خارجه.
وذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه لا يخرج منه ولا يُقتل فيه، لكن يمنع عنه الطعام والشراب حتى يخرج من الحرم بنفسه ويقتص منه.
هذا إذا كانت جنايته قد وقعت خارج الحرم أصلًا، وأما إذا وقعت جنايته - في الأصل - داخل الحرم، جاز الاقتصاص منه في الحرم وخارجه باتفاق الفقهاء.
قلت: صحَّ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «من قتل أو سرق في الحل، ثم دخل الحرم، فإنه لا يجالس، ولا يكلم، ولا يؤذي، ويناشد حتى يخرج، فيقام عليه،
(1) حسن: تقدم قريبًا.
(2)
«ابن عابدين» (3/ 148)، و «الزرقاني» (8/ 24)، و «مغني المحتاج» (4/ 43)، و «المغني» (7/ 731).
(3)
«ابن عابدين» (5/ 352)، والمراجع السابقة.
ومن قتل أو سرق فأخذ في الحل فأدخل الحرم، فأرادوا أن يقيموا عليه ما أصاب، أُخرج من الحرم إلى الحل، وإن قتل في الحرم أو سرق أقيم عليه في الحرم» (1).
3 -
إذن الإمام في القصاص (2):
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز استيفاء القصاص إلا بإذن الإمام فيه لخطره، ولأن وجوبه يفتقر إلى اجتهاد، لاختلاف الناس في شرائط الوجوب
والاستيفاء، ويسن عند الشافعية حضور الإمام القصاص.
وذهب الحنابلة إلى أنه لا يستوفى القصاص إلا بحضرة السلطان أو نائبه، فإذا استوفاه الولي بنفسه دون إذن السلطان جاز، ويُعزَّر لافتئاته على الإمام.
4 -
كيفية القصاص (3):
ذهب جمهور العلماء منهم مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين واختارها شيخ الإسلام إلى أن القاتل يُقتص منه بمثل الطريقة والآلة التي قتل بها، فمن قتل بخنق أو إغراق أو بتجريع سمٍّ ونحو ذلك، يُفعل به كما فعل، ما لم يكن هذه الطريقة محرمة لذاتها كالقتل بتجريع خمر أو اللواط به أو إحراقه ونحو ذلك، واحتجوا بما يلي:
1 -
قوله تعالى: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} (4).
2 -
وقوله سبحانه: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} (5).
3 -
وقوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى} (6). ولا شك أن تمام المقاصة أن يُفعل به كما فعل.
4 -
حديث أنس رضي الله عنه «أن يهوديًّا رضَّ رأس جارية بين
حجرين، فقيل لها: من فعل بك هذا؟ فلان أو فلان حتى سُمِّي اليهودي فأومأت برأسها، فجيء به فاعترف فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فَرُضَّ رأسه بحجرين» (7).
(1) إسناده صحيح: أخرجه عبد الرزاق (9/ 304).
(2)
«ابن عابدين» (5/ 452)، و «منح الجليل» (4/ 345)، و «الدسوقي» (4/ 40)، و «الإنصاف» (9/ 487).
(3)
«البدائع» (7/ 245)، و «ابن عابدين» (5/ 346)، و «الدسوقي» (4/ 265)، و «روضة الطالبين» (9/ 229)، و «الإنصاف» (9/ 490)، و «المغني» (7/ 688)، و «مجموع الفتاوى» (28/ 381).
(4)
سورة النحل: 126.
(5)
سورة البقرة: 194.
(6)
سورة البقرة: 178.
(7)
صحيح: أخرجه البخاري (6879)، ومسلم (1672).