الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثانية: التنصيص على نهي العباد عن أن تأخذهم رأفة بالزناة:
قال الله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} (1).
فنهى الله تعالى عباده أن تأخذهم رأفة في دينه، بحيث تمنعهم من إقامة الحدِّ
عليهم، فإنه سبحانه من رأفته ورحمته بهم شرع هذه العقوبة، فهو أرحكم بكم، ولم تمنعه رحمته من أمره بهذه العقوبة، فلا يمنعكم أنتم ما يقوم بقلوبكم من الرأفة من إقامة أمره.
الثالثة: أمره سبحانه يكون حدهما بمشهد من المؤمنين:
فلا يكون في خلو بحيث لا يراهما أحد، وذلك أبلغ في مصلحة الحد وحكمة الزجر، قال تعالى:{وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} (2).
اللِّواط
تعريفه:
اللواط لغةً: مصدر لاط، يقال: لاط الرجل ولاط، أي عمل عملَ قوم لوط، إذ يعمل هذه الجريمة أحد من العالمين قبل قوم لوط، كما قال تعالى:{أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين} (3).
واللواط اصطلاحًا: إيلاج ذكر في دُبر ذكر [أو أنثى].
حُكم اللواط (4):
أجمع أهل العلم على تحريم اللواط، وأنه من أغلظ الفواحش، وقد ذكر الله سبحانه عقوبة اللوطية وما حلَّ بهم من البلاء في عشر سور من القرآن الكريم، وجمع على القوم بين عمى الأبصار، وخسف الديار، والقذف بالأحجار، ودخول
النار، فمن ذلك:
(1) سورة النور: 2.
(2)
سورة النور: 2.
(3)
سورة الأعراف: 80.
(4)
«زاد المعاد» (5/ 40)، و «روضة المحبين» (ص 371)، و «الحدود والتعزيرات» (ص: 161 - 162).
1 -
قوله تعالى: {أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون} (1).
2 -
قوله سبحانه: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون فأخذتهم الصيحة مشرقين فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل} (2).
3 -
وقوله عز وجل: {فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد} (3).
4 -
وقال محذِّرًا لمن عمل عملهم ما حلَّ بهم من العذاب الشديد: {وما قوم لوط منكم ببعيد} (4).
وأما السنة، فقد ورد اللواط فيها من وجهين:
1 -
وعيد فاعله، لقوله صلى الله عليه وسلم:«لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط» .
2 -
بيان عقوبته، كقوله صلى الله عليه وسلم:«اقتلوا الفاعل والمفعول به» (5).
وأما قضاءً، فلم يقضِ فيه النبي صلى الله عليه وسلم بشيء؛ لأن العرب لم تكن تعرفه، ولم يرفع إليه صلى الله عليه وسلم فيه شيء.
عقوبة اللِّواط (6):
للفقهاء رحمهم الله في عقوبة اللواط اتجاهان:
الاتجاه الأول: لا حدَّ فيه، وإنما يعزَّز فاعله بضرب أو سجن (!!).
وهو مذهب أبي حنيفة وابن حزم، وحجتهم في هذا ما يلي:
(1) سورة الشعراء: 165، 166.
(2)
سورة الحجر: 72 - 74.
(3)
سورة هود: 82، 83.
(4)
سورة هود: 89.
(5)
حسن: أخرجه الترمذي (1456)، وأبو داود (4462)، وابن ماجة (1561)، وأحمد (1/ 300) وغيرهم، وصححه في «الإرواء» (2350).
(6)
«المحلي» (11/ 387)، و «فتح القدير» (5/ 43)، و «المبسوط» (9/ 77)، و «أسهل المدارك» (3/ 165)، و «روضة الطالبين» (10/ 90)، و «الإنصاف» (10/ 176)، و «المغني» (10/ 160 - مع الشرح)، و «سبل السلام» (4/ 1285)، و «نيل الأوطار» (7/ 139)، و «مجموع الفتاوى» (28/ 334)، و «الحدود والتعزيرات» (ص: 173 وما بعدها).
1 -
أنه لم يرد في الشرع للواط عقوبة مقدَّرة (!!) فصار فيه التعزيز، ليكف ضرره عن الناس فقط بما لا يستباح به دمه.
وتُعقِّب: بأنه قد ثبت في السنة حدٌّ معين للِواط وهو القتل - كما سيأتي - وقد ذكر شيخ الإسلام وغيره إجماع الصحابة على قتل فاعله، وإنما اختلفوا في كيفية قتله على ما يأتي، ولذا قال ابن قدامة رحمه الله:«وقول من أسقط الحد عنه (أي: عن اللوطي) يخالف النصَّ والإجماع» اهـ.
2 -
أن التلوُّط: وطء محل لا تشتهيه الطباع، والمعصية إذا كان الوازع عنها طبيعيًّا اكتفى بالوازع عن الحد، كما في وطء الأتان والميتة والبهيمة (!!) ونحو ذلك.
