الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المغلظ وَالْعَذَاب الشَّديد وعَلى هَذَا قَوْله صلى الله عليه وسلم (من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليأت الَّذِي هُوَ خير وليكفر عَن يَمِينه)
مناظرة أُخْرَى بَين أبي الْحُسَيْن الْقَدُورِيّ من الْحَنَفِيَّة وَالْقَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ
اسْتدلَّ الشَّيْخ أَبُو الْحُسَيْن الْقَدُورِيّ الْحَنَفِيّ فِي المختلعة أَنه يلْحقهَا الطَّلَاق بِأَنَّهَا مُعْتَدَّة من طَلَاق فَجَاز أَن يلْحقهَا مَا بَقِي من عدد الطَّلَاق كالرجعية
فَكَلمهُ القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ الشَّافِعِي وَأورد عَلَيْهِ فصلين أَحدهمَا أَنه قَالَ لَا تَأْثِير لِقَوْلِك مُعْتَدَّة من طَلَاق لِأَن الزَّوْجَة لَيست بمعتدة ويلحقها الطَّلَاق فَإِذا كَانَت الْمُعْتَدَّة وَالزَّوْجَة الَّتِي لَيست بمعتدة فِي لحاق الطَّلَاق سَوَاء ثَبت أَن قَوْلك الْمُعْتَدَّة
لَا تَأْثِير لَهُ وَلَا يتَعَلَّق الحكم بِهِ وَيكون تَعْلِيق الحكم على كَونهَا مُعْتَدَّة كتعليقه على كَونه متظاهرا مِنْهَا وموليا عَنْهَا وَلما لم يَصح تَعْلِيق طَلاقهَا على الْعدة كَانَ حَال الْعدة وَمَا قبلهَا سَوَاء وَمن زعم أَن الحكم يتَعَلَّق بذلك كَانَ مُحْتَاجا إِلَى دَلِيل يدل على تَعْلِيق الحكم بِهِ
وَأما الْفَصْل الثَّانِي فَإِن فِي الأَصْل أَنَّهَا زَوْجَة وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ أَنه يستبيح وَطأهَا من غير عقد جَدِيد فَجَاز أَن يلْحقهَا مَا بَقِي من عدد الطَّلَاق
وَفِي مَسْأَلَتنَا هَذِه لَيست بِزَوْجَة بِدَلِيل أَنه لَا يستبيح وَطأهَا من غير عقد جَدِيد فَهِيَ كالمطلقة قبل الدُّخُول
تكلم الشَّيْخ أَبُو الْحُسَيْن على الْفَصْل الأول بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَنه قَالَ لَا يَخْلُو القَاضِي أيده الله تَعَالَى فِي هَذَا الْفَصْل من أحد أَمريْن إِمَّا أَن يكون مطالبا بتصحيح الْعلَّة وَالدّلَالَة على صِحَّتهَا فَأَنا ألتزم بذلك وأدل لصِحَّته وَلكنه مُحْتَاج أَلا يخرج الْمُطَالبَة بتصحيح الْعلَّة وَالدّلَالَة على صِحَّتهَا مخرج الْمُعْتَرض عَلَيْهَا بِعَدَمِ التَّأْثِير أَو
