الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابْن طَاهِر إِن هَذَا لعجيب وأغلب ظَنِّي أَنَّهَا كذبة افتعلها من لَا يستحي وَمَا الَّذِي بلغ بِهِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ علم الْكَلَام أَلَيْسَ قد أعز الله بِهِ الْحق وَأظْهر بِهِ السّنة وأمات بِهِ الْبِدْعَة ثمَّ نقُول لهَذَا الَّذِي لَا يفهم إِن كَانَ علم الْكَلَام بلغ بِهِ الْحق فَلَا ينْدَم على الِاشْتِغَال بِهِ وَإِن بلغ بِهِ الْبَاطِل فَإِن لم يعرف أَنه على الْبَاطِل وَظن أَنه على الْحق فَكَذَلِك لَا ينْدَم وَإِن عرف أَنه على بَاطِل فمعرفته بِأَنَّهُ على بَاطِل مُوجبَة لرجوعه عَنهُ فَلَيْسَ ثمَّ مَا ينْتَقد
ذكر مَا وَقع من التخبيط فِي كَلَام شَيخنَا الذَّهَبِيّ والتحامل على هَذَا الإِمَام الْعَظِيم فِي أَمر هَذَا الإِمَام الَّذِي هُوَ من أساطين هَذِه الْملَّة المحمدية نضرها الله
قد قدمنَا لَك من تحامل الذَّهَبِيّ عَلَيْهِ فِي تمزيقه كَلَام عبد الغافر وإنكاره مَا فعل تلامذة الإِمَام عِنْد مَوته وَأَنت إِذا عرفت حَال الذَّهَبِيّ لم تحتج إِلَى دَلِيل يدل على أَنه قد تحامل عَلَيْهِ
(وَلَيْسَ يَصح فِي الأذهان شَيْء
…
إِذا احْتَاجَ النَّهَار إِلَى دَلِيل)
فَمن كَلَام الذَّهَبِيّ وَكَانَ أَبُو الْمَعَالِي مَعَ تبحره فِي الْفِقْه وأصوله لَا يدْرِي الحَدِيث ذكر فِي كتاب الْبُرْهَان حَدِيث معَاذ فِي الْقيَاس فَقَالَ هُوَ مدون فِي الصِّحَاح مُتَّفق على صِحَّته
كَذَا قَالَ وأنى لَهُ فِي الصِّحَّة ومداره على الْحَارِث بن عَمْرو وَهُوَ مَجْهُول عَن رجال من أهل حمص لَا يدرى من هم عَن معَاذ
انْتهى
فَأَما قَوْله كَانَ لَا يدْرِي الحَدِيث فإساءة على مثل هَذَا الإِمَام لَا تنبغي
وَقد تقدم
فِي كَلَام عبد الغافر اعْتِمَاده الْأَحَادِيث فِي مسَائِل الْخلاف وَذكره الْجرْح وَالتَّعْدِيل فِيهَا وَعبد الغافر أعرف بشيخه من الذَّهَبِيّ وَمن يكون بِهَذِهِ المثابة كَيفَ يُقَال عَنهُ لَا يدْرِي الحَدِيث وهب أَنه زل فِي حَدِيث أَو حديثين أَو أَكثر فَلَا يُوجب ذَلِك أَن يَقُول لَا يدْرِي الْفَنّ وَمَا هَذَا الحَدِيث وَحده ادّعى الإِمَام صِحَّته وَلَيْسَ بِصَحِيح بل قد ادّعى ذَلِك فِي أَحَادِيث غَيره وَلم يُوجب ذَلِك عندنَا الغض مِنْهُ وَلَا إنزاله عَن مرتبته الصاعدة فَوق آفَاق السَّمَاء
ثمَّ الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وهما من دواوين الْإِسْلَام وَالْفُقَهَاء لَا يتحاشون من إِطْلَاق لفظ الصِّحَاح عَلَيْهِمَا لَا سِيمَا سنَن أبي دَاوُد فَلَيْسَ هَذَا كَبِير أَمر