وتعقب: بأن هذا قياس في مقابلة النصّ وإجماع الصحابة فهو فاسد الاعتبار، ثم هو منقوص بوطء الأم والأخت والبنت، فإن النفرة الطبيعية حاصلة مع أن الحد فيه أغلظ الحدود كما تقدم، ثم كيف يقاس وطء الأمرد الجميل - الذي فتنته تربوا على كل فتنة - على وطء أتان أو امرأة ميتة، فهذا عن أفسد القياس.
فائدة: هذا، على أن أصحاب أبي حنيفة صرحوا أنه إذا أكثر منه اللوطي فللإمام أن يقتله تعزيرًا (!!).
الاتجاه الثاني: أن عليه الحدَّ: وعليه جمهور العلماء، ولكنهم اختلفوا في نوعية الحد، وصفة تطبيقه على قولين:
القول الأول: يُحدُّ حدَّ الزنا فيفرق بين المحصن وغيره: وهو مذهب الشافعي، وأحمد في رواية، وصاحبا أبي حنيفة والثوري والأوزاعي، وبه قال ابن المسيب وعطاء والحسن وقتادة والنخعي واحتجوا بما يلي:
1 -
ما يُروى عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتى الرجلُ الرجلَ فهما زانيان» (1) لكنه ضعيف لا يُحتج به.
2 -
قياس اللواط على الزنا بجامع أن كلًّا منهما إيلاج فرج محرَّم في فرج محرم شرعًا، مشتهى طبعًا، فيكون حكمه حكم حد الزنا.
وتعقِّب: بأن القياس لا يكون في الحدود - على الأصحِّ - لأن الحدود تدرأ
بالشبهة، وعلى فرض جواز القياس فيها - كما يقول الأكثرون!! - فيُجاب (2) بأن
(1) ضعيف: أخرجه البيهقي (8/ 232)، وانظر «الإرواء» (2349).
(2)
«نيل الأوطار» للشوكاني (7).
الأدلة الواردة بقتل الفاعل والمفعول به مطلقًا مُخصِّصة لعموم أدلة الزنا الفارقة بين البكر والثيب على فرض شمولها للوطي ومبطلة للقياس المذكور على فرض عدم الشمول؛ لأنه يصير فاسد الاعتبار كما تقرر في الأصول.
القول الثاني: يُقتل حدًّا على كل حال محصنًا كان أو غير محصن: وهو مذهب مالك وإسحاق وأحمد - في أصحِّ الروايتين - والشافعي - في أحد قوليه - وصاحبا أبي حنيفة، وبه قال أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وخالد بن الوليد وعبد الله بن الزبير وابن عباس وطائفة من السلف، وحجتهم:
1 -
حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من وجدتموه يعمل عمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به» (1) وليس فيه تفصيل لمن أحصن أو لم يحصن فدلَّ بعمومه على قتله مطلقًا.
2 -
أنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم أجمعوا على قتله، وإنما اختلفوا في صفته.
3 -
مطابقة هذا القول لقاعدة الشريعة المُطَّردة من تغليظ العقوبات كلما تغلظت المحرمات، ووطء من لا يباح بحال أعظم حُرمًا من وطء من يباح في بعض الأحوال، فيكون حدُّه أغلظ.
كيفية قتل اللوطي:
والذي يترجح أن اللوطى يُقتل على كل حال سواء كان محصنًا أو غير محصن، والمُختار أن يُقتل بالرجم كما رآه الجمهور، وذلك لما يأتي:
1 -
أن الله تعالى سمَّى اللواط فاحشة فقال تعالى: {ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين} (2). وسمَّى سبحانه الزنا فاحشة فقال عز وجل: {ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا} (3).
فيكون الحدُّ في اللواط كالزنا بجامع ما بينهما من الوصف المشترك، غير أنه في اللواط: القتل رجمًا في جميع الأحوال بالنص.
(1) حسن: أخرجه الترمذي (1456)، وأبو داود (4462)، وابن ماجة (1561)، وأحمد (1/ 300) وغيرهم، وصححه الألباني في «الإرواء» (2350).
(2)
سورة العنكبوت: 28.
(3)
سورة الإسراء: 32.
2 -
أن الله تعالى عاقب قوم لوط بالرجم قال سبحانه {وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود} (1).
وهذا قول عمر وعلي وابن عباس وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وهناك ثلاثة آراء أخرى للصحابة رضي الله عنهم في كيفية قتل اللوطي، وهي:
(أ) الرمي من أعلى بناء في البلد ثم إتباعه بالحجارة: وهو مروي عن ابن عباس وأبي بكر رضي الله عنهما، والظاهر لي أن مستنده التشبيه بما فُعل بقوم لوط، قال تعالى:{جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود} (2).
