الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سوى المبيع من ماله. كما لو باع جذعًا معينًا في سقف مبنى، أو ذراعًا من ثوب يضره التبعيض، فإن التنفيذ يقضى بهدم ما حول الجذع وتعطيل الثوب.
• تعريف الميسر (1):
الميسر: هو القمار، واشتقاقه من اليُسر بمعنى السهولة، لأنه كسب بلا مشقة ولا كد، أو من اليسار وهو الغنى، لأنه سببه للرايح، أو من اليَسَر بمعنى التجزئة والاقتسام.
وقيل كل شيء فيه خطر فهو من الميسر.
البيوع المحرمة
قد يكون التحريم بسبب الغرر والجهالة، وقد يكون بسبب الربا، وقد يكون بسبب الضرر، وغير ذلك.
وإليك بعض الأمثلة:
أولًا: البيوع المحرمة بسبب الغرر والجهالة:
وقد سبق تعريف الغرر والجهالة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر وبيع الحصاة"(2).
وزيادة في معنى الغرر.
قال الخطابي -رحمه الله تعالى-:
أصل الغرر هو ما طوى عنك علمه وخفى عليك باطنه وسره، وهو مأخوذ من قولك طويت الثوب على غرة أي على كسْرِ الأول، وكل بيع كان المقصود منه مجهولًا غير معلوم، ومعجوزًا عنه، غير مقدور عليه فهو غرر، وذلك مثل أن يبيعه سمكًا في الماء أو طيرًا في الهواء، أو لؤلؤة في البحر، أو عبدًا آبقًا (3)، أو جملًا شاردًا أو ثوبًا في جراب لم يره ولم ينشره، أو طعامًا في بيت لم يفتحه، أو ولد بهيمة لم يولد، أو ثمرة شجر لم تثمر في نحوها من الأمور التي لا تعلم ولا يدرى هل تكون أم لا؟ فإن البيع فيها مفسوخ.
(1) راجع تفسير المنار (2/ 258) والكليات لأبي البقاء الكفوي (ص:803).
(2)
أخرجه مسلم (1513) وأبو داود (3376) والترمذي (1230) والنسائي (7/ 262) وابن ماجة (2194).
(3)
العبد الآبق: هو الذي هرب من سيده.
وإنما نهى صلى الله عليه وسلم عن هذه البيوع تحصينًا للأموال أن تضيع وقطعًا للخصومة والنزاع أن يقعا بين الناس فيها.
وأبواب الغرر كثيرة وجماعها ما دخل في المقصود منه الجهل (1).
وقال النووى -رحمه الله تعالى-:
أما النهى عن بيع الغرر فهو أصل عظيم من أصول كتاب البيوع، ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة، كبيع الآبق (2) والمعدوم والمجهول، وما لا يقدر على تسليمه، وما لم يتم ملك البائع عليه، وبيع السمك في الماء الكثير، واللبن في الضرع، وبيع الحمل في البطن، وبيع بعض الصبرة مبهمًا (3)، وبيع ثوب من أثواب، وشاه من شياه (4)، ونظائر ذلك، وكل هذا بيعه باطل، لأنه غرر من غير حاجة، وقد يحتمل بعض الغرر بيعًا إذا دعت إليه حاجة كالجهل بأساس الدار، وكما إذا باع الشاة الحامل، والتي في ضرعها لبن، فإنه يصح للبيع، لأن الأساس تابع للظاهر من الدار، ولأن الحاجة تدعو إليه، فإنه لا يمكن رؤيته، وكذا القول في حمل الشاة ولبنها. واعلم أن بيع الملامسة وبيع المنابذة وبيع حبل الحبلة، وبيع الحصاة، وعسب الفحل وأشباهها من البيوع التي جاء فيها نصوص خاصة هى داخلة في النهى عن بيع الغرر، ولكن أفردت بالذكر ونهى عنها لكونها من بياعات الجاهلية الشهورة. والله أعلم انتهى باختصار (5).
ومن أمثلة البيوع المحرمة بسبب الغرر والجهالة ما يأتى:
1 -
بيع المنابذة: هو أن ينبذ الرجل إلى الرجل ثوبه، وينبذ الآخر إليه ثوبه على غير تأمل ويقول كل واحد منهما هذا بهذا.
أو: كأن يقول البائع للمشترى أي ثوب نبذته إليك فسعره بثلاثين جنيهًا مع أن الأسعار داخل المحل مختلفة وكذلك إذا قال المشترى للبائع أي ثوب نبذته إلىَّ فسعره كذا.
