الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
508 - عَليّ بن عمر بن مُحَمَّد بن الْحسن الْحَرْبِيّ أَبُو الْحسن بن الْقزْوِينِي
أحد أَوْلِيَاء الله المكاشفين بالأسرار الْمُتَكَلِّمين على الخواطر
تفقه على الداركي
قَالَ الْخَطِيب كتبنَا عَنهُ وَكَانَ أحد الزهاد الْمَذْكُورين وَمن عباد الله الصَّالِحين يقْرَأ الْقُرْآن ويروي الحَدِيث وَلَا يخرج من بَيته إِلَّا للصَّلَاة وَكَانَ وافر الْعقل صَحِيح الرَّأْي رَحْمَة الله عَلَيْهِ قَالَ لي ولدت سنة سِتِّينَ وثلاثمائة
قلت سمع أَبَا حَفْص بن الزيات وَالْقَاضِي أَبَا الْحسن الجراحي وَأَبا عمر ابْن حيويه وَأَبا بكر بن شَاذان وطبقتهم
روى عَنهُ أَبُو عَليّ أَحْمد بن مُحَمَّد البرداني وَأَبُو سعد أَحْمد بن مُحَمَّد بن شَاكر الطرسوسي وجعفر بن أَحْمد السراج وَالْحسن بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الباقرحي وَأَبُو مَنْصُور أَحْمد بن مُحَمَّد الصَّيْرَفِي وَعلي بن عبد الْوَاحِد الدينَوَرِي وَهبة الله بن أَحْمد الرَّحبِي وَغَيرهم
وَله مجَالِس مَشْهُورَة يَرْوِيهَا النجيب الْحَرَّانِي
وَقد أَطَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح تَرْجَمَة هَذَا الشَّيْخ فِي كِتَابه لَيْسَ فِي كِتَابه تَرْجَمَة أطول مِنْهَا لِأَنَّهُ انتخب فِيهَا نبذا من كتاب جمعه أَبُو نصر هبة الله ابْن عَليّ بن المجلي فِي أَخْبَار ابْن الْقزْوِينِي وفضائله
فَمِنْهُ أَن جَمِيع النَّاس فِي عصره أَجمعُوا مَعَ اخْتِلَاف آرائهم وتشعب أنحائهم على حسن مُعْتَقد هَذَا الشَّيْخ وزهده وورعه
وَعَن أَحْمد بن مُحَمَّد الْأمين وَكَانَ مِمَّن استملى على ابْن الْقزْوِينِي مَا كَانَ أَبُو الْحسن يخرج الْمجْلس لنَفسِهِ عَن شُيُوخه وَلَا يدع أحدا يُخرجهُ إِنَّمَا كَانَ يدْخل إِلَى منزله وَأي جُزْء وَقع بِيَدِهِ خرج بِهِ وأملى مِنْهُ عَن شيخ وَاحِد جَمِيع الْمجْلس وَيَقُول حَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا ينتقى وَكَانَ أَكثر أُصُوله بِخَطِّهِ
وَقَالَ القَاضِي أَبُو الْحسن الْبَيْضَاوِيّ حَدثنِي أبي أَبُو عبد الله الْبَيْضَاوِيّ قَالَ كَانَ ثِقَة يتفقه مَعنا على الداركي وَهُوَ حَدِيث السن وَكَانَ حسن الطَّرِيقَة ملازما للصمت قل أَن يتَكَلَّم فِيمَا لَا يعنيه وَمضى على ذَلِك سنُون وَلم أجتمع بِهِ فَلَمَّا كَانَ يَوْم شيعت جَنَازَة إِلَى بَاب حَرْب ثمَّ رجعت من الْجِنَازَة فَدخلت مَسْجِدا فِي الحربية صليت فِيهِ جمَاعَة فافتقدت الإِمَام فَإِذا بِهِ أَبُو الْحسن بن الْقزْوِينِي فَسلمت عَلَيْهِ وَقلت من تِلْكَ السنين مَا رَأَيْنَاك فَقَالَ تفقهنا جَمِيعًا وكل بعد ذَلِك سلك طَرِيقا أَو كَمَا قَالَ
وَعَن ابْن الْقزْوِينِي أَنه سمع الشَّاة تذكر الله تَعَالَى سَمعهَا تَقول لَا إِلَه إِلَّا الله وَكَانَ جَالِسا فِي منزله يتَوَضَّأ لصَلَاة الْعَصْر فَقَالَ لأهل دَاره لَا تخرج هَذِه الشَّاة غَدا إِلَى الرَّعْي فَأَصْبَحت ميتَة