وَمن قَبِيح كَلَامه قَالَ وَقَالَ الْمَازرِيّ فِي شرح الْبُرْهَان فِي قَوْله إِن الله يعلم الكليات لَا الجزئيات وددت لَو محوتها بدمي
قلت هَذِه لَفْظَة ملعونة قَالَ ابْن دحْيَة هِيَ كلمة مكذبة للْكتاب وَالسّنة يكفر بهَا هجره عَلَيْهَا جمَاعَة وَحلف الْقشيرِي لَا يكلمهُ بِسَبَبِهَا مُدَّة فجاوز وَتَابَ
انْتهى
مَا أقبحه فصلا مُشْتَمِلًا على الْكَذِب الصراح وَقلة الْحق مستحلا على قَائِله بِالْجَهْلِ بِالْعلمِ وَالْعُلَمَاء وَقد كَانَ الذَّهَبِيّ لَا يدْرِي شرح الْبُرْهَان وَلَا هَذِه الصِّنَاعَة وَلكنه يسمع خرافات من طلبة الْحَنَابِلَة فيعتقدها حَقًا ويودعها تصانيفه
أما قَوْله إِن الإِمَام قَالَ إِن الله يعلم الكليات لَا الجزئيات يُقَال لَهُ مَا أجرأك على الله مَتى قَالَ الإِمَام هَذَا وَلَا خلاف بَين أَئِمَّتنَا فِي تَكْفِير من يعْتَقد هَذِه الْمقَالة وَقد نَص الإِمَام فِي كتبه الكلامية بأسرها على كفر من يُنكر الْعلم بالجزئيات وَإِنَّمَا وَقع فِي الْبُرْهَان فِي أصُول الْفِقْه شَيْء استطرده الْقَلَم إِلَيْهِ فهم مِنْهُ الْمَازرِيّ ثمَّ أَمر هَذَا وَذكر مَا سنحكيه عَنهُ وسنجيب عَن ذَلِك ونعقد لَهُ فصلا مُسْتقِلّا
وَأما قَوْله قلت هَذِه لَفْظَة ملعونة فَنَقُول لعن الله قَائِلهَا
وَأما قَوْله قَالَ ابْن دحْيَة إِلَى آخر مَا حَكَاهُ عَنهُ
فَنَقُول هَل يحتاح مثل هَذِه الْمقَالة إِلَى كَلَام ابْن دحْيَة وَلَو قَرَأَ الرجل شَيْئا من علم الْكَلَام لما احْتَاجَ إِلَى ذَلِك فَلَا خلاف بَين الْمُسلمين فِي تَكْفِير منكري الْعلم بالجزئيات وَهِي إِحْدَى الْمسَائِل الَّتِي كفرت بهَا الفلاسفة
وَأما قَوْله وَحلف الْقشيرِي لَا يكلمهُ بِسَبَبِهَا مُدَّة فَمن نقل لَهُ ذَلِك وَفِي أَي كتاب رَآهُ وَأقسم بِاللَّه يَمِينا بارة إِن هَذِه مختلقة على الْقشيرِي وَقد كَانَ الْقشيرِي من أَكثر الْخلق تَعْظِيمًا للْإِمَام وَقدمنَا عَنهُ عبارَة المدرجوركيه وَهِي قَوْله فِي حَقه لَو ادّعى النُّبُوَّة لأغناه كَلَامه عَن إِظْهَار المعجزة
وَابْن دحْيَة لَا تقبل رِوَايَته فَإِنَّهُ مُتَّهم بِالْوَضْعِ على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَمَا ظَنك بِالْوَضْعِ على غَيره والذهبي نَفسه معترف بِأَنَّهُ ضَعِيف وَقد بَالغ فِي تَرْجَمته فِي الإزراء عَلَيْهِ وَتَقْرِير أَنه كَذَّاب وَنقل تَضْعِيفه عَن الْحَافِظ أَيْضا وَعَن ابْن نقطة وَغير وَاحِد