فهذا كله منهى عنه لما جاء في الحديث الصحيح.
(1) معالم السنن على هامش سنن أبى داود (3/ 672).
(2)
هو العبد الذي هرب من سيده.
(3)
الصُّبرة: الطعام المجتمع كالكومة.
(4)
المقصود بالثوب والشاة: أى غير محدد ولا معلوم بعينه.
(5)
شرح صحيح مسلم (5/ 144).
- عن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المنابذة، وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى رجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه.
ونهى عن الملامسة، والملامسة: لمس الثوب لا ينظر إليه (1).
فهذا بيع محرم للنهى عنه كما في الحديث السابق، وللجهالة، وأدائه إلى معنى القمار، ولعدم الرؤية، أو للشرط الفاسد، والغرر.
2 -
بيع الملامسة:
هو: أن يلمس الرجل الثوب ولا ينشره، ولا يتبين ما فيه، أو يبتاعه ليلًا ولا يعلم ما فيه.
- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين ولبستين: نهى عن الملامسة والمنابذة في البيع، والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار، ولا يقلبه إلا بذلك. والمنابذة أن ينبذ الرَّجُل إلى الرَّجُل بثوبه وينبذ الآخر إليه ثوبه، ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراضٍ"(2).
- عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نُهى عن لبستين: أن يحتبي الرَّجُل في الثوب الواحد، ثم يرفعه على منكبه، وعن بيعتين: اللماس، والنباذ"(3).
- عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة"(4).
- فهذا البيع كسابقه منهى عنه كما بالحديث بالإضافة إلى الجهل والغرر في المعقود عليه، فأحد العاقدين تحت الخطر إما غانمًا أو غارمًا فيدخلان في باب الميسر المنهى عنه.
3 -
بيع الحصاة:
هو أن يلقى البائع أو المشتري بحصاة فأى ثوب وقع عليه كان هو المبيع بلا تأمل ولا روية ولا خيار بعد ذلك.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر"(5).
(1) أخرجه البخاري واللفظ له (2144) ومسلم (1512) وغيرهما.
(2)
أخرجه البخاري (2144) ومسلم واللفظ له (1512) وغيرهما.
(3)
أخرجه البخاري (2145).
(4)
أخرجه البخاري (2147) ومسلم (1511) وغيرهما.
(5)
أخرجه مسلم (1513) وغيره.
4 -
بيع حَبَلُ الحَبَلَة:
وهو: البيع بثمن مؤجل ولد ولد الناقة بمعنى تلد الناقة، ثم ينظر حتى تحبل المولودة وتلد.
• عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان أهل الجاهلية يتبايعون لحوم الجزور إلى حبل الحبلة، قال: وحَبَل الحَبَلة أن تنتج الناقة ما في بطنها، ثم تحمل التي نُتجت، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك"(1).
• وهذا البيع باطل: لأنه بيع بثمن إلى أجل مجهول، ولأنه بيع معدوم ومجهول وغير مملوك للبائع وغير مقدور على تسليمه، وبيع غرر، وبيع ما لم يخلق، وقد أجمع العلماء: أن هذا لا يجوز في بيوع المسلمين (2).
(5)
و (6) بيع المضامين والملاقيح:
والمضامين: هى ما في البطون وهي الأجنة.
والملاقيح: هى ما في أصلاب الفحول.
• عن سعيد بن المسيب قال: "لا ربا في الحيوان وإنما نهى من الحيوان عن ثلاثة: عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة والمضامين بيع ما في بطون إناث الإبل، والملاقيح بيع ما في ظهور الجمال"(3).
• فهذا البيع لا يجوز أيضًا للأسباب السابقة في حبل الحبلة.
7 -
بيع عسب الفحل:
• عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل"(4).
• عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ضراب الجمل"(5).
• عسب الفحل: هو ضراب الذكر من كل حيوان فرسًا كان أو جملًا أو تيسًا أو غير ذلك.
• والمراد من النهى هو: الأجر الذي يأخذ على ضرابه. فلو استأجر فحلًا بلا
(1) أخرجه البخاري (3843) ومسلم (1514) وغيرهما.
(2)
راجع صحيح مسلم بشرح النووى (5/ 146) والتمهيد لابن عبد البر بترتيب الشيخ المغراوى (12/ 182).
(3)
إسناده صحيح: أخرجه مالك في الموطأ (كتاب البيوع) باب: ما لا يجوز من بيع الحيوان. وانظر شرح السنة للبغوى (8/ 137) طبعة المكتب الإِسلامى.