وَعَن بَعضهم مضيت لزيارة قبر ابْن الْقزْوِينِي فخطر لي مَا يذكر النَّاس عِنْده من الكرامات فَقلت ترى أيش مَنْزِلَته عِنْد الله تَعَالَى وعَلى قَبره مصاحف فحدثتني نَفسِي بِأخذ وَاحِد مِنْهَا وفتحه فَأَي شَيْء كَانَ فِي أول ورقة من الْقُرْآن فَهُوَ فِيهِ ففتحته فَكَانَ فِي أول ورقة مِنْهُ {وجيها فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن المقربين}
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الدهان اللّغَوِيّ كنت مِمَّن يقْرَأ على ابْن الْقزْوِينِي فَقلت يَوْمًا فِي نَفسِي أُرِيد أَن أسأله من أَي شَيْء يَأْكُل وأسأله أَن يطعمني مِنْهُ فَلَمَّا جَلَست بَين يَدَيْهِ قَرَأت ثمَّ هَمَمْت أَن أسأله فلحقني لَهُ هَيْبَة عَظِيمَة فَنَهَضت فَأمرنِي بِالْجُلُوسِ فَجَلَست إِلَى أَن فرغ من الإقراء ثمَّ قَالَ بِسم الله فَقُمْت مَعَه فَأَدْخلنِي دَاره وَأخرج إِلَيّ رغيفين سميذا وَبَينهمَا عدس ورغيفين وَبَينهمَا تمر أَو تين وَقَالَ كل فَمن هَذَا نَأْكُل
وَعَن القَاضِي الْمَاوَرْدِيّ صليت يَوْمًا خلف ابْن الْقزْوِينِي فَرَأَيْت عَلَيْهِ قَمِيصًا أنقى مَا يكون من الثِّيَاب وَهُوَ مطرز فَقلت فِي نَفسِي أَيْن الطرز من الزّهْد فَلَمَّا قضى صلَاته قَالَ سُبْحَانَ الله الطرز لَا ينقص أَحْكَام الزّهْد الطرز لَا ينقص أَحْكَام الزّهْد مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا
وَعَن أبي بكر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْقَزاز قَالَ كَانَ ينزل بنهر طابق رجل صَالح زاهد على طَريقَة حَسَنَة يلبس الصُّوف وَيَأْكُل الشّعير بالملح الجريش وَكَانَ يبلغهُ أَن ابْن الْقزْوِينِي يَأْكُل طيب الطَّعَام ويلبس رَقِيق الثِّيَاب فَقَالَ يَا سُبْحَانَ الله رجل زاهد مجمع على زهده لَا يخْتَلف فِيهِ اثْنَان يَأْكُل هَذَا الْمَأْكُول ويلبس هَذَا الملبوس أشتهى أَن أرَاهُ فجَاء إِلَى الحربية فَدخل مَسْجِد الْقزْوِينِي وَهُوَ فِي منزله ثمَّ إِنَّه خرج فَأذن وَدخل الْمَسْجِد وَفِيه ذَلِك الرجل وَجَمَاعَة غَيره فَقَالَ الْقزْوِينِي سُبْحَانَ الله رجل يومأ إِلَيْهِ بالزهد والورع يُعَارض الله فِي أَفعاله أَو فِيمَا يجْرِي فِيهِ عُبَيْدَة مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا
وَمَا هَاهُنَا محرم وَلَا مُنكر بِحَمْد الله فَطَفِقَ ذَلِك الرجل يتشاهق ويبكي بكاء شَدِيدا وَالْجَمَاعَة ينظرُونَ إِلَيْهِ لَا يَدْرُونَ مَا الْخَبَر وَصلى الْقزْوِينِي الظّهْر فَلَمَّا فرغ من صلَاته خرج الرجل من الْمَسْجِد يُهَرْوِل حافيا إِلَى أَن خرج من الحربية
فَلَمَّا قضى الْقزْوِينِي رُكُوعه الْتفت إِلَى أبي طَالب فَقَالَ لَهُ بَين الحربية والمشهد حَائِط وضع ليَكُون سورا
وَمَا تمّ تمْضِي إِلَيْهِ وَتحمل هَذَا المداس مَعَك وَتقول لذَلِك الشَّخْص الْجَالِس عَلَيْهِ لَا يكون لَك عودة أَو كَمَا قَالَ
قَالَ أَبُو طَالب وَوَاللَّه مَا أعلم أَن ثمَّ حَائِطا غير متموم كَذَا قَالَ وَالصَّوَاب متمم وَلَا رَأَيْته قطّ فَإِذا الرجل بِعَيْنِه جَالس على الْحَائِط يبكي ويتشاهق فَوضعت المداس بَين يَدَيْهِ وانصرفت
وَقَالَ أَبُو نصر بن الصّباغ رحمه الله حضرت الْقزْوِينِي يَوْمًا وَدخل عَلَيْهِ أَبُو بكر بن الرَّحبِي فَقَالَ لَهُ أَيهَا الشَّيْخ أَي شَيْء أَمرتنِي نَفسِي أخالفها فَقَالَ لَهُ إِن كنت مرِيدا فَنعم وَإِن كنت عَارِفًا فَلَا