يعْتَرض عَلَيْهَا بالإفساد من جِهَة عدم التَّأْثِير فَإِذا كَانَ الْإِلْزَام على هَذَا الْوَجْه لم يلْزم لِأَن أَكثر مَا فِي ذَلِك أَن هَذِه الْعلَّة لم تعم جَمِيع الْمَوَاضِع الَّتِي يثبت فِيهَا الطَّلَاق وَأَن الحكم يجوز أَن يثبت فِي مَوضِع مَعَ عدم هَذِه الْعلَّة وَهَذَا لَا يجوز أَن يكون قادحا فِي الْعلَّة مُفْسِدا لَهَا يبين صِحَة هَذَا أَن عِلّة الرِّبَا الَّتِي يضْرب بهَا الْأَمْثَال فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع لَا تعم جَمِيع المعلولات لأَنا نجْعَل الْعلَّة فِي الْأَعْيَان الْأَرْبَعَة الْكَيْل مَعَ الْجِنْس ثمَّ نثبت الرِّبَا فِي الْأَثْمَان مَعَ عدم هَذِه الْعلَّة وَلم يقل أحد مِمَّن ذهب إِلَى أَن عِلّة الرِّبَا معنى وَاحِد إِن علتكم لَا تعم جَمِيع المعلولات وَلَا تتَنَاوَل جَمِيع الْأَعْيَان الَّتِي يتَعَلَّق بهَا تَحْرِيم التَّفَاضُل فَيجب أَن يكون ذَلِك مُوجبا لفسادها فَإِذا جَازَ لنا بالِاتِّفَاقِ منا ومنكم أَن نعلل الْأَعْيَان السِّتَّة بعلتين يُوجد الحكم مَعَ وجود كل وَاحِد مِنْهُمَا وَمَعَ عدمهما وَلم يلْتَفت إِلَى قَول من قَالَ لنا إِن هَذِه الْعِلَل لَا تعم جَمِيع الْمَوَاضِع فَوَجَبَ أَن يكون قَاعِدَة وَجب أَن يكون فِي مَسْأَلَتنَا مثله
وَمَا أجَاب بِهِ القَاضِي الْجَلِيل عَن قَول هَذَا الْقَائِل فَهُوَ الَّذِي نجيب بِهِ عَن السُّؤَال الَّذِي ذكره وَأَيْضًا فَإِنِّي أدل على صِحَة الْعلَّة
وَالَّذِي يدل على صِحَّتهَا أننا أجمعنا على أَن الْأُصُول كلهَا معللة بعلل وَقد اتفقنا على أَن هَذَا الأَصْل الَّذِي هُوَ الرَّجْعِيَّة مُعَلل أَيْضا غير أننا اخْتَلَفْنَا فِي عينهَا فقلتم أَنْتُم إِن الْعلَّة فِيهَا بَقَاء الزَّوْجِيَّة
وَقُلْنَا الْعلَّة وجود الْعدة من طَلَاق وَمَعْلُوم أننا إِذا عللناه بِمَا ذكرْتُمْ من الزَّوْجِيَّة لم يَتَعَدَّ وَإِذا عللناه بِمَا ذكرته من الْعلَّة تعدت إِلَى المختلعة فَيجب أَن تكون الْعلَّة هِيَ المتعدية دون الْأُخْرَى
وَأما معارضتك فِي الأَصْل فَهِيَ عِلّة مدعاة وَيحْتَاج أَن يدل على صِحَّتهَا كَمَا طالبتني بِالدّلَالَةِ على صِحَة علتي
وَأما منع الْفَرْع فَلَا نسلم أَنَّهَا زَوْجَة فَإِن الطَّلَاق وضع لحل العقد وَمَا وضع للْحلّ إِذا وجد ارْتَفع العقد كَمَا قُلْنَا فِي فسخ سَائِر الْعُقُود
وَتكلم القَاضِي أَبُو الطّيب على الْفَصْل الأول بِأَن قَالَ قصدي بِمَا أوردتك من الْمُطَالبَة بتصحيح الْوَصْف والمطالبة فِي الدّلَالَة عَلَيْهِ من جِهَة الشَّرْع وَأَن الحكم تَابع لَهُ غير أَنِّي كشفت عَن طَرِيق الشَّرْع لَهُ وَقلت لَهُ إِذا كَانَ الحكم يثبت مَعَ وجود هَذِه الْعلَّة وَيثبت مَعَ عدمهَا لم يكن ذَلِك عِلّة فِي الظَّاهِر إِلَّا أَن يدل الدَّلِيل على أَن هَذَا الْوَصْف مُؤثر فِي إِثْبَات هَذَا الحكم فِي الشَّرْع فَحِينَئِذٍ يجوز أَن يعلق الحكم عَلَيْهِ وَمَتى لم يدل الدَّلِيل على ذَلِك وَكَانَ الحكم ثَابتا مَعَ وجوده وَمَعَ علته وَلَيْسَ مَعَه مَا يدل على صِحَة اعْتِبَاره دلّ على أَنه لَيْسَ بعلة