(ب) أن يُلقى عليه حائط: وهو مروي عن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم.
(جـ) إحراق اللوطى بالنار: وهو قول أبي بكر وعليٍّ وابن الزبير رضي الله عنهم.
قلت: والمُختار أن يُقتل رجمًا كما تقدم، على أن هذه الكيفيات جميعًا يشملها عموم الأمر بالقتل، وقد فعلها الصحابة رضي الله عنهم، «وما أحق مرتكب هذه الجريمة ومقارب هذه الرذيلة الذميمة بأن يُعاقب عقوبة بصير بها عبرة للمعتبرين، ويُعذَّب تعذيبًا يكسر شهوة الفسقة المتمردين، فحقيق بمن أتى فاحشة قوم ما سبقهم بها من أحد من العالمين أن يصلي من العقوبة بما يكون في الشدة والشناعة مشابهًا لعقوبتهم، وقد خسف الله تعالى بهم، واستأصل بذلك العذاب بكرهم وثيِّبهم» اهـ (3). والله أعلم.
فائدة: إنما يُقتل الفاعل والمفعول به إذا كانا بالغين، فإن أحدهما غير بالغ عُوقب بما دون القتل (4).
عقوبة من وطئ البهيمة (5):
اختلف أهل العلم في عقوبة من وطئ بهيمة، على ثلاثة أقوال:
الأول: يُقتل كما يُقتل اللُّوطي (يُقتل بكل حال): وقول للشافعي - وعلَّق
القول على صحة الحديث فيه - ورواية عن أحمد، وإليه جنح ابن القيم، لحديث
(1) سورة هود: 82.
(2)
سورة هود: 82.
(3)
«نيل الأوطار» (7).
(4)
«مجموع الفتاوى» (28/ 334).
(5)
«المحلى» (11/ 386)، و «المغني» (9/ 59 - الفكر)، و «سبل السلام» (4/ 1285)، و «نيل الأوطار» (7/ 141)، و «الداء والدواء» (209)، و «الحدود والتعزيرات» (190).
ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى بهيمة فاقتلوه، واقتلوها معه» (1) قالوا: ولأنه وطء لا يُباح بحال، فكان فيه القتل كحد اللوطى.
الثاني: حدُّه حدُّ الزنا، فيفرق بين المحصن وغيره، وهو قول الحسن البصري، ودليله القياس على الزنا بجامع أن كلًا منهما وطء في فرج محرم ليس له فيه شبهة، وقد تقدم ما فيه من نظر، في حد اللواط.
الثالث: يُعزَّر فقط، ولا حدَّ عليه، وهو مذهب الجمهور منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي - في أحد أقواله - وأحمد في إحدى الروايتين، وإسحاق والشعبي والنخعي، ودليلهم أن الحديث في قتله ضعيف - عندهم - والعقوبات المقدرة لابد فيها من دليل مثبت ولا دليل هنا ثابت، فلا حدَّ إذًا.
قلت: مدار الحكم هنا على ثبوت حديث ابن عباس المتقدم كما قال الشافعي رحمه الله فمن صححه لزمه القول الأول، وإلا فالثالث، وقد صحَّح الحديث: الذهبي، والشوكاني، والألباني، ومال إلى صحته البيهقي، وسكت عنه الحافظ في «التلخيص» فهو حسن عنده. وضعَّفه أحمد وأبو داود والطحاوي، وغيرهم (2).
تساحُق النساء (3):
السحاق: مساحقة المرأتين، أي تدالكهما، واستمتاع كل واحدة منهما بالأخرى، وهو حرام بالاتفاق، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يُفضى الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد» (4).
وقد اختُلف في عقوبته، فذهب مالك رحمه الله إلى أنه يجب الحدُّ - مائة جلدة - على كل من المرأتين، واحتج بما يُروى مرفوعًا:«إذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان» (5) لكنه حديث ضعيف، ولذا ذهب الجمهور إلى أن السحاق لا حدَّ فيه، وإنما تعزَّر المرأة بفعله، لأنه مباشرة بلا إيلاج فلا حد فيه، كما لو باشر الرجل المرأة دون إيلاج في الفرج، وهو الصحيح والله أعلم.
(1) صححه الألباني: أخرجه أبو داود (4464)، والترمذي (1455)، وابن ماجة (2564)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (5938).
(2)
«سنن البيهقي» (8/ 233)، و «التلخيص» للذهبي (4/ 355 - مع المستدرك) و «التلخيص الحبير» (4/ 55)، و «نيل الأوطار» (7)، و «صحيح الجامع» (5938)، و «الداء والدواء» (ص: 208 - ط. التوفيقية).
(3)
«المغني» (9/ 58 - الفكر)، و «المحلي» (11/ 392).
(4)
صحيح: أخرجه مسلم (338)، والترمذي (2793)، وأبو داود (4018).
(5)
ضعيف: أخرجه البيهقي (8/ 233).