فَلَمَّا انكفأت من عِنْده فَكرت فِي قَوْله وكأنني لم أصوبه فَرَأَيْت تِلْكَ اللَّيْلَة فِي مَنَامِي شَيْئا أزعجني وَكَأن قَائِلا يَقُول لي هَذَا بِسَبَب الْقزْوِينِي يَعْنِي لما أخذت فِي نَفسك عَلَيْهِ أَو كَمَا قَالَ
قَالَ ابْن الصّلاح ذَلِك لِأَن الْعَارِف ملك نَفسه فأمن عَلَيْهَا من أَن تَدعُوهُ إِلَى مَحْذُور بِخِلَاف المريد فَإِن نَفسه بِحَالِهَا أَمارَة بالسوء فليخالفها كَذَلِك
وَعَن مُحَمَّد بن هبة الله خَادِم ابْن الْقزْوِينِي صليت لَيْلَة مَعَ ابْن الْقزْوِينِي صَلَاة عشَاء الْآخِرَة فأمسى فِي رُكُوعه وَلم يبْق فِي الْمَسْجِد غَيْرِي وَغَيره فَلَمَّا قضى صلَاته أخذت الْقنْدِيل بَين يَدَيْهِ ومشينا فرأيته قد عبر منزله فمشيت بَين يَدَيْهِ فَخرج من الحربية وَأَنا مَعَه وَقد صلى فِي مَسْجِدهَا الآخر رَكْعَتَيْنِ فَلم أَعقل بِشَيْء إِذا أَنا بِموضع أَطُوف بِهِ مَعَ جمَاعَة خَلفه حَتَّى مضى هوي من اللَّيْل ثمَّ أَخذ بيَدي وَقَالَ لي بِسم الله ومشيت مَعَه فَلم أَعقل بِشَيْء إِلَّا وَأَنا على بَاب الحربية فدخلناها قبل الْفجْر فَسَأَلته وَأَقْسَمت عَلَيْهِ أَيْن كُنَّا فَقَالَ لي {إِن هُوَ إِلَّا عبد أنعمنا عَلَيْهِ} ذَلِك الْبَيْت الْحَرَام أَو بَيت الْمُقَدّس رَاوِي الْحِكَايَة يشك
قَالَ النَّوَوِيّ أَمْسَى فِي رُكُوعه يَعْنِي صلَاته وَالصَّلَاة تسمى رُكُوعًا
قَالَ وَلَفظ الطّواف يدل على أَنه الْبَيْت الْحَرَام فَإِن الطّواف لَا يشرع لغيره
قلت عِبَارَته أَطُوف بِهِ فَيحْتَمل أَن يُرِيد الطّواف الشَّرْعِيّ وَيحْتَمل أَن يُرِيد أَنه يَدُور فِي جوانبه فَلَا يتَعَيَّن أَن يكون هُوَ الطّواف الشَّرْعِيّ حَتَّى يتَعَيَّن أَن يكون هُوَ الْبَيْت الْحَرَام
ثمَّ سَاق جَامع فَضَائِل الْقزْوِينِي حكايات كَثِيرَة تدل على أَن الله تَعَالَى أكْرمه بِهَذِهِ المنقبة وَهِي طَيء الأَرْض لَهُ
وَعَن أبي نصر عبد الْملك بن الْحُسَيْن الدَّلال قَالَ كنت أَقرَأ على أبي طَاهِر ابْن فضلان المقرىء وَكنت إِذْ ذَاك أَقرَأ على أبي الْحسن بن الْقزْوِينِي فَقَالَ لي ابْن فضلان يَوْمًا وَقد جرى ذكر كرامات الْقزْوِينِي لَا تعتقد أَن أحدا يعلم مَا فِي قَلْبك فَخرجت من عِنْده إِلَى ابْن الْقزْوِينِي فَقَالَ سُبْحَانَ الله مقاومة مُعَارضَة رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ (إِن تَحت الْعَرْش ريحًا هفافة تهب إِلَى قُلُوب العارفين)
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ (قد كَانَ فِيمَن خلا قبلكُمْ نَاس محدثون فَإِن يكن فِي أمتِي فعمر بن الْخطاب)
وَعَن بَعضهم أَصبَحت يَوْمًا لَا أملك شَيْئا فَقلت فِي نَفسِي أشتهي أَن أجد السَّاعَة فِي وسط الحربية دِينَارا أَعُود بِهِ إِلَى عيالي ومشيت فوافيت الْقزْوِينِي يخرج من منزله فصاح بِي فَجئْت إِلَيْهِ فَقَالَ لي أما علمت أَن اللّقطَة إِذا لم تعرف فَهِيَ حرَام وَأخرج لي دِينَارا فَوَضعه فِي كفي وَقَالَ خُذْهُ حَلَالا
وَعَن آخر دخلت مَسْجده وَقد حمل إِلَيْهِ تفاح ومشمش كثير جدا وَهُوَ يفرق على ضعفاء الحربية فكأنني استكثرته وَقلت فِي نَفسِي قد بَقِي فِي النَّاس لله بعد شَيْء