وَأما مَا ذكره الشَّيْخ الْجَلِيل من عِلّة الرِّبَا وَقَوله إِنَّهَا أحد الْعِلَل فَلَيْسَ كَذَلِك بل هِيَ وَغَيرهَا من مَعَاني الْأُصُول سَوَاء فَلَا معنى لهَذَا الْكَلَام وَهُوَ حجَّة عَلَيْك وَذَلِكَ أَن النَّاس لما اخْتلفُوا فِي تِلْكَ الْعِلَل وَادعت كل طَائِفَة معنى طلبُوا مَا يدل على صِحَة مَا ادعوهُ وَلم يقتصروا فِيهَا على مُجَرّد الدَّعْوَى فَكَانَ يجب أَن يعْمل فِي عِلّة الرَّجْعِيَّة مثل ذَلِك لِأَن هَذَا تَعْلِيل أصل مجمع عَلَيْهِ فَكَمَا وَجب الدّلَالَة على صِحَة عِلّة الرِّبَا وَلم يقتصروا فِيهَا على مُجَرّد الدَّعْوَى فَكَانَ يجب أَن يدل أَيْضا على صِحَة عِلّة الرَّجْعِيَّة
وَأما جَرَيَان الرِّبَا مَعَ الْأَثْمَان مَعَ عدم عِلّة الْأَرْبَعَة فعلة أُخْرَى تثبت بِالدَّلِيلِ وَهِي عِلّة الْأَثْمَان
وَأما فِي مَسْأَلَتنَا فَلم يثبت كَون الْعدة عِلّة فِي فرع الطَّلَاق فَلم يَصح تَعْلِيق الحكم عَلَيْهَا
وَأما الْفَصْل الثَّانِي فَلَا يَصح وَذَلِكَ أَنَّك ادعيت أَن الْأُصُول كلهَا معللة وَهِي دَعْوَى تحْتَاج أَن يدل عَلَيْهَا وَأَنا لَا أسلمه لِأَن الأَصْل الْمُعَلل عِنْدِي مَا دلّ عَلَيْهِ الدَّلِيل
وَأما كَلَام الشَّيْخ الْجَلِيل أيده الله تَعَالَى على الْفَصْل الثَّانِي فَإِن طالبتني بتصحيح الْعلَّة فَأَنا أدل على صِحَّتهَا وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنه إِذا طلق امْرَأَة أَجْنَبِيَّة لم يتَعَلَّق بذلك حكم فَإِن عقد عَلَيْهَا وحصلت زَوْجَة لَهُ فَطلقهَا وَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق فَلَو طَلقهَا قبل الدُّخُول طَلْقَة ثمَّ طَلقهَا لم يلْحقهَا لِأَنَّهَا خرجت عَن الزَّوْجِيَّة فَلَو أَنه عَاد فَتَزَوجهَا ثمَّ طَلقهَا لحقه طَلْقَة فَدلَّ على الْعلَّة فَفِيهَا مَا ذكرت وَلَيْسَ فِي دَعْوَى علتك مثل هَذَا الدَّلِيل
وَأما إِنْكَاره لِمَعْنى الْفَرْع فَلَا يَصح لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن عِنْده أَن الطَّلَاق لَا يُفِيد أَكثر من نُقْصَان الْعدة وَلَا يزِيل الْملك فَهَذَا لَا يتَعَلَّق بِهِ تَحْرِيم الْوَطْء وَمن الْمحَال أَن يكون العقد مرتفعا وَيحل لَهُ وَطْؤُهَا