(4)
أخرجه البخاري (2284) والنسائي (4685).
(5)
أخرجه مسلم (1565) والنسائي (4684).
نزاء لا يجوز، لما فيه من الغرر لأن الفحل قد يضرب وقد لا يضرب، وقد تلقح الأنثى وقد لا تلقح، وقد ذهب إلى تحريمه أكثر الصحابة والفقهاء، ورخص فيه الحسن وابن سيرين وهو قول مالك قال: لأنه من باب المصلحة ولو منع منه، لانقطع النسل، وهو كالاستئجار للإرضاع، وتأبير النخل، وما نهت السنة عنه، فلا يجوز المصير إليه بطريق القياس.
أما إعارة الفحل للإنزاء وإطراقه فلا بأس به، ثم لو أكرمه المستعير بشيء يجوز له قبول كرامته: فقد رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ما حق الإبل؟ قال: "حلبها على الماء، وإعارة دلوها، وإعارة فحلها"(1).
وروى عن أنس بن مالك: "أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل فنهاه، فقال: يا رسول الله إنا نطرق الفحل، فنكرم، فرخص له في الكرامة"(2).
قال معمر عن قتادة: إنه كره عسب الفحل لمن أخذه ولم ير به بأسًا لمن أعطاه (3) انتهى.
• وقال الحافظ ابن حجر عن عسب الفحل ما نصه:
وعلى كل تقدير فبيعه وإجارته حرام لأنه غير متقوم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه، وفي وجه للشافعية والحنابلة تجوز الإجارة مدة معلومة، وهو قول الحسن وابن سيرين ورواية عن مالك، وحمل النهى على ما إذا وقع لأمد مجهول، وأما إذا استأجره مدة معلومة فلا بأس كما يجوز الاستئجار لتلقيح النخل، وتعقب بالفرق لأن المقصود هنا ماء الفحل وصاحبه عاجز عن تسليمه بخلاف التلقيح، ثم النهى عن الشراء والكراء إنما صدر لما فيه من الغرر.
وأما عارية ذلك فلا خلاف في جوازه، فإن أهدى للمعير هدية من المستعير بغير شرط جاز، وللترمذي (4) من حديث أنس:"أن رجلًا من كلاب سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل فنهاه، فقال: يا رسول الله إنا نطرق الفحل فنكرم، فرخص له في الكرامة"(5) انتهى.
(1) أخرجه مسلم (988).
(2)
صحيح: أخرجه الترمذي (1274).
(3)
راجع شرح السنة للبغوى (8/ 128).
(4)
صحيح: أخرجه الترمذي (1274).
(5)
فتح البارى (4/ 539).
• وقال ابن العربى: فإن أجره على الطرق ليس بحمل. دخله الفساد من وجهين:
أحدهما: جهالة الإجارة.
والثانية: جهالة الأجل.
فإن يستأجره وقضى حاجته فيه جاز قبول الكرامة بإزائه، لأنّ المكارمات بقضاء الحاجات ومقابلتها بالمشاركات والمعاوضة جائزة شرعًا، وتدخل في هبة الثواب التي استثناها الشرع من الأعواض المجهولة (1). انتهى باختصار.
8 -
بيع الثمار قبل بدوّ صلاحها (المعاومة والمخاضرة):
• عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع"(2).
• عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تباع الثمرة حتى تُشْقَحَ. فقيل: وما تُشْقَح؟ قال: تَحْمَارُّ وتَصْفَارُّ ويُؤكَلُ منها"(3).
• عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبتاعوا الثمر حتى يبدو صلاحه وتذهب عنه الآفة"(4).
• عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى يزهو (ثمرة النخل حتى تزهو) وعن السُّنْبُل حتى يَبْيَضَّ ويأمن العاهة، نهى البائع والمشتري"(5).
• عن أبي البخترى قال: سألت ابن عباس عن بيع النخل؟
فقال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى يَأكُلَ منه أو يُؤْكَل، وحتى يوزن. قال فقلت: ما يوزن؟ فقال رجل عنده: حتى يحزر (يحرز) "(6).
(1) عارضة الأحوذى (5/ 220).
(2)
أخرجه البخاري (2194) ومسلم (1534) وغيرهما.
(3)
أخرجه البخاري (2196) ومسلم (1543)(84).
(4)
أخرجه مسلم (3791).
(5)
أخرجه البخاري (2195) ومسلم واللفظ له (1535) وغيرهما.