وَأخْبر النَّاس بِهِ الْحَافِظ ابْن النجار اجْتمع بِهِ وجالسه وَقَالَ فِي تَرْجَمته رَأَيْت النَّاس مُجْمِعِينَ على كذبه وَضَعفه قَالَ وَكَانَت أَمَارَات ذَلِك لائحة عَلَيْهِ
وَأطَال فِي ذَلِك
وَبِالْجُمْلَةِ لَا أعرف مُحدثا إِلَّا وَقد ضعف ابْن دحْيَة وَكذبه لَا الذَّهَبِيّ وَلَا غَيره وَكلهمْ يصفه بالوقيعة فِي الْأَئِمَّة والاختلاق عَلَيْهِم وَكفى بذلك
وَأما قَوْله وَبَقِي بِسَبَبِهَا مُدَّة مجاورا وَتَابَ فَمن البهت لم ينف الإِمَام أحد وَإِنَّمَا هُوَ خرج وَمَعَهُ الْقشيرِي وَخلق فِي وَاقعَة الكندري الَّتِي حكيتها فِي تَرْجَمَة الْأَشْعَرِيّ وَفِي تَرْجَمَة أبي سهل بن الْمُوفق وَهِي وَاقعَة مَشْهُورَة خرج بِسَبَبِهَا الإِمَام والقشيري
والحافظ الْبَيْهَقِيّ وَخلق كَانَ سَببهَا أَن الكندري أَمر بلعن الْأَشْعَرِيّ على المنابر لَيْسَ غير ذَلِك وَمن ادّعى غير ذَلِك فقد احْتمل بهتانا وإثما مُبينًا
وَمن كَلَامه أَيْضا أخبرنَا يحيى بن أبي مَنْصُور الْفَقِيه وَغَيره من كِتَابهمْ عَن الْحَافِظ عبد الْقَادِر الرهاوي عَن أبي الْعَلَاء الْحَافِظ الهمذاني أخبرهُ قَالَ أَخْبرنِي أَبُو جَعْفَر الهمذاني الْحَافِظ قَالَ سَمِعت أَبَا الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ وَقد سُئِلَ عَن قَوْله تَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} فَقَالَ كَانَ الله وَلَا عرش
وَجعل يتخبط فِي الْكَلَام
فَقلت قد علمنَا مَا أَشرت إِلَيْهِ فَهَل عِنْد الضرورات من حِيلَة فَقَالَ مَا تُرِيدُ بِهَذَا القَوْل وَمَا تَعْنِي بِهَذِهِ الْإِشَارَة قلت مَا قَالَ عَارِف قطّ يَا رباه إِلَّا قبل أَن يَتَحَرَّك لِسَانه قَامَ من بَاطِنه قصد لَا يلْتَفت يمنة وَلَا يسرة يقْصد الْفَوْقِيَّة فَهَل لهَذَا الْقَصْد الضَّرُورِيّ عنْدك من حِيلَة فبينها نتخلص من الفوق والتحت وبكيت وَبكى الْخلق
فَضرب بِيَدِهِ على السرير وَصَاح بِالْحيرَةِ وخرق مَا كَانَ عَلَيْهِ وَصَارَت قِيَامَة فِي الْمَسْجِد فَنزل وَلَا يجبني إِلَّا بتأفيف الدهشة والحيرة وَسمعت بعد هَذَا أَصْحَابه يَقُولُونَ سمعناه يَقُول حيرني الهمذاني
انْتهى
قلت قد تكلّف لهَذِهِ الْحِكَايَة وأسندها بِإِجَازَة على إجَازَة مَعَ مَا فِي إسنادها مِمَّن لَا يخفى محاطة على الْأَشْعَرِيّ وَعدم مَعْرفَته بِعلم الْكَلَام