وَالثَّانِي أَنِّي أبطل هَذَا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَو كَانَ قد ارْتَفع العقد لوَجَبَ أَن لَا يستبيح وَطأهَا إِلَّا بِعقد جَدِيد يُوجد بشرائطه من الشَّهَادَة وَالرِّضَا وَغير ذَلِك لِأَن الْحرَّة لَا تستباح إِلَّا بِنِكَاح وَلما أجمعنا على أَنه يستبيح وَطأهَا من غير عقد لأحد دلّ على أَن العقد بَاقٍ وَأَن الزَّوْجِيَّة ثَابِتَة
تكلم الشَّيْخ أَبُو الْحُسَيْن على الْفَصْل الأول بِأَن قَالَ أما قَوْلك إِنِّي مطَالب بِالدّلَالَةِ على صِحَة الْعلَّة فَلَا يَصح وَالْجمع بَين الْمُطَالبَة بِصِحَّة الْعلَّة وَعدم التَّأْثِير متناقض وَذَلِكَ أَن الْعلَّة إِمَّا أَن تكون مَقْطُوعًا بِكَوْنِهَا مُؤثرَة فَلَا يحْتَاج فِيهَا إِلَى الدّلَالَة على صِحَّتهَا لِأَن مَا يدل على صِحَّتهَا يدل على كَونهَا مُؤثرَة وَلَا يجوز أَن يرد الشَّرْع بتعليق حكم
على مَا لَا تَأْثِير لَهُ من الْمعَانِي وَإِنَّمَا ورد الشَّرْع بتعليق الحكم على الْمعَانِي المؤثرة فِي الحكم وَإِذا كَانَت الصُّورَة على هَذَا يجوز أَن يُقَال هَذَا لَا تَأْثِير لَهُ وَلَكِن دلّ على صِحَّته إِن كَانَت الْعلَّة مشكوكا فِي كَونهَا مُؤثرَة فِي الحكم لم يجز الْقطع على أَنَّهَا غير مُؤثرَة وَقد قطع القَاضِي أيده الله بِأَن هَذِه الْعلَّة غير مُؤثرَة فَبَان بِهَذِهِ الْجُمْلَة أَنه لَا يجوز أَن يعْتَرض عَلَيْهَا من جِهَة عدم التَّأْثِير وَيحكم بفسادها بِسَبَبِهِ ثمَّ تطالبني مَعَ هَذَا بتصحيحها لِأَن ذَلِك طلب محَال جدا
وَأما مَا ذكرت من عِلّة الرِّبَا فَهُوَ استشهاد صَحِيح
وَمَا ذكر من ذَلِك حجَّة عَليّ لِأَن كل من ادّعى عِلّة من الرِّبَا دلّ على صِحَّتهَا فَيجب أَن يكون هَاهُنَا مثله فَلَا يلْزم لِأَنِّي أمتنع من الدّلَالَة على صِحَة الْعلَّة بل أَقُول إِن كل عِلّة ادَّعَاهَا المسؤول فِي مَسْأَلَة من مسَائِل الْخلاف فطولب بِالدّلَالَةِ على صِحَّتهَا لزمَه إِقَامَة الدَّلِيل عَلَيْهَا وَإِنَّمَا امْتنع أَن يَجْعَل الطَّرِيق المسؤول لَهَا وجود الحكم مَعَ عدمهَا وَأَنَّهَا لَا تعم جَمِيع الْمَوَاضِع الَّتِي يثبت فِيهَا ذَلِك الحكم وَهُوَ أبقاه الله جعل الْمُفْسد لهَذِهِ الْعلَّة وجود نُفُوذ الطَّلَاق مَعَ عدم الْعلَّة وَذَلِكَ غير جَائِز كَمَا قُلْنَا فِي عِلّة الرِّبَا فِي الْأَعْيَان الْأَرْبَعَة إِنَّهَا تفقد وَيبقى الحكم
وَأما إِذا طالبتني بتصحيح الْعلَّة واقتصرت على ذَلِك فَإِنِّي أدل عَلَيْهَا كَمَا أدل على صِحَة الْعلَّة الَّتِي ادعيتها فِي مَسْأَلَة الرِّبَا