(6)
أخرجه البخاري (2247) ومسلم (1537) وغيرهما.
• ومعنى يحرز: أي يحفظ ويصان (1).
• ومعنى يحزر: أي يوزن أو يخرص (2).
• وفائدة ذلك: معرفة كمية حقوق الفقراء قبل أن يتصرف فيه المالك (3).
• عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه، وعن بيع الثمر بالثمر"(4).
• عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمعاومة والمخابرة (قال أحدهما (5): بيع السنين هى المعاومة) وعن الثُّنْيَا (6) ورخص في العرايا (7) "(8).
• عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض (9)، وعن بيعها السنين، وعن بيع الثمر حتى يطيب"(10).
• عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمخاضرة والملامسة والمزابنة"(11).
• عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهو، فقيل له: وما تُزْهَى؟ قال حتى تحمر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ ".
• وفي رواية: "إن لم يثمرها الله، فبم يستحل أحدكم مال أخيه"(12).
• عن أنس رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ثَمَر التمر حتى يزهو، فقلنا لأنس: ما زهوها؟ قال: تحمر وتصفر، أرأيت إن منع الله الثمر بم تستحل مال أخيك"(13).
(1)، (2)، (3) راجع فتح البارى (4/ 504).
(4)
أخرجه مسلم (1538) وغيره.
(5)
المقصود أحد الرواة وهما أبو الزبير أو سعيد بن ميناء.
(6)
الثنيا: أن يثتثنى من البيع شيئًا مجهولًا فيفسد البيع.
(7)
العرايا: هي بيع الرطب على النخل بالتمر خرصا أي تخمينًا.
(8)
رواه مسلم (1543)(85).
(9)
كراء الأرض: هو إجارتها على تحديد ما يأخذ مثل ما ينبت على حافتى مسيل الماء مثلًا.
(10)
أخرجه مسلم (1543)(86).
(11)
أخرجه البخاري (2207).
(12)
أخرجه البخاري (2198) ومسلم (1555)(17).
(13)
أخرجه البخاري (2208) ومسلم (1555)(15) وغيرهما.
• معنى المخاضرة: هى بيع الثمار والحبوب قبل أن يبدو صلاحها (1).
• ومعنى المعاومة: هى بيع الثمار سنين، وهي ما يسميه الزراع فلان يشترى حديقة فلان سنوات وهي خشب.
• وفي ذلك يقول الإمام النووى رحمه الله:
وأما النهى عن بيع المعاومة وهو بيع السنين، فمعناه أن يبيع ثمر الشجرة عامين أو ثلاثة أو أكثر فيسمى بيع المعاومة، وبيع السنين، وهو باطل بالإجماع، نقل الإجماع فيه ابن المنذر وغيره، لهذه الأحاديث، ولأنه بيع غرر، لأنه بيع معدوم من مجهول غير مقدور على تسليمه وغير مملوك للعاقد. والله أعلم (2).
• وقال المازرى: المعاومة: هى في العرف بيع الثمر سنين.
وعلة المنع أنه من بيع الثمار قبل بدو صلاحها. ولأنه إذا باع سنين فمعلوم أن ما في السنة الثانية لم يوجد. وإذا منع بيعها بعد الوجود وقبل بدو الصلاح، فكيف إذا لم توجد؟ (3).
• وقال أبو عمر ابن عبد البر:
قوله في الحديث "حتى تحمر" يدل على أن الثمار إذا بدا فيها الاحمرار وكانت مما تطيب إذا احمرت مثل ثمر النخل وشبهها حل بيعها، وقبل ذلك لا يجوز بيعها، إلا على القطع في الحين.
وقوله: "أرأيت إن منع الله الثمرة" أي إذا بعتم الثمرة قبل بدو طيبها ومنعها الله كنتم قد ركبتم الغرر وأخذتم مال المبتاع بالباطل، لأن الأغلب في الثمار أن تلحقها الجوائح قبل ظهور الطيب فيها، فإذا طابت أو طاب أولها أمنت عليها العاهة في الأغلب وجاز بيعها، لأنّ الأغلب من هذا كله السلامة (4).
• وقال شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله:
فيه بيان أن في ذلك أكلًا للمال بالباطل، حيث أخذه في عقد معاوضة بلا عوض مضمون وإذا كانت مفسدة بيع الغرر هى كونه مظنة العداوة والبغضاء وأكل
(1) راجع فتح البارى (4/ 472) والروضة الندية (2/ 204).