ثمَّ أَقُول يَا لله وَيَا للْمُسلمين أيقال عَن الإِمَام إِنَّه يتخبط عِنْد سُؤال سَأَلَهُ إِيَّاه هَذَا الْمُحدث وَهُوَ أستاذ المناظرين وَعلم الْمُتَكَلِّمين أَو كَانَ الإِمَام عَاجِزا عَن أَن يَقُول لَهُ كذبت يَا مَلْعُون فَإِن الْعَارِف لَا يحدث نَفسه بفوقية الجسمية وَلَا يحدد ذَلِك إِلَّا جَاهِل يعْتَقد الْجِهَة بل نقُول لَا يَقُول عَارِف يَا رباه إِلَّا وَقد غَابَتْ عَنهُ الْجِهَات وَلَو كَانَت جِهَة فَوق مَطْلُوبَة لما منع الْمُصَلِّي من النّظر إِلَيْهَا وشدد عَلَيْهِ فِي الْوَعيد عَلَيْهَا
وَأما قَوْله صَاح بِالْحيرَةِ وَكَانَ يَقُول حيرني الهمذاني فكذب مِمَّن لَا يستحيي وليت شعري أَي شُبْهَة أوردهَا وَأي دَلِيل اعْتَرَضَهُ حَتَّى يَقُول حيرني الهمذاني ثمَّ أَقُول إِن كَانَ الإِمَام متحيرا لَا يدْرِي مَا يعْتَقد فواها على أَئِمَّة الْمُسلمين من سنة ثَمَان وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة إِلَى الْيَوْم فَإِن الأَرْض لم تخرج من لدن عَهده أعرف مِنْهُ بِاللَّه وَلَا أعرف مِنْهُ فيالله مَاذَا يكون حَال الذَّهَبِيّ وَأَمْثَاله إِذا كَانَ مثل الإِمَام متحيرا إِن هَذَا لخزي عَظِيم
ثمَّ لَيْت شعري من أَبُو جَعْفَر الهمذاني فِي أَئِمَّة النّظر وَالْكَلَام وَمن هُوَ من ذَوي التَّحْقِيق من عُلَمَاء الْمُسلمين
ثمَّ أعَاد الذَّهَبِيّ الْحِكَايَة عَن مُحَمَّد بن طَاهِر عَن أبي جَعْفَر وَكِلَاهُمَا لَا يقبل نَقله وَزَاد فِيهَا أَن الإِمَام صَار يَقُول يَا حَبِيبِي مَا ثمَّ إِلَّا الْحيرَة فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون لقد ابتلى الْمُسلمُونَ من هَؤُلَاءِ الجهلة بمصيبة لَا عزاء بهَا
ثمَّ ذكر أَن أَبَا عبد الله الْحسن بن الْعَبَّاس الرستمي قَالَ حكى لنا أَبُو الْفَتْح الطَّبَرِيّ الْفَقِيه قَالَ دَخَلنَا على أبي الْمَعَالِي فِي مَرضه فَقَالَ اشْهَدُوا عَليّ أَنِّي رجعت عَن كل مقَالَة يُخَالف فِيهَا السّلف وَأَنِّي أَمُوت على مَا يَمُوت عَلَيْهِ عَجَائِز نيسابور
انْتهى
وَهَذِه الْحِكَايَة لَيْسَ فِيهَا شَيْء مستنكر إِلَّا مَا يُوهم أَنه كَانَ على خلاف السّلف
وَنقل فِي الْعبارَة زِيَادَة على عبارَة الإِمَام
ثمَّ أَقُول للأشاعرة قَولَانِ مشهوران فِي إِثْبَات الصِّفَات هَل تمر على ظَاهرهَا مَعَ اعْتِقَاد التَّنْزِيه أَو تؤول
وَالْقَوْل بالإمرار مَعَ اعْتِقَاد التَّنْزِيه هُوَ المعزو إِلَى السّلف وَهُوَ اخْتِيَار الإِمَام فِي الرسَالَة النظامية وَفِي مَوَاضِع من كَلَامه فرجوعه مَعْنَاهُ الرُّجُوع عَن التَّأْوِيل إِلَى التَّفْوِيض وَلَا إِنْكَار فِي هَذَا وَلَا فِي مُقَابلَة فَإِنَّهَا مَسْأَلَة اجتهادية أَعنِي مَسْأَلَة التَّأْوِيل أَو التَّفْوِيض