وَأما الْفضل الثَّانِي وَهُوَ الدّلَالَة على صِحَة الْعلَّة فَإِن القَاضِي أيده الله تعلق من كَلَامي بطرفه وَلم يتَعَرَّض لمقصوده وَذَلِكَ أَنِّي قلت إِن الْأُصُول كلهَا معللة وَإِن هَذَا الأَصْل مُعَلل بِالْإِجْمَاع بيني وَبَينه وَأما الِاخْتِلَاف فِي غير الْعلَّة فَيجب أَن يكون بِمَا ذَكرْنَاهُ
هُوَ الْعلَّة لِأَنَّهَا تتعدى فَترك الْكَلَام على هَذَا كُله وَأخذ يتَكَلَّم فِي أَن من الْأُصُول مَا لَا يُعلل وَأَنه لَا خلاف فِيهِ وَهَذَا لَا يَصح لِأَنَّهُ لَا خلاف أَن الْأُصُول كلهَا معللة وَإِن كَانَ فِي هَذَا خلاف فَأَنا أدل عَلَيْهِ
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ هُوَ أَن الظَّوَاهِر الْوَارِدَة فِي جَوَاز الْقيَاس مُطلقَة وَذَلِكَ كَقَوْلِه تَعَالَى {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} وَكَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم (إِذا اجْتهد الْحَاكِم فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ فَإِن اجْتهد فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر)
وعَلى أَنِّي قد خرجت من عَهده بِأَن قلت إِن الأَصْل الَّذِي تنازعنا عَلَيْهِ مُعَلل بِالْإِجْمَاع فَلَا يضرني مُخَالفَة من خَالفه فِي سَائِر الْأُصُول
وَأما الْمُعَارضَة فَإِنَّهُ لَا يجوز أَن يكون الْمَعْنى فِي الأَصْل مَا ذكرت من ملك النِّكَاح وَوُجُود الزَّوْجِيَّة يدل على ذَلِك أَن هَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِي الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَلَا ينفذ طلاقهما فَثَبت أَن ذَلِك لَيْسَ بعلة وَإِنَّمَا الْعلَّة ملك إِيقَاع الطَّلَاق مَعَ وجود مَحل موقعه وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِي المختلعة فَيجب أَن يلْحقهَا
وَأما معنى الْفَرْع فَلَا أسلمه
وَأما مَا ذكرت من إِبَاحَة الْوَطْء فَلَا يَصح لِأَنَّهُ يَطَؤُهَا وَهِي زَوْجَة لِأَنَّهُ يجوز لَهُ مراجعتها بِالْفِعْلِ فَإِذا ابْتَدَأَ الْمُبَاشرَة حصلت الرّجْعَة فصادفها الْوَطْء وَهِي زَوْجَة وَأما أَن يُبِيح وَطأهَا وَهِي خَارِجَة عَن الزَّوْجِيَّة فَلَا
وَأما قَوْله لَو كَانَ قد ارْتَفع العقد لوَجَبَ أَن لَا يستبيحها من غير عقد كَمَا قَالَ أَصْحَابنَا فِيمَن بَاعَ عصيرا وَصَارَ فِي يَد البَائِع خمرًا ثمَّ تخَلّل إِن البيع يعود بَعْدَمَا ارْتَفع
وعَلى أصلكم إِذا رهن عصيرا فَصَارَ خمرًا ارْتَفع الرَّهْن فَإِذا تخَلّل عَاد الرَّهْن وَكَذَلِكَ هَاهُنَا مثله
تكلم القَاضِي أَبُو الطّيب على الْفَصْل الأول بِأَن قَالَ لَيْسَ فِي الْجمع بَين الْمُطَالبَة بِالدَّلِيلِ على صِحَة الْعلَّة وَبَين عدم التَّأْثِير مناقضة وَذَلِكَ أَنى إِذا رَأَيْت الحكم ثَبت مَعَ وجود هَذِه الْعلَّة وَمَعَ عدمهَا على وَجه وَاحِد كَانَ الظَّاهِر أَن هَذَا لَيْسَ بعلة للْحكم إِلَّا أَن يظْهر دَلِيل على أَنه عِلّة فنصير إِلَيْهِ وَهَذَا كَمَا نقُول فِي الْقيَاس إِنَّه دَلِيل على الْأَحْكَام إِلَّا أَن يُعَارضهُ مَا هُوَ أقوى مِنْهُ فَيجب تَركه وَكَذَلِكَ خبر الْوَاحِد دَلِيل فِي الظَّاهِر يجب الْمصير إِلَيْهِ إِلَّا أَن يظْهر مَا هُوَ أقوى مِنْهُ من نَص قُرْآن أَو خبر متواتر فَيجب الْمصير إِلَيْهِ كَذَلِك هَاهُنَا الظَّاهِر بِمَا ذكرته أَنه دَلِيل على ذَلِك لَيْسَ بعلة إِلَّا أَن تقيم دَلِيلا على صِحَّته فنصير إِلَيْهِ
وَأما عِلّة الرِّبَا فقد عَاد الْكَلَام إِلَى هَذَا الْفَصْل الَّذِي ذكرت وَقد تَكَلَّمت عَلَيْهِ بِمَا يُغني عَن إِعَادَته
وَأما الْفَصْل الثَّانِي فقد تَكَلَّمت عَلَيْهِ بِمَا سَمِعت من كَلَام الشَّيْخ الْجَلِيل أيده الله وَهُوَ أَنه قَالَ الْأُصُول كلهَا معللة
وَأما هَذِه الزِّيَادَة فَالْآن سَمعتهَا وَأَنا أَتكَلّم على الْجَمِيع
وَأما دليلك على أَن الْأُصُول كلهَا معللة فَلَا يَصح لِأَن الظَّوَاهِر الَّتِي وَردت فِي جَوَاز الْقيَاس كلهَا حجَّة عَلَيْك لِأَنَّهَا وَردت بِالْأَمر بِالِاجْتِهَادِ فَمَا دلّ عَلَيْهِ الدَّلِيل فَهُوَ عِلّة يجب الحكم بهَا وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَن كل أصل مُعَلل
وَأما قَوْلك إِن هَذَا الأَصْل مجمع على تَعْلِيله وَقد اتفقنا على أَن الْعلَّة فِيهِ أحد الْمَعْنيين إِمَّا الْمَعْنى الَّذِي ذكرته وَإِمَّا الْمَعْنى الَّذِي ذكرته وَأَحَدهمَا يتَعَدَّى وَالْآخر لَا يتَعَدَّى فَيجب أَن تكون الْعلَّة فيهمَا مَا يتَعَدَّى فَلَا يَصح لِأَن اتفاقي مَعَك على
أَن الْعلَّة أحد الْمَعْنيين لَا يَكْفِي فِي الدّلَالَة على صِحَة الْعلَّة وَأَن الحكم مُعَلّق بِهَذَا الْمَعْنى لِأَن إجماعنا لَيْسَ بِحجَّة لِأَنَّهُ يجوز الْخَطَأ علينا وَإِنَّمَا تقوم الْحجَّة بِمَا يقطع عَلَيْهِ اتِّفَاق الْأمة الَّتِي أخبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم بعصمتها
وَأما قَوْلك إِن علتي متعدية فَلَا يَصح لِأَن التَّعَدِّي إِنَّمَا يذكر لترجيح إِحْدَى العلتين على الْأُخْرَى وَفِي ذَلِك نظر عِنْدِي أَيْضا وَأما أَن يسْتَدلّ بِالتَّعَدِّي على صِحَة الْعلَّة فَلَا وَلِهَذَا لم نحتج نَحن وَإِيَّاكُم على مَالك فِي عِلّة الرِّبَا علتنا تتعدى إِلَى مَا لَا تتعدى علته وَلَا ذكر أحد فِي تَصْحِيح عِلّة الرِّبَا ذَلِك فَلَا يجوز الِاسْتِدْلَال بِهِ
وَأما فصل الْمُعَارضَة فَإِن الْعلَّة فِي الأَصْل مَا ذكرت
وَأما الصَّبِي وَالْمَجْنُون فَلَا يلزمان لِأَن التَّعْلِيل وَاقع لِكَوْنِهِمَا محلا لوُقُوع الطَّلَاق وَيجوز أَن يلحقهما الطَّلَاق وَلَيْسَ التَّعْلِيل للْوُجُوب فَيلْزم عَلَيْهِ الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ وَهَذَا كَمَا نقُول إِن الْقَتْل عِلّة إِيجَاب الْقصاص ثمَّ نَحن نعلم أَن الصَّبِي لَا يسْتَوْفى مِنْهُ الْقصاص حَتَّى يبلغ وَامْتِنَاع اسْتِيفَائه من الصَّبِي وَالْمَجْنُون لَا يدل على أَن الْقَتْل لَيْسَ بعلة لإِيجَاب الْقصاص
كَذَلِك هَاهُنَا يجوز أَن تكون الْعلَّة فِي الرَّجْعِيَّة كَونهَا زَوْجَة فَإِن كَانَ لَا يلْحقهَا الطَّلَاق من جِهَة الصَّبِي لِأَن هَذَا إِن لزمني على اعْتِبَار الزَّوْجِيَّة لزمك على اعْتِبَار الِاعْتِدَاد لِأَنَّك جعلت الْعلَّة فِي وُقُوع الطَّلَاق كَونهَا مُعْتَدَّة وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِي حق الصَّبِي وَالْمَجْنُون فَلَا ينفذ طلاقهما ثمَّ لَا يدل ذَلِك على أَن ذَلِك لَيْسَ بعلة وكل جَوَاب لَهُ عَن الصَّبِي وَالْمَجْنُون فِي اعْتِبَاره الْعدة فَهُوَ جَوَابنَا فِي اعْتِبَار الزَّوْجِيَّة
وَأما عِلّة الْفَرْع فصحيحة أَيْضا وإنكارك لَهَا لَا يَصح لما ثَبت أَن من أصلك أَن الطَّلَاق لَا يُفِيد أَكثر من نُقْصَان الْعدَد وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ جَوَاز وَطْء الرَّجْعِيَّة وَمَا زعمت من أَن الرّجْعَة تصح مِنْهُ بِالْمُبَاشرَةِ غلط لِأَنَّهُ يبتدىء بمباشرتها وَهِي أَجْنَبِيَّة فَكَانَ يجب أَن يكون ذَلِك محرما وَيكون تَحْرِيمه تَحْرِيم الزِّنَا كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم (العينان تزنيان وَالْيَدَانِ تزنيان وَيصدق ذَلِك الْفرج) وَلما قُلْتُمْ إِنَّه يجوز أَن يقدم على مباشرتها دلّ على أَنَّهَا بَاقِيَة على الزَّوْجِيَّة
وَأما مَا ذكرت من مَسْأَلَة الْعصير فَلَا يلْزم لِأَن الْعُقُود كلهَا لَا تعود معقودة إِلَّا بِعقد جَدِيد يبين صِحَة هَذَا البيع والإجارات وَالصُّلْح وَالشَّرِكَة والمضاربات وَسَائِر الْعُقُود فَإِذا كَانَت عَامَّة الْعُقُود على مَا ذَكرْنَاهُ من أَنَّهَا إِذا ارْتَفَعت لم تعد إِلَّا باستئناف أَمْثَالهَا لم يجز إبِْطَال هَذَا بِمَسْأَلَة شَاذَّة عَن الْأُصُول
وَهَذَا كَمَا قلت لأبي عبد الله الْجِرْجَانِيّ وَفرقت بَين إِزَالَة النَّجَاسَة وَالْوُضُوء بِأَن إِزَالَة النَّجَاسَة طريقها التروك والتروك مَوْضُوعَة على أَنَّهَا لَا تفْتَقر إِلَى النِّيَّة كَتَرْكِ الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَشرب الْخمر وَغير ذَلِك فألزمني على ذَلِك الصَّوْم فَقلت لَهُ غَالب التروك وعامتها مَوْضُوعَة على مَا ذكرت فَإِذا شَذَّ مِنْهَا وَاحِد لم ينْتَقض بِهِ غَالب الْأُصُول وَوَجَب رد الْمُخْتَلف فِيهِ إِلَى مَا شهد لَهُ عَامَّة الْأُصُول وغالبها لِأَنَّهُ أقوى فِي الظَّن
وعَلى أَن من أَصْحَابنَا من قَالَ إِن العقد لَا يَنْفَسِخ فِي الرَّهْن بل هُوَ مَوْقُوف مراعى فعلى هَذَا لَا أسلمه وَلِأَن أصل أبي حنيفَة أَن العقد لَا يَزُول وَالْملك لَا يرْتَفع
تكلم الشَّيْخ أَبُو الْحُسَيْن على الْفَصْل الأول بِأَن قَالَ قد ثَبت أَن الْجمع بَين الْمُطَالبَة بتصحيح الْعلَّة وَعدم التَّأْثِير غير جَائِز
وَأما مَا ذكرت من أَن هَذَا دَلِيل مَا لم يظْهر مَا هُوَ أقوى مِنْهُ كَمَا نقُول فِي الْقيَاس
وَخبر الْوَاحِد فَلَا يَصح وَذَلِكَ أَنا لَا نقُول إِن كل قِيَاس دَلِيل وَحجَّة فَإِذا حصل الْقيَاس فِي بعض الْمَوَاضِع فعارضه إِجْمَاع لم نقل إِن ذَلِك قِيَاس صَحِيح بل نقُول هُوَ قِيَاس بَاطِل وَكَذَلِكَ لَا نقُول إِن ذَلِك الْخَبَر حجَّة وَدَلِيل فَأَما القَاضِي أيده الله فقد قطع فِي هَذَا الْموضع بِأَن هَذَا لَا تَأْثِير لَهُ فَلَا يَصح مُطَالبَته بِالدَّلِيلِ على صِحَة الْعلَّة
وَأما الْفَصْل الآخر وَهُوَ الدّلَالَة على أَن الْأُصُول معللة فقد أعَاد فِيهِ مَا ذكره أَولا من وُرُود الظَّوَاهِر وَلم يزدْ عَلَيْهِ شَيْئا يحْكى
وَأما قَوْلك إِن إجماعي وَإِيَّاك لَيْسَ بِحجَّة فَإِنِّي لم أذكرهُ لِأَنِّي جعلته حجَّة وَإِنَّمَا ذكرت اتفاقنا لقطع الْمُنَازعَة
وَأما فصل التَّعَدِّي فَصَحِيح وَذَلِكَ أَنِّي ذكرت فِي الأَصْل عِلّة متعدية وَلَا خلاف أَن المتعدية يجوز أَن تكون عِلّة وعارضني أيده الله بعلة غير متعدية وَعِنْدِي أَن الواقفة لَيست بعلة وَعِنْده أَن المتعدية أولى من الواقفة فَلَا يجوز أَن يعارضني وَذَلِكَ يُوجب بَقَاء علتي على صِحَّتهَا
وَأما الْمُعَارضَة فَإِن قَوْلك إِن التَّعْلِيل للْجُوَاز كَمَا قُلْنَا فِي الْقصاص فَلَا يَصح لِأَنَّهُ إِذا كَانَ عِلّة ملك إِيقَاع الطَّلَاق ملك النِّكَاح وَقد علمنَا أَن ملك الصَّبِي ثَابت وَجب إِيقَاع طَلَاقه فَإِذا لم يَقع دلّ على أَن ذَلِك الْعقل لَيْسَ بعلة وَأما الْقصاص فَلَا يلْزم لِأَن هُنَاكَ لما ثَبت لَهُ الْقصاص وَكَانَ الْقَتْل هُوَ الْعلَّة فِي وُجُوبه جَازَ أَن يسْتَوْفى لَهُ