(2)
شرح صحيح مسلم (5/ 207) د. قلعجى.
(3)
إكمال إكمال المعلم للأُبيّ (5/ 383).
(4)
التمهيد بترتيب الشيخ المغراوى (12/ 223 - 236).
الأموال بالباطل: فمعلوم أن هذه المفسدة إذا عارضتها المصلحة الراجحة قدمت عليها (1).
• وقال ابن قدامة:
لا تخلو الثمرة المباعة من أن يكون قد بدا صلاحها أو لم يبد فإن بدا صلاحها جاز البيع مطلقًا بدون خلاف.
أما إذا لم يبد صلاحها فلا تخلو حالة الشراء من ثلاثة أوجه:
الأول: أن يشترط المشترى بقاءها إلى الحصاد والجز. فهذا لا يجوز ودليله الإجماع المنعقد على ذلك، وسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم:"نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع"(2).
وحكى ابن المنذر إجماع العلماء على هذا.
الثاني: أن يشترط البائع على المشترى القطع في الحال، وحكمه الجواز لأن المنع إنما كان خوفًا من تلف الثمرة وحدوث العاهة عليها قبل أخذها.
وقد روى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهو، قال:"أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه"(3).
وليس فيها غرر، فهو يدخل على بصيرة، وإن كان البيع قبل بدو الصلاح مع شرط القطع لا فائدة فيه غالبًا، ولهذا فحصول مثل هذا نادر أَوْ لا يكاد يقع لأن الإنسان إنما يشترى ما ينفعه والثمرة قبل بدو صلاحها لا نفع فيها في الغالب.
الثالث: أن يبيع الثمرة قبل بدو صلاحها مطلقًا من غير شرط، وقد اختلف الفقهاء في صحة هذا البيع على قولين:
القول الأول: هذا البيع باطل.
وهذا مذهب مالك والشافعى وأحمد.
وحجتهم ما سبق من حديث أنس رضي الله عنه.
القول الثاني: يجوز مثل هذا البيع، ويقطع في الحال. وهذا مذهب أبى حنيفة.
وحجته: أن إطلاق العقد يقتضى القطع فهو كما لو اشترطه، وفسر عن البيع بأنه بيعها مدركة قبل إدراكها بدلالة قوله:"أرأيت إن منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه"(4).
(1) مجموع الفتاوى (29/ 48).
(2)
، (3)، (4) سبق تخريجها قريبًا.
وحاصل قوله يرجع إلى النتيجة التي ذهب إليها الجمهور وهي المنع من البيع بشرط البقاء، لأنه أجاز البيع بشرط القطع.
• واختار ابن قدامة رحمه الله القول الأول وهو عدم الجواز (1).
جمهور الفقهاء -بوجه عام- على أن بيع الثمر قبل بدو صلاحه، غير جائز ولا صحيح (2).
9 -
بيع المجهول:
• عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع ثمرة حتى تطعم، ولا صوف على ظهر، ولا سمن في لبن، ولا لبن في ضرع"(3).
10 -
بيع الثنيا (أو استثناء المجهول في البيع):
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمعاومة والمخابرة وعن الثنيا ورخص في العرايا"(4).
ومعنى الثنيا: الاستثناء، وهي في البيع: أن يبيع شيئًا ويستثنى بعضه، فإن كان المستثنى معلومًا، كشجرة معلومة من أشجار بيعت صح البيع. وإن كان مجهولًا كبعض الأشجار، لم يصح. لما فيه من الجهالة والغرر وأكل مال الناس بالباطل.
11 -
بيع ما ليس عندك والرخصة في بيع السلم أو السلف:
• عن حكيم بن حزام قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يأتينى الرجل يسألنى من البيع ما ليس عندي، أبتاع له من السوق ثم أبيعه؟ قال:"لا تبع ما ليس عندك"(5).
• عن حكيم بن حزام قال: "نهانى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبيع ما ليس عندي"(6).
(1) راجع (اختيارات ابن قدامة الفقهية 2/ 45 - 47).
(2)
الموسوعة الفقهية الكويتية (9/ 189).
(3)
أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 11935) وفي الأوسط (4/ 3720) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 10857) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 102) رجاله ثقات.
(4)
سبق تخريجه قريبًا.
(5)
صحيح: أخرجه أبو داود (3503) والترمذى (1232) والنسائي (4627) وابن ماجة (2187) وغيرهم.
(6)
صحيح: أخرجه الترمذي (1233) وغيره.
قوله: "أبتاع له من السوق ثم أبيعه".
مقصود السائل أنه هل يبيع ما ليس عنده ثم يشتريه من السوق ثم يسلمه للمشترى الذي اشترى له منه. "قال لا تبع ما ليس عندك" أي شيئًا ليس في ملكك حال العقد (1).
• قال الخطابى: قوله: "لا تبع ما ليس عندك" يريد بيع العين دون بيع الصفة ألا ترى أنه أجاز السلم إلى الآجال وهو بيع ما ليس عند البائع في الحال وإنما نهى عن بيع ما ليس عند البائع من قبل الغرر، وذلك مثل أن يبيعه عبده الآبق، أو جَمَلُه الشارد، ويدخل في ذلك كل شىء ليس بمضمون عليه مثل أن يشترى سلعة فيبيعها قبل أن يقبضها، ويدخل في ذلك بيع الرجل مال غيره موقوفًا على إجازة المالك لأنه يبيع ما ليس عنده ولا في ملكه يجيزه وهو غرر لأنه لا يدرى هل يجيزه صاحبه أم لا؟ والله أعلم (2).
• أما بيع السلم أو السلف فهو بمعنى واحد وسمى السلم سلمًا لتسليم رأس المال في المجلس، وسمى سلفًا لتقديمه قبل أوان استلام المبيع.
• ومعنى بيع السلم أو السلف: هو بيع آجل بعاجل، أو بيع شىء موصوف في الذمة أي أنه يتقدم فيه رأس المال، ويتأخر المثمن لأجل، وبعبارة أخرى: هو أن يسلم عوضًا حاضرًا في عوض موصوف في الذمة إلى أجل.
مثاله: كأن يقول صاحب السلم: اشتريت منك طِنًّا من الأرز صفته كذا إلى أجل كذا بسعر خمسمائة جنيهًا ويعطيه الثمن حالًا.
وقبل المسلم إليه (صاحب الأرز).
وهذا النوع جائز بالكتاب والسنة والإجماع.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (3).
قال ابن عباس: "أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في كتابه، وأذن فيه"(4).
(1) تحفة الأحوذى (4/ 360).
(2)
معالم السنن على حاشية سنن أبى داود (3/ 769).
(3)
سورة البقرة: 282.
(4)
حسن: أخرجه الشافعى في مسنده (598) والحاكم (2/ 286) والبيهقى (6/ 18).
• عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون بالتمر السنتين والثلاث، قال: من أسلف في شىء ففى كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم"(1).
أما الإجماع: فقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم جائز، ولأن بالناس حاجة إليه، لأن أرباب الزروع والثمار والتجارات يحتاجون إلى النفقة على أنفسهم أو على الزرع ونحوها حتى تنضج، فجوز لهم السلم دفعًا للحاجة.
• وقد استثنى عقد السلم من قاعدة عدم جواز بيع المعدوم، لما فيه من تحقيق مصلحة اقتصادية، ترخيصًا للناس، وتيسيرًا عليهم، وصرح في المدونة بأن السلم رخصة مستثناة من بيع ما ليس عند بائعه.
• وقال زكريا الأنصارى: السلم عقد غرر جُوِّز للحاجة (2).
• قال القرافى: السلف رخَّص فيه صاحب الشرع لمصلحة المعروف بين العباد فاستثناه لذلك (3).
ظن بعض العلماء خروجه عن القياس وعده من "باب بيع ما ليس عندك" المنهى عنه في حديث حكيم بن حزام.
ولكن هذا الظن بعيد عن الصواب وليس بشىء، فإن حديث حكيم بن حزام يراد به بيع عين معينة ليست في ملك البائع حينما أجرى عليها العقد، وإنما يشتريها من صاحبها فيسلمها للمشترى الذي اشتراها منه قبل دخولها في ملكه، وهذا هو صريح الحديث وقصته.
فأما السلم فهو متعلق بالذمة لا العين، فهو بيع موصوف في الذمة، لذا فهو على وفق القياس، والحاجة داعية إليه (4).
• وقال ابن القيم رحمه الله:
وقد فطر الله العقلاء على الفرق بين بيع الإنسان ما لا يملكه ولا هو مقدور
(1) أخرجه البخاري (2240) ومسلم (1604).
(2)
راجع الفقه الإِسلامى (د. وهبة الزحيلى)(4/ 598) والموسوعة الفقهية الكويتية (25/ 194
(3)
الذخيرة (5/ 255).
(4)
توضيح الأحكام من بلوغ المرام (4/